خريطة ترميم وعلاج ثم وقاية لغابات سوريا مابعد “جائحة الحرائق”..خبراء “أكساد” على “منصّة الحريّة”

مدة القراءة 33 دقيقة/دقائق

الحرية: غيداء حسن- زهير المحمد- ماجد مخيبر – مها سلطان:

أن نخسر ١٥ ألف هكتار من غاباتنا التهمتها النيران ولا تزال، ليس حدثاً عابراً، بل هو كارثة بيئية خطيرة تهدد الزراعة وتهدد المنطقة بالجفاف والتصحر ونفوق الحيوانات البرية التي كانت قد وجدت لها ملاذاً آمناً في تلك الغابات، وحتى الحيوانات الأليفة والطيور المجاورة للغابة. وكلنا لا ينسى صورة البطة التي احترقت وهي تحرس بيوضها، تقاوم لآخر رمق، في مشهد يدمي القلب.
خسارتنا ليست هينة، هي غابات من السحر والجمال، أشجار شوح وأرز وصنوبر، تغفو بين أحضانها بساتين زيتون وليمون وبرتقال، وأرزاق أناس يعتمدونها في لقمة عيشهم .
إذاً، في هذا المشهد الكارثي الذي تعتصر له القلوب، خسرنا وما زلنا نخسر مع النيران التي لا تهدأ، واحدة من أجمل غاباتنا محمية الفرنلق، وغيرها من غابات وأراضٍ.
لا ينفع الندم، ولكن أمام هذا المشهد، تساؤلات عدة تطرح نفسها: هل كانت إجراءاتنا قاصرة في حماية هذه الغابات حتى وصلنا إلى هذا المآل؟ وكيف يمكن أن ننقذ ما تبقى منها و السبيل إلى ترميمها ؟

بيت “خبرة”

صحيفتنا “الحرية” طرحت هذه التساؤلات على اختصاصيين من “بيت الخبرة”، المركز العربي لدراسة المناطق الجافة والأراضي القاحلة «أكساد»، كونه مشهوداً له بأبحاثه ونتائجه في الكثير من المجالات، ومنها ما يتعلق بموضوع الغابات، فكيف رأى خبراء المركز مشهد الواقع الراهن، وإلى أي حد وصل حجم الأضرار وفوات الفرص والأبعاد البيئية؟ وما السبيل لترميم ما خسرناه؟

المشهد وحجم الخسارة

يبين الدكتور بدر المحمد خبير التنوع الحيوي في ” أكساد”، تعاظم حجم الخسائر مع احتراق هذه المساحات الكبيرة من غابات سوريا، وطبعاً غابات الفرنلق تعتبر النواة الرئيسية للغابات السورية (غابات الصنوبر)، وهي أفضل نقاط من الغابات السورية الموجودة حالياً، أشجارها معمرة يتجاوز ارتفاعها الـ25 متراً، ومنها ما يتجاوز عمرها الـ100 عام، وقد يصل في بعض الحالات الفردية حتى 200 عام، فخسارتنا كبيرة جداً لتلك الأشجار، يضاف إليها خسارة في أنواع أشجار أخرى مرافقة كالصنوبر البروتي، السنديان شبه العذري ونباتات كثيرة، إضافة للنباتات كالنباتات العشبية والطبية والعطرية ونباتات مراعي النحل.. هذه الأضرار كبيرة جداً.
وهذا الحريق الأخير الذي رأيناه مؤخراً ليس حريقاً جزئياً -حسب د.المحمد- فهو يقضي على كل شيء موجود في هذه المساحات في طريقه، يحوله إلى رماد.

أكبر من أن تحصى

الواقع الراهن يصوره الدكتور محمد قربيصة خبير التنوع الحيوي في مركز “أكساد” وأستاذ في كلية الزراعة بجامعة دمشق، بأن الخسائر أكبر من أن تحصى، هناك شيء يرى بالعين ويسمع، لكن هناك أمور غير مرئية، فمن جملة الخسائر أن التربة بمكوناتها الحيوية واللاحيوية، أي على مستوى الأحياء الدقيقة النافعة في التربة، تتضرر في هذا الحريق، والمادة العضوية، إن كانت للفرشة الغابية (فوق سطح التربة) أو جذور النباتات تحترق، وهذه الخسارة تؤدي إلى تبدل بناء التربة وسهولة انجرافها بالهطولات المطرية أو بالرياح.

