من التضخم الجامح إلى خطوات التعافي… قراءة تحليلية في الواقع الاقتصادي السوري بعد التحرير

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – بقلم: سامر الهرباوي:

لا يخفى على أحد حجم التحديات الاقتصادية الجسيمة التي عاشتها سوريا قبل سقوط النظام السابق، حيث شهدت البلاد موجة من التضخم الواسع النطاق، طالت مختلف مفاصل الحياة الاقتصادية والمعيشية، فقد ترافقت ارتفاعات الأسعار مع انهيار القدرة الشرائية، وتزايد معدل البطالة، وتعاظم العجز في الموازنة العامة للدولة، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية التي حاصرت الاقتصاد السوري وضيّقت عليه الخناق.

لكن السؤال المطروح الآن؟

كيف أصبحت البنية الاقتصادية في سوريا بعد التحرير، وماذا طرأ من تغيرات على تلك العوامل التي ضربت الاقتصاد السوري سابقاً: لقد تمثل التضخم آنذاك في أشد صوره قسوة؛ إذ كان تضخمًا جامحًا دفع بالعملة الوطنية إلى مستويات متدنية، نتيجة سياسات نقدية كارثية، تمثلت في الإنفاق المفرط على التسلح وشراء الأسلحة الفتاكة لقمع الشعب، وهو ما خلف التزامات وديون خارجية أثقلت كاهل الدولة، كما مارست السلطة السابقة شكلاً من التضخم المكبوت عبر التسعير القسري للسلع دون مراعاة حقيقية لقيمتها السوقية، وذلك كي يزيد اعباء الضرائب على المتاجر الحقيقية في حال قام البائع ببيع السلع بسعرها الحقيقي مما أدى إلى اختلال آليات السوق وازدهار السوق السوداء.

ومن ناحية بنيوية، كان منشأ التضخم في جوهره تكاليفيًا دائمًا، حيث أدى ارتفاع تكاليف الإنتاج، في ظل ضعف البنية التحتية وغياب بيئة العمل، إلى زيادة مستمرة في أسعار السلع والخدمات، دون أي نمو موازٍ في الناتج المحلي.

ولكن المشهد الاقتصادي السوري بدأ يتبدّل تدريجيًا بعد التحرير، مع ظهور ملامح واضحة لتعافي البنية الاقتصادية الوطنية، رغم التحديات القائمة، وقد شهدت البلاد خلال المرحلة الأخيرة عددًا من التحولات النوعية، يمكن تلخيص أبرزها في المحاور الآتية:

أولاً: على مستوى السياسة النقدية والعملة الوطنية: أطلق مصرف سوريا المركزي جملة من السياسات الهادفة إلى استعادة التوازن النقدي، من بينها شراء الدولار من السوق بأسعار تفوق السوق السوداء، وطرحه بأسعار أقل، بهدف كبح جماح المضاربة ودفع المواطنين للتعامل عبر القنوات الرسمية، وقد ساهمت هذه السياسات، وإن بشكل جزئي، في رفع قيمة الليرة السورية.

كما ساهم دخول أعداد كبيرة من العائدين والمهجرين إلى البلاد، والذين يحملون العملات الأجنبية، في زيادة الطلب على العملة المحلية، وهو ما أسهم بدوره في تخفيف حدة الأزمة النقدية، إلى جانب تدفق المساعدات الدولية بالدولار، وعودة بعض رؤوس الأموال للاستثمار محليًا، مما أدى إلى تعزيز عرض العملات الأجنبية.

ثانيًا: على مستوى الإنتاج والسلع: شهدت السوق السورية تحسنًا ملحوظًا في تدفق السلع والمواد الأساسية، بعد أن كانت تعاني من نقص حاد بسبب القيود التي فرضها النظام السابق، وقد ساهمت القرارات الاقتصادية الأخيرة، لا سيما القرار الصادر عن وزير الاقتصاد السابق في إدلب، السيد باسل عبد العزيز، بالسماح باستيراد معدات الإنتاج دون قيود جمركية، في تحفيز قطاع الصناعة، وتشجيع رؤوس الأموال على دخول السوق.

 

وقد انعكس ذلك إيجابًا على الدورة الاقتصادية، من خلال زيادة فرص العمل، ورفع مستويات الإنتاج، وانخفاض نسبي في تكاليف المعيشة، كما بدأت تظهر ملامح أفكار ومشاريع اقتصادية جديدة، وتطوير منتجات محلية، مما أدى إلى تعزيز الطلب على اليد العاملة وتحريك السوق الداخلية.

 

ثالثًا: دور المؤسسات والمجتمع: اليوم، يمكن القول إن الاقتصاد السوري، وإن لم يصل بعد إلى مرحلة الاستقرار الكامل، إلا أنه يسير في مسار تعافٍ تدريجي وواعد، بفضل تكامل أدوار ثلاثية بين:

1- وزارة الاقتصاد و محاولتها في إنشاء استثمار و زيادة العوائد

2- المصرف المركزي و محاولته في دعم اليرة السورية

3ـ الشعب و الافراد و محاولاتهم في اقامة مختلف الأنواع و الانشطة الاقتصادية.

Leave a Comment
آخر الأخبار