الحرية – نهى علي:
لأول مرّة في تاريخ هذه البلاد.. يتم الإعلانُ عن صندوق سيادي لتنفيذ مشاريع تنموية و إنتاجية..فالمرسوم رقم 113 لعام 2025 القاضي بإحداث الصندوق السيادي لتنفيذ مشاريع تنموية وإنتاجية مباشرة والاستثمار الأمثل للموارد، هو البداية التي كان ينتظرها الجميع.
• د. قوشجي: تأتي أهمية إحداث الصندوق السيادي في سوريا انطلاقاً من ضرورة تحقيق الاستثمار الأمثل للموارد الوطنية.. و تسخير العائدات الناتجة عن الموارد المحلية مثل الفوسفات والمعادن والطاقة الشمسية
بالتأكيد ثمة أهمية كبيرة لإحداث صندوق سيادي في سوريا يعد مدخلاً للتنمية المستدامة والاستثمار الفاعل للموارد.. من وجهة نظر الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي، الذي يرى أن سوريا تعاني منذ أكثر من عق أزمةً اقتصادية مركبة، تشمل تراجع الإنتاج المحلي، ضعف البنية التحتية، وتدهور الثقة بالمؤسسات المالية وهروب رؤوس الأموال.
وفي ظل الحاجة الملحة لإعادة إعمار شامل وتنمية اقتصادية مستدامة، تبرز فكرة إنشاء صندوق سيادي كأداة إستراتيجية لإدارة الثروات والاستثمارات وتحفيز النمو الإنتاجي.
• د. قوشجي: مطلوب إصدار قانون خاص به يوضح أهدافه وآليات عمله، ما يوفر أساساً قانونياً ومؤسساتياً متيناً..و تشكيل مجلس إدارة مستقل يضم خبراء اقتصاديين وقانونيين من الداخل والخارج لضمان إدارة رشيدة
كيان مالي محوكم
فالصندوق السيادي وفقاً للدكتور قوشجي في تصريحه لـ ” الحرية”، هو كيان مالي مملوك للدولة، يُستخدم لإدارة الفوائض المالية أو الموارد الاستثنائية (كالنفط والغاز أو عائدات التخصيص والمساعدات أو السندات الحكومية)، من أجل تمويل مشاريع تنموية وإنتاجية طويلة الأمد داخل البلاد، يعتمد نجاحه على الشفافية، الحوكمة الرشيدة، والاستقلالية النسبية عن التقلبات السياسية.
وتأتي أهمية إحداث الصندوق السيادي في سوريا انطلاقاً من ضرورة تحقيق الاستثمار الأمثل للموارد الوطنية.. فمن خلال تسخير العائدات الناتجة عن الموارد المحلية مثل الفوسفات والمعادن والطاقة الشمسية، يمكن توظيف تلك الإيرادات في تحريك عجلة الاقتصاد. كما يشكل إعادة توظيف أصول الدولة غير المنتجة (القطاع العام المترهل) فرصة لتمويل مشاريع ذات عائد اقتصادي واجتماعي مباشر، تسهم في خلق قيمة مضافة حقيقية على المستويين الوطني والمحلي.
وظائف حيوية
يرى الخبير الاقتصادي والمصرفي، أنّ إحدى الوظائف الحيوية لهذا الصندوق تتمثل في تمويل مشاريع تنموية وإنتاجية مستقلة، مثل إطلاق مبادرات وطنية في مجالات كثيرة تبدأ بإعادة بناء البنية التحتية مروراً بالصناعات التكنولوجية، وإنشاء مناطق حرة إنتاجية. مثل هذا التوجه من شأنه تقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية والقروض المشروطة، بما يعزز من الاستقلال الاقتصادي ويمنح سياسات الدولة مزيداً من المرونة.
وعلى المستوى المالي، يسهم الصندوق في تعزيز الثقة محلياً ودولياً، عبر تحسين التصنيف الائتماني لسوريا من خلال إظهار التزام واضح بالحفاظ على استقرار مالي طويل الأمد. كما يمكن للصندوق أن يجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إذا ما تم التعامل معه كأداة مستقلة لإدارة الموارد الاقتصادية بكفاءة وشفافية.