الأمر الآخر أن منطقة الهطولات المطرية لهذه الغابات تصل إلى 1200 ملم في المناطق المرتفعة، وهي ذات طبيعة طبوغرافية حرجة “انحدارات، ميول عالية”، فعادة تيجان الأشجار تتلقى الهطولات، والفرشة الغابية تتلقى الهطولات وتحبسها من الانسيال السطحي، فتؤدي إلى تغذية الينابيع بالمياه الجوفية، فإذا فقدنا هذا المكون يزداد الانجراف والسيلان السطحي، وبالتالي يؤثر الجفاف على المياه الجوفية وعلى الحياة البرية بشكل عام «الطيور-الحيوانات البرية المختلفة حجماً ونوعاً»، إذ كانت تلك الغابات موائل لها، وفقد هذا الموئل، يؤدي إلى تضرر هذه الحيوانات البرية، فضلاً عن الحيوانات المستأنسة في القرى والبلدات القريبة من مناطق الحريق، فهي أيضاً تتضرر، إن كان بكل مباشر على هذه الحيوانات أو على كونها تشكل مصدراً غذائياً، ناهيك بخسارة العنصر الجمالي، الاصطياف إلى ما هنالك.

زيادة الاحترار

د. قربيصة يضيف إلى ما سبق، أن هذا المكون الأخضر مسؤول عن امتصاص الكربون من الجو بالتمثيل الضوئي، فكلما ارتفعت نسبة ثاني أوكسيد الكربون يزداد الاحترار.
” الظاهرة العالمية” والتغيرات المناخية، هذا المكون الذي يخلص الهواء من ثاني أوكسيد الكربون فقدناه بالحرائق، ليس ذلك فحسب، بل إن كل ما ادخره عاد إلى الهواء بالحريق، إن كان طاقة حرارية أو غاز ثاني أوكسيد الكربون، من هنا فإن الحريق يسهم في الاحترار وزيادة ظاهرة الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية، منوهاً بأننا لو تحدثنا طويلاً عن أثر هذه الحرائق ومنعكساتها السلبية، فلن نلم بكل الأضرار.

مخبر استشعار عن بعد

المهندس باسم قتلان ماجستير نظم معلومات جغرافية واستشعار عن بعد وخبير في “أكساد”، يوضح أن مركز “أكساد” معني بمراقبة الأراضي في الوطن العربي بشكل عام، وأنشىء في المركز مخبر استشعار عن بعد، يقوم بمراقبة تدهور الأراضي من خلال مؤشراته، التي هي الغطاء النباتي، الغطاء الأرضي، الإنتاجية النباتية، والكربون الموجود في التربة، وهذه مؤشرات عالمية، من خلالها يمكن أن نحكم على المنطقة إن كانت متدهورة أم لا.

م. قتلان: سبّب عملية (كسر مفاجئة) في النظام البيئي كاملاً وقلّل كمية الكربون المحجوزة في التربة فزاد التدهور وأنقصَ من الغطاء النباتي الأرضي

عملية “كسر مفاجئة”

يصور م. قتلان هذا الحريق بأنه سبّب عملية (كسر مفاجئة) في النظام البيئي كاملاً، وفي الوقت ذاته قلّل كمية الكربون المحجوزة في التربة، فزاد التدهور وأنقصَ من الغطاء النباتي الأرضي، ويجب ألا ننسى كمية الكربون المحجوزة بالتربة التي خسرناها مع احتراق الغابات، إذا ما حسبت على المساحات المحروقة.

خصائص أشجارها

غابات الفرنلق -حسب دكتور قربيصة- فيها أشجار ما يسمى صفوف الخصوبة أو الصفوف الإنتاجية أو صفوف الارتفاع بالصنوبر، صفوف درجة أولى وصلت في الارتفاع إلى 28 متراً بخصائص أشجار مستقيمة الساق، أقطار لا بأس بها عالية والساق معراة طبيعياً، وهذه نقطة إيجابية أن نجد أشجار بساق معراة طبيعياً لأن الأخشاب الناتجة عنها تكون خالية من العقد.

يؤدي إلى الجفاف

يبين م. قتلان: من خلال المؤشرات عندما يتغير الغطاء النباتي، فإن معامل أو مقياس الهطول المطري سيختلف وتنقص قيمته وسيؤدي إلى الجفاف والتغيرات المناخية.

نظام بيئي معقد

الدكتور عواد الأسود أستاذ في جامعة الفرات وخبير المراعي في “أكساد”، يصف الغابة بأنها نظام بيئي معقد، وللعودة إلى مراحل تشكيلها نحتاج إلى مئات السنين، هناك تعاقب نبتي وتعاقب رجعي، أثناء الحريق صار تعاقب رجعي، فمع وصول الغابة إلى مرحلة معينة أثّر الحريق تراجعياً، فهي تحتاج إلى وقت لتعود .

خلل.. وخسائر بـ”الجملة”

النظام البيئي ـوفق د. الأسودـ يتضمن التربة، النبات، الحيوان، المناخ، العوامل البيئية، ويوجد تفاعل بين هذه العوامل، وبالتالي أدى الحريق إلى خلل وكسر هذه العلاقة وهذه السلسلة في الغابة، وخسارة الأشجار تعتبر خسارة كبيرة من الناحية الاقتصادية، سواء ككتلة خشبية هائلة، أو من الناحية البيئية أيضاً. إذ معروف عن الغابات أنها مصدر للأوكسجين تأخذ غاز ثاني أكسيد الكربون عن طريق عملية التمثيل الضوئي، وبالتالي أصبح هناك خلل كبير في هذا النظام البيئي.

د. الأسود: تعرض المناطق وخاصة الوعرة للانجراف المائي مستقبلاً في حال لم تتم المعالجة

الانجراف المائي

خسائر من الناحية البيئية يضيفها د. الأسود إلى الخسائر المذكورة، وهي تعرض المناطق، وخاصة الوعرة، للانجراف المائي مستقبلاً في حال لم تتم المعالجة، بالإضافة إلى خسارة المجتمع المحلي المحيط بالغابة لها، عدا عن الاستجمام والناحية السياحية والبيئية أيضاً، كلها تأثرت، و بالتالي الخسارة للأسف كبيرة جداً.

الإنسان مسؤول بدرجة كبيرة

يبين د.الأسود، أنه في إدارة وتنظيم الغابات هناك قواعد علمية، فأي غابة يجب أن يكون لها إدارة، بنى تحتية، أبراج مراقبة يجب أن تكون جاهزة، خطوط نار مخدمة، مراكز إطفاء بجهوزية عالية، طبعاً الظرف الذي مرت به البلد، أدى إلى هذا الإهمال، وهناك ظرف بيئي قاهر، وطبعاً قد تكون من 90 إلى 95% من حرائق الغابات عائدة إلى الإنسان، سواء عن قصد أو غير قصد، إذاً الإنسان مسؤول بدرجة كبيرة.
مضيفاً: قبل عشر سنوات كان يحصل لدينا حرائق، لكنها كانت بسيطة مُتحكم بها ومسيطر عليها، لكن الآن موضوع اشتعال مساحات واسعة في منطقة وعرة وظرف بيئي صعب السيطرة، من هنا كانت الخسارة أكبر.

نفتقر لتقنيات حديثة

في حين يرى م. قتلان أنه لا توجد لدينا التقنيات الحديثة، من استشعار عن بعد، إنذار مبكر، فلو كانت متوفرة لكانت ردة الفعل أسرع، لذلك يجب وضع حساسات وكاميرات أو “درونات”.

ويضيف د. قربيصة: كي لا نجلد أنفسنا كثيراً، حرائق الغابات في المنطقة المتوسطية في الغابات المخروطية طبيعية، يعني ليس معقولاً أن تكون لدينا غابات من دون حرائق، وخاصة غابات مخروطية، فلا يوجد أي دولة من دول العالم تنجو من حرائق الغابات.
هناك تحديات ولدينا نقاط ضعف في الغابة السورية، الصنوبر البروتي السائد في المنطقة حقيقة يوجد في ست دول سوريا وتركيا والعراق ولبنان وقبرص واليونان، دول شرق المتوسط.

فعل فاعل و”بخبث”

الواقع والتحديات التي تواجه هذه الغابة، وهي نقاط ضعف -وفق د.قربيصة – أولاً أنها مخروطية، فالمخروطيات (الصنوبر– الأرز…) سريعة الاشتعال بسبب الزيوت “الراتنجية” التي تحويها، فهي حساسة للحريق، وليست كعريضات الأوراق. ثانياً الطبيعة الطبوغرافية الحرجة جداً، إذ ليس لدينا غابات أرض منبسطة، سهلة التقسيم. أيضاً الهطولات المطرية لهذا الموسم شتاء2024-2025 كانت ربع المعدل وفصل الهطول كان قصيراً، زيادة الجفاف والاحترار، وبالتالي هي عوامل مساعدة على الاشتعال، ولكن ذلك لا ينفي أن هناك فعل فاعل بخبث، حيث تم استغلال الفترة التي هبت فيها الرياح في هذه المرحلة، والرياح عامل خطير، وموقع غاباتنا تقع إلى شرق البحر ورياحنا السائدة جنوبية غربية، إضافة إلى أنه عادة عندما تشتعل نقطة تنطلق ألسنة اللهب إلى أعلى، ولكن مع الرياح من الغرب تقابل أشجاراً أعلى، فيكون هناك سرعة بانتقال الحريق إلى الأعلى، ولو كان الحريق من جهة الشرق لكان انتقاله أبطأ.
يضاف إلى ذلك أن الـ15 عاماً الفائتة كانت الجهة الرسمية المسؤولة عن قطاع الغابات في الظروف غير مساعدة، فصار هناك إهمال، وتزامن الظروف في هذه المرحلة مع ووجود كادر خارج التغطية، فأتت الحرائق في الوقت الحرج، والحقيقة أن الكثير من الأمور يمكن استدراكها مستقبلاً، لكن تحتاج إلى جهود مكثفة وجبارة وأن تدرس بفنية، لأن أي إجراء يتخذ بشكل غير فني يمكن أن يكون سلبياً.