من جهة أخرى، يُعد تحقيق العدالة التنموية بين المحافظات هدفاً محورياً من خلال هذا الصندوق، إذ يمكن تخصيص جزء من عائداته لدعم المشاريع التنموية في المناطق الأقل حظاً. هذا التوزيع العادل يحد من الفوارق الإقليمية ويعزز الاندماج الاقتصادي على المستوى الوطني.
آليات عمل احترافية
بخصوص آليات عمل الصندوق السيادي المقترح، فتشمل – حسب د. قوشجي – تنوعاً واضحاً في مصادر التمويل، والتي تتراوح بين عائدات الموارد الطبيعية، مخصصات من الموازنة العامة، الهبات الدولية، وبيع الأصول غير المستغلة. كذلك، يُتوقع أن تُوجَّه الاستثمارات نحو مشاريع إنتاجية مباشرة، والبنية التحتية، والتحول الرقمي، إلى جانب الصناعات ذات القيمة المضافة. لضمان الشفافية والمساءلة، يُفترض أن يتم إشراف برلماني على الصندوق إلى جانب إصدار تقارير دورية مستقلة، وإطلاق منصة إلكترونية تتيح للمواطنين والجهات المهتمة متابعة المشاريع وتفاصيل التمويل.
ولنجاح تأسيس هذا الصندوق، يقترح الخبير الاقتصادي توصيات عدة، أولها إصدار قانون خاص به يوضح أهدافه وآليات عمله، ما يوفر أساساً قانونياً ومؤسساتياً متيناً. كما يقترح تشكيل مجلس إدارة مستقل يضم خبراء اقتصاديين وقانونيين من الداخل والخارج لضمان إدارة رشيدة.. يجب كذلك ربط الصندوق بأهداف إستراتيجية وطنية، كدعم الاقتصاد الرقمي، الطاقة المتجددة، وتعزيز سلاسل الإنتاج، إلى جانب اعتماد نظم حوكمة ذكية مبنية على مؤشرات اقتصادية واضحة، والالتزام بأعلى معايير الشفافية والتقييم المستمر لأداء الصندوق.
• د. اسمندر: سيحقق الأهداف التي أحدث من أجلها خصوصاً مع تبعيته المباشرة لرئاسة الجمهورية.. ما يعطيه استقلالاً عن التدخلات التي قد تؤثر في عمله.
خطوة في وقتها
في السياق ذاته يرى الخبير الاقتصادي الدكتور إيهاب اسمندر، أنّ خطوة تأسيس الصندوق مهمة من حيث توقيتها، باعتبارها مترافقة مع بدء سوريا مرحلة إعادة الإعمار بعد فترة طويلة من الاضطراب والحروب كما يرى في تصريحه لـ ” الحرية”، أن أهمية الصندوق تأتي من الأهداف المعلنة في مرسوم إحداثه، ومن أهمها تأهيل البنية التحتية كالمطارات والمرافىء وشبكات الطرق، والتي هي أساسية في أي نهضة اقتصادية متوقعة لسوريا.
وينطلق د. اسمندر في تقييمه للصندوق من فرضية أنه سيحقق الأهداف التي أحدث من أجلها خصوصاً مع تبعيته المباشرة لرئاسة الجمهورية، ما يعطيه استقلالاً عن التدخلات التي قد تؤثر في عمله.
فقبل كل شيء هناك حاجة لوضع خطة عمل الصندوق وإقرارها في مجلس إدارته لبيان الإنجازات المتوقعة منه.
كما من المفترض بحسب مرسوم الإحداث أن الصندوق سيعمل على توجيه استثمارات حكومية وخاصة لإعادة تأهيل البنية التحتية، وتطوير المرافق العامة وإعادة الإعمار، مثل هذه المطارح أساسية في تحقيق النمو الاقتصادي المطلوب بما يناسب متطلبات التنمية ورفع مستوى جودة حياة السوريين، وأساسية للاستقرار الاقتصادي.