د. المحمد: الثمار المخروطية “الصنوبر” عند ارتفاع درجة الحرارة تنفجر وتقذف للأمام لمسافة بضعة أمتار وخاصة مع الرياح ما يؤدي إلى تسريع انتشار الحريق

أشبه بالانفجار

د. المحمد يضيف إلى العوامل المساعدة على الاشتعال التي ذكرت، أن الثمار المخروطية “الصنوبر” عند ارتفاع درجة الحرارة يصبح هناك ما هو أشبه بالانفجار، وتقذف للأمام لمسافة بضعة أمتار، وخاصة مع الرياح، ما يؤدي إلى تسريع انتشار الحريق.
بالنسبة للعوامل البشرية، يشير د. المحمد إلى موضوع التوقيت من حيث عوامل الظروف البيئية وسرعة الرياح والجفاف، إذ صار هناك تناغم بوجود أكثر من حريق في مناطق مختلفة من سوريا، فمثلاً في دير الوزر بالجزر النهرية التي يوجد فيها أشجار حراجية اندلع فيها حريق وبعد أن أطفىء، عاود اشتعاله مرة ثانية، وهذا الأمر كان ليلاً، وكذلك في محافظات أخرى ومناطق متفرقة، إذا الأمر ليس طبيعياً ولا هو بالصدفة.
اليوم وقد وقعت الفأس في الرأس، هل نبقى نحصي الأضرار، أم أن هناك إجراءات ضرورية لابد من القيام بها؟

الطبيعة ترمم نفسها

الدكتور المحمد نوه بأن الطبيعة ترمم نفسها بنفسها، فالمخاريط المحترقة تنشر بذوراً لعدة أمتار “إلى الأمام والخلف”، والتي يتشكل منها خلال موسم النمو غراس “بادرات”، تتم مراقبتها وحساب نسبة كثافتها، علماً أن المواقع التي تتعرض للحرائق يجب أن تراقب لمدة عامين “فصلي نمو” ويوصى بعدم إزاحة الأشجار أو الجذوع المحروقة، فبقاؤها هام جداً لعدة أمور، أهمها أنها تحفظ التربة من الانجراف وتمنع سيلان المياه، وبعد مضي فترة المراقبة، نقوم بإجراء حساب نسبة كثافة البادرات ودراسة عملية التجدد، ووفقاً لذلك نتخذ الإجراءات اللاحقة.

متطلبات

تتطلب مواجهة حرائق الغابات تأمين عدة متطلبات، تبدأ -وفق د.المحمد- من تأمين ممرات وطرق مناسبة لمرور آليات الإطفاء وعناصر الضابطة الحراجية، وليس خفياً على أحد أننا نعاني حالياً من قلة الطرقات وعدم جاهزيتها بالشكل الأمثل، كما أن إطفاء الحرائق يتطلب تأمين مادة الإطفاء الأساسية، وهي المياه، التي يجب أن تكون متوفرة وقريبة من مواقع الغابات، والأهم هو إيجاد مصادر للمياه في المناطق المرتفعة لكون تأمينها في المناطق المنخفضة أمراً سهلاً.

د. المحمد: السدات المائية وسيلة مهمة وفاعلة في مكافحة انتشار الحرائق تساعد على ترطيب الجو وهي بمثابة منهل للطائرات التي تساعد في أعمال الإطفاء وتزودها بالماء

ولم يخفِ د.المحمد أن منظمة أكساد نفذت خلال الفترات الماضية بالساحل السوري إنشاء العديد من مشاريع “سدات مائية” للتعامل مع حرائق الغابات. معتبراً إشراك المجتمع المحلي بحماية الغابات من الحرائق أمر هام جداً، فيجب تحفيزه وإشعاره بأن الغابات جزء لايتجزأ عنه.

 

د. قربيصة: عدم قطع أو قلع الأشجار والجذور في الغابات التي تعرضت للحرائق لكونها تساهم في عملية التظليل الجزئي للبادرات

عدم قطع أو قلع الأشجار والجذور

د. قربيصة، أوصى بعدم قطع أو قلع الأشجار والجذور في الغابات التي تعرضت للحرائق، لكونها تساهم في عملية التظليل الجزئي للبادرات، كما أن التيجان والأغصان التي بقيت صامدة بعد الحريق تتلقى الهطولات المطرية، وتالياً تخفف من انجراف التربة وتشكل سيلان مياه، مجدداً تحذيره من أن أي عملية سحب لجذور الأشجار تتسبب بتخريب التربة “الفرشة الغابية”، علماً أن كل واحد “سم” منها بحاجة لمئة عام ليعاد تشكيله.

ميزتان

وأضاف: التجدد الطبيعي للمواقع التي تتعرض لحريق له ميزتان، الأولى وهي ميزة ثانوية عديمة التكلفة، أما الثانية فهي ميزة أساسية لكون البادرات التي تشكلت من بذار المخاريط هي “بنت البيئة”، منوهاً بأنه خلال الحرائق التي تعرضت لها غابات في الساحل عام ٢٠٢٢ تمت معاينة مواقع الحرائق، ولوحظ أنه خلال موسم نمو واحد وجدت ٨٠ ألف بادرة بالهكتار الواحد، وهو رقم ممتاز، علماً أننا بحاجة للموسم الذي يليه لبقاء ٤ آلاف بادرة منها فقط بالهكتار.
ولفت إلى أنه، بعد انقضاء العامين المحددين للمراقبة، يتم التدخل بتوزيع تلك البادرات، إن كان توزيعها غير متجانس، ففي المواقع التي نجد فيها كثافة في البادرات نقوم بقلعها وإعادة شتلها، وفي هذه العملية نحصل على فائدتين، تكمنان بتوفير تكاليف تأمين غراس، والأهم من ذلك أنها «بنت» البيئة الطبيعية، وفي حال كان توزع البادرات متجانساً، يكون دورنا فقط المراقبة والحماية.

خطورة بالتوقيت

وأكد الدكتور قربيصة أن المكون الأساسي للغابات في الساحل هو الصنوبريات، وهناك مرافقات من عريضات الأوراق، والأمر الخطير أن الصنوبريات لا تتجدد إلا بالبذار، أما باقي الأنواع المرافقة حتى وإن تعرضت للحرق، إلا أنها تنبت مجدداً.
وأضاف: ما أخشاه أن حرائق الغابات هذا العام أخطر من حرائق الغابات عام ٢٠٢٢ ليس من ناحية المساحة فحسب، وإنما من ناحية التوقيت، فحريق عام ٢٠٢٢ حدث أواخر شهر ٩ وحينها كانت مخاريط الأشجار المحترقة مكتملة النضوج، أما مخاريط الأشجار التي تعرضت للحرائق حالياً، فهي غير ناضجة.

5 سنوات للترميم

الغابات التي تتعرض للحرائق بحاجة إلى ٥ سنوات على الأقل لترمم نفسها بنفسها، يؤكد م. قتلان أنه خلال حرائق الغابات في الساحل عام ٢0٢٢، التي نتج عنها حرق مساحات تقدر بحوالي ٢٨ ألف هكتار، استطاعت الغابات أن ترمم نفسها بنفسها بنسبة ٨٠ بالمئة بعد خمس سنوات.

أهمية السدّات المائية

للسدات المائية أهمية، كونها وسيلة مهمة وفاعلة في مكافحة انتشار الحرائق، فهي-وفق د. المحمد- تساعد على ترطيب الجو، وهي بمثابة منهل للطائرات التي تساعد في أعمال الإطفاء وتزودها بالماء، ويمكن أيضاً عن طريق مد الأنابيب وتوزيعها يميناً ويساراً وبانحدار معين، أن يكون لها دور فاعل في المكافحة.
وحسب د. قربيصة، لهذه السدات المائية فوائد أيضاً على الحياة البرية، فهي تساعد في تنشيطها وتؤمن مصدراً مائياً للكائنات الحية في المنطقة المتواجدة فيها، مشيراً إلى أن منظمة أكساد لديها خبرة متميزة في مجال تنظيم هذه السدات المائية في المنطقة الساحلية، وهي تقوم بتقديم الخبرة عن طريق التنسيق مع الوزارات والجهات المعنية والمختصة.
والدارسات في هذا المجال، تقوم على تقسيم الغابات إلى عدة مقاسم ومواقع، يتم تخديمها بشبكة من الطرقات الرئيسية وطرقات “عصبونية” فرعية تصل إلى كل قطاع، وبحيث تكون هذه الطرق الرئيسية بمثابة خط نار يساعد في إطفاء وانتهاء الحريق عندما يصل إلى هذه الطرق الرئيسية.
ولفت إلى أن من الأمور الهامة التي يجب الانتباه إليها، القيام وبشكل دائم بعمليات التقليم وتنظيف هذه الطرق من الأعشاب اليابسة والأغصان اليابسة ذات الارتفاع المنخفض، أي الأغصان السفلية، كونها تكون سريعة الاشتعال وتنقل الحريق إلى الأقسام العليا والمرتفعة من الأشجار، وبالتالي يخرج الحريق عن السيطرة ويمتد إلى أجزاء أخرى من الغابة.

ضمانة للنجاح

ومن النقاط الأكثر أهمية، وفقاً لما ذكره الخبير في مجال التنوع الحيوي الدكتور محمد قربيصة، ضرورة إشراك المجتمع المحلي والأهلي في حماية هذه الغابات والحراج، فهو بمثابة ضمانة لنجاح أي مشروع وتوظيف أبناء هذه المناطق الحراجية بالعمل في هذه الغابات مع حصولهم على نظام مكافآت واتباعهم لدورات تدريبية، يتم خلالها تأهيل العاملين في مجال أعمال الحفاظ على الغابات والقيام بالتقليم و إزالة الأغصان اليابسة لما لها من أثر في حماية الغابة من الحريق وتوزيع قسم منها على العاملين، كونها الأسلوب الأنجح، والفائدة ستنعكس على العمال المشاركين في هذه المشاريع.