• د. اسمندر: تحتاج هذه المشروعات إلى دور حكومي رئيسي.. وهو الذي سيلعبه صندوق التنمية عبر توفيره قسماً كبيراً من التمويل اللازم (قد يصل مئات المليارات من الدولارات)
ويضيف: من المعروف أنه لا يمكن التعويل على القطاع الخاص فقط في مشروعات تأهيل البنية التحتية وإعادة الإعمار في مجالات (الطرق، المطارات، الموانئ، الإسكان، المرافق الصحية، المرافق التعليمية، إعادة بناء المناطق المتضررة….) إذ تحتاج هذه المشروعات إلى دور حكومي رئيسي، وهو الذي سيلعبه صندوق التنمية، عبر توفيره قسماً كبيراً من التمويل اللازم (قد يصل مئات المليارات من الدولارات) في سوريا لما شهدته من دمار واسع والمطلوب ليس فقط إعادة بنائها كما كانت بل تطويرها لتضاهي الدول المتقدمة.
• د. اسمندر: خلق فرص عمل كثيرة للسوريين وحمايتهم من البطالة التي تشكل ما لا يقل عن 50% من قوة العمل
فرص عمل
يؤكد الخبير اسمندر أنه سينتج عن عمل الصندوق في مشروعاته، خلق فرص عمل كثيرة للسوريين وحمايتهم من البطالة التي تشكل ما لا يقل عن 50% من قوة العمل، خصوصاً مع توجه الحكومة نحو تقليص دورها في التشغيل، ومع فرص العمل الجديدة سيزداد الدخل المتاح للسوريين وهو ما قد يسهم في تقليل مشكلة الفقر الكبيرة في البلد.
أي من خلال عمل الصندوق كمصدر رئيسي لتمويل الاستثمار في مشروعات البنية التحتية وإعادة الإعمار فإنه سيوفر فرصة لنمو اقتصادي قابل للاستدامة في سوريا واستعادة الخدمات الأساسية المطلوبة للسوريين.
جذب استثمارات
فإذا موّل الصندوق مشروعات إعادة الإعمار أو قسماً منها، فإنه سيشكل جذباً للاستثمارات المحلية والأجنبية إلى سوريا في مختلف المجالات، وجذب هذه الاستثمارات سيسهم في نقل المعرفة والخبرات العالمية وتوطينها في سوريا وتأهيل الكوادر السورية وتدريبها ورفع مستوى رأس المال البشري السوري، ولاسيما مع المشروعات التي تستخدم التكنولوجيا العالية التي تفتقدها سوريا (بحسب دراسة لليونيدو 2021، سوريا من أضعف البلدان في مجال التكنولوجيا العالية)
يتوقّع د. اسمندر أن ينعكس عمل الصندوق على زيادة الدور الاقتصادي للقطاع الخاص السوري، وخلق ترابطات مع مشروعات صغيرة ومتوسطة، ما يعني استهداف فئات هشة في المجتمع السوري وإشراكها في تنمية بلدها.
فالصندوق من حيث أهدافه سيكون له الدور الأهم في تعافي الاقتصاد السوري.
بيئة النجاح
ولنجاح الصندوق في عمله وتحقيق الغاية المطلوبة منه، يرى الخبير الاقتصادي اسمندر أنه يترتب ضمان تحقيق مجموعة من المتطلبات..أولها حوكمة دقيقة لكل برامج الصندوق.. ثم رقابة فاعلة، على كل أعماله، والمساءلة عن أي تقصير أو تراخٍ في العمل، إلى جانب المرونة والشفافية الكاملة في إدارة موارده، وحسن اختيار إدارة الصندوق وكوادره من الكفاءات المميزة في العمل والمشهود لها بحسن الأداء، واستقلالية الإدارة وعدم التدخل في عملها، ولا ننسى ربط خطة الصندوق وأهدافه بمؤشرات كمية لقياس الأداء والتقييم على أساسها.
ومن المهم تنظيم ندوات دورية لشرح نتائج عمل الصندوق ومناقشتها مع خبراء ومختصين.
فما سبق يؤكد أهمية الصندوق، خصوصاً في حال استكمال بنيته التنظيمية والإدارية وهيكله الوظيفي وما إلى ذلك من متطلبات عمله الناجح.. من وجهة نظر الخبير الاقتصادي د. إيهاب اسمندر.