تجارب تشاركية ناجحة

ويبين د. الأسود أن المشاريع التي قامت بتنفيذها منظمة أكساد يوجد فيها العديد من التجارب التشاركية الناجحة ما بين الحكومات والمجتمع الأهلي، وأورد على سبيل المثال تربية النحل ضمن غابات الفرنلق في مواسم معينة والاستفادة منها كمراعٍ للنحل، إضافة إلى تربية بعض أنواع المواشي التي تقوم بالتخلص من بقايا النباتات العشبية كعلف لهذه الحيوانات، وبالتالي تقوم بتخليص الغابة من الأعشاب اليابسة التي تشكل خطراً كبيراً على الغابات ومصدراً يساعد على انتشار الحرائق ضمنها.

تحدّ من انتشار الحرائق

د.قربيصة تطرق إلى أهمية القيام بنشر نباتات رحيقية وعطرية تتناسب مع طبيعة كل منطقة، وبما يتناسب مع طبيعة التربة في كل منطقة مع تشجيع زراعة أشجار الخرنوب والغار للفائدة من أوراقها وفي أطراف الغابة وعلى جانبي خطوط النار، يمكن أيضاً أن تتم زراعة النباتات والأشجار عريضة الأوراق، كون احتراقها يكون أقل وهي تحد من انتشار الحرائق إلى أقسام أخرى من الغابة، علماً أن المجتمع الأهلي والمحلي يستفيد منها ومن أوراقها، وتشكل مصدر دخل مهم له من دون أن يقوم بالدخول إلى عمق الغابة، وبالتالي تعريضها لخطر الحرائق، كون الحركة تكون متمركزة على الأطراف.

لا بد من المجتمع المحلي

الحاضر المغيّب أو المفقود، أو لنقل العامل الذي لم يتم إدخاله حتى الآن في المعادلة، سواء لناحية منع اندلاع الحرائق، أو لناحية مكافحتها في حال اندلعت، أو في حال عمليات الترميم والتعويض ومساعدة الغابات في تجديد نفسها بنفسها. وهذه النقطة الثالثة هي الأهم والأكثر إلحاحاً حالياً في ظل الحرائق المستعرة التي تشهدها سوريا منذ أيام، علماً أنها ليست الأولى، حيث شهدت سوريا مثيلاً لها في الـعام 2020، وسوريا بالأساس عرضة دائمة لخطر اندلاع الحرائق بفعل نوعية غاباتها، من حيث نوعية الأشجار والامتداد، ومن حيث العوامل والأسباب العديدة التي تؤدي إلى اندلاع الحرائق، سواء منها البشري المتعمد وغير المتعمد، أو ما يتعلق بعوامل مناخية.
ورغم أن المجتمع المحلي تم اعتماده بقانون الحراج الجديد، إلا أنه لم يجد طريقه إلى التفعيل، رغم أهميته الشديدة.
والسؤال: كيف يمكن تفعيل المجتمع المحلي والوصول إلى أقصى مساهمة له في مسألة منع الحرائق أو مكافحتها أو المساعدة في عملية تجدد الغابات والغطاء النباتي؟

د.قربيصة: التركيز على مسألة التوظيف المناسب للكادر البشري عبر ربطه بشكل أساسي بالجغرافيا المحلية للمناطق المحيطة بالغابات

التوظيف المناسب للكادر البشري

يجيب د. قربيصة: بالتركيز على مسألة التوظيف المناسب للكادر البشري عبر ربطه بشكل أساسي بالجغرافيا المحلية للمناطق المحيطة بالغابات، فبدلاً من الاعتماد على التوظيف العام من مناطق بعيدة، وبدوام محدد، مرتبط بالزمان والمكان وبوسائل النقل، وبما لا يقدم أي فائدة عملية، نستطيع الاعتماد على موظفين أو عمال أو مهندسين من المجتمع المحلي الذي هو المعني الأول، ولا بد أن يكون المتعاون الأول. كما لا بد من التركيز عليه وخلق حالة من الانتماء إلى الغابات، أو على الأقل خلق حالة من المصلحة،الانتفاع، الإدراك، التوعية بقيمة الغابة، وإلا فإنها ستكون بمنزلة عدو له.

فائدة متبادلة

يبين د.قربيصة أن الحكومة في كل الأحوال ستدفع للموظف المعني بالغابات من أي محافظة كان، ولكن في مسألة الغابات وحرائقها فإن ابن المنطقة هو الأقدر على تخطي الوقت، وسرعة التبليغ، لأنه موجود في كل وقت، فإذا ما تحققت الفائدة المتبادلة، ليس فقط كموظف بأجر، ولكن الفائدة التي تحققها الغابات نفسها، لناحية مخرجاتها من عمليات التقليم والتفريد وغيرها، والتي يجب أن ينتفع منها أبناء المنطقة وبالمجان. ويمكن اعتماد موظفين مؤقتين إذا لم يكن متاحاً الاعتماد على موظفين دائمين.

جمعية تدير الغابة

ويقترح د. قربيصة إنشاء جمعية في كل قرية متاخمة للغابات، تدير العملية، توظف، وتقيم دورات تدريب مجانية، ليس فقط في مسألة مكافحة الحرائق، بل في التنمية وحراسة الغابة، وفي أعمال التقليم والتفريد والإخلاء.. إلخ، وبالتالي، فإن كل قرية أو بلدة تكون مسؤولة عن غابتها، و«أكساد» جاهزة لإقامة دورات على المدى القريب، ولديها تجارب مع المجتمع المحلي.
ويقدم د. قربيصة السودان مثالاً، حيث توجد غابات شعبية تشاركية بين الدولة والمجتمع المحلي، و كان لأكساد تجربة ناجحة هناك، مؤكداً أن نجاح أي مشروح مرتبط بالمجتمع المحلي.

تجارب الانتفاع

ويتحدث د. عواد الأسود عن تجارب الانتفاع من الغابة بالنسبة للمجتمع المحلي، مثل تجربة نحل العسل، وتربيته داخل الغابة، وبالتالي، فإن أصحاب هذا المشروع لديهم مصلحة وأولوية في الحفاظ على الغابة ومنع احتراقها. ويضيف: في معرض مديرية زراعة اللاذقية، كان هناك جناح عسل من محمية الفرنلق.

د.الأسود: تربية بعض أنواع المواشي للتخلص من بقايا النباتات العشبية التي تشكل حين يباسها خطراً كبيراً على الغابات

ويوضح نقطة متعلقة بتربية النحل، وهي زراعة النباتات الرحيقية العاسلة وفقاً للظرف الذي تسمح به كل منطقة، غابة، فإذا كانت الغابة قليلة الكثافة والتغطية نقوم بزراعة نباتات رحيقية مُحبة للضوء، وإذا كانت غابرة وعامرة نقوم بزراعة نباتات رحيقية مُحبة للظل، أي علينا اختيار أنواع رحيقية، بحيث تشكل مرعى إضافياً، رغم أن الصنوبر بالعموم هو مرعى وهناك النباتات المرافقة مثل الإيريكا، العجرم في الفرنلق، والزعتر وغير ذلك.

تباين الغطاء النباتي

ويشير د.قربيصة إلى تباين الغطاء النباتي وفق الارتفاعات (الطوابق) المناخية، فكل ارتفاع له نباتاته التي يمكن الاستفادة منها، فهناك نطاقات تضم الخرنوب، السنديان، ونباتات طبية، وأخرى تابلية.. إلخ .
ففي أطراف الغابة، يمكن زراعة نباتات عريضة الأوراق، مقاومة للحرائق، فهي أقل حساسية للحرائق، وبالتالي تحد من انتشارها، ويمكن للمجتمع المحلي الاستفادة منها، أو زراعتها، ولكن لا يجوز السماح له أن يتوسع في زراعتها داخل الغابة وبشكل بعيد عن الرقابة، وتالياً المخاطرة بحرائق مفتعلة. الهدف هنا مزدوج، حماية الغابة من الحرائق وتسهيل الوصول إلى الطرق. وعندما تتم الزراعة على أطراف الغابة تكون القدرة على الوصول أكبر وأسهل في تحقيق الفوائد المرجوة.
أما ما يتعلق بالزراعة داخل الغابة أو حتى ما يخص تربية الحيوانات، فإن نوع الغابة، حجمها وأشجارها، لها تأثير، فإذا كان تاج الغابة جيداً ونموه جيد، فإن نمو النباتات يكون محدوداً، وعليه تتم الزراعة على الأطراف.

خاضع لشروط ورقابة

وفيما يتعلق بتربية الحيوانات، فإن هذا الأمر خاضع لشروط ولرقابة، فإذا ما تحدثنا عن غابات احترقت، فإن إدخال الحيوانات إليها أمر ممنوع. وبمجرد أن يقضم الحيوان قمم الأشجار، فإن النمو الشاقولي يتوقف كلياً، ويتم النمو بالعرض، وهذا يعني خسارة بالمخروطيات. إذ بالإمكان إدخال الحيوانات إلى غابات متقدمة بالعمر، ولكن ليس بشكل عشوائي، وإنما ضمن حمولة رعوية على قاعدة العدد والمدة والتوقيت والهدف المطلوب.. إلخ.

وحدة غاز حيوي

ما سبق يصب في إطار تشجيع إقامة مشروعات صغيرة مرتبطة بالغابة، وفق م. قتلان الذي يضيف أنه بالإمكان الاستفادة من تقليم الغابة بإنشاء وحدة إنتاج غاز حيوي، مشيراً إلى أن أكساد لديها برنامج خاص بذلك، تم العمل عليه في منطقة الساحل.

م. قتلان: الدرونات بمنزلة حارس الغابة الذي بإمكانه أن يعطي إنذاراً مبكراً ولو كان على مستوى دخان بسيط

الـ«درونات» أنجح وسيلة إنذار مبكر

يتحدث م. قتلان عن استخدام تقنية الدرونات، الطائرات المسيرة، في منظومة الإنذار المبكر، ويعتبرها الأنجح في هذا الإطار، فهي بمنزلة حارس الغابة الذي بإمكانه أن يعطي إنذاراً مبكراً ولو كان على مستوى دخان بسيط.
ويرى أنه يمكن تقسيم الغابات إلى قطاعات حسب حجمها، وتخصيص 2 إلى 3 درونات لكل قطاع، يقوم بمسح غابات هذا القطاع على مدار 24 ساعة، ويقدم صوراً متتالية وفورية، تسمح بتحديد منطقة الحريق، أو المنطقة المحتمل اندلاع حريق فيها، وهذا يعني الوصول بسرعة ومكافحة الحريق من بدايته قبل أن يتسع ويمتد.
ويضيف: إن الاعتماد على الدرونات يقلل من الحاجة إلى الكادر البشري.
وضمن منظومة مكافحة الحرائق، لا بد من التطرق إلى الطيران المختص، ووجود مهابط بالمناطق المرتفعة، أي مطارات زراعية.
ويتحدث د. بدر المحمد عن نوعية الطيران والحمولة التي يستطيعها، والفرق ما بين طائرات يمكنها حمل 2 إلى 3 أطنان من المياه، وأخرى بإمكانها حمل 6 إلى 8 أطنان مياه، وكيفية حملها عبر خزانات وفق الطيران الحديث أو عبر الطيران التقليدي بما يشبه السطل الذي يجري تفريغه دفعة واحدة، وليس بطريقة الرش كما هي حال الخزانات والتي هي أكثر فاعلية.

الاستثمار السياحي

وضمن عوامل منع الحرائق، يتم الحديث عن الاستثمار في مشاريع سياحية ضمن مناطق محددة، تسمح بضبط حركة الناس العشوائية وأفعالهم، وبالتالي منعهم من ارتكاب مخالفات أو أفعال قد تؤدي إلى اشتعال الحرائق. ضمن هذا المسار يتحدث د. قربيصة بتحفظ، لأن المستثمر برأيه عندما يريد إقامة مشروع سياحي، لا تهمه شجرة ولا غابة ولا بيئة، وإذا ما كان هناك استثمارات، فيجب أن يكون المنعكس السلبي على البيئة صفراً. لكنه يعود ليؤكد أن أي موطئ قدم للإنسان في الغابة سوف يترك أثراً سلبياً، وعليه لا بد من اختيار مواقع محددة وبعناية وبرقابة للحد قدر الإمكان من الأثر السلبي.

تحتاج إلى تنظيم

ويشير د. قربيصة إلى مثال من قرية الدردارة (سهل الغاب)، حيث الموطن الأصلي لأشجار الدردار. ويضيف: الأشجار القائمة المعمرة القديمة والتي هي أساس التوارث باتت موجودة ضمن منتجعات ومصاطب بيتونية، وبالتالي، فإن عملية التجدد هي صفر. ويكون المسار أخطر عندما تكون الأشجار مهددة بالانقراض. و السياحة تحتاج إلى تنظيم وأن تكون مدروسة.

“عشّ بيئي”

ويلفت إلى أن محمية الفرنلق هي بقعة بمساحة 5 هكتارات، وهي عبارة عن «عش بيئي» مغير لكل ما هو حوله. هذه المحمية فيها أشجار «النغت الشرقي» كل شجرة قطرها 70 إلى 80 سم، وارتفاعها يصل إلى 30 متراً. هذه أشجار تراثية مسجلة، فيها السنديان العذري أو شبه العذري وهي بأقطار كبيرة وباسقة.
مضيفاً: عندما كنا نأخذ الطلاب في رحلات مدرسية، فإن المناطق حيث كنا نجلس، كانت نسبة التجدد فيها صفراً، ولا غرسة، وبالتالي عندما يكون هناك محميات، فإنه يمنع منعاً باتاً أي نشاط فيها.
وإذا ما أردت القيام بسياحة فهذا ضمن شروط، كأن يكون النوع النباتي الموجود فيها شائع، وأن يتم ضبط المنشآت التي ستقوم لناحية تحديد المساحة بصورة صارمة، حتى لو اضطر الأمر إلى وضع أسلاك شائكة.

ما الذي يمكن لـ«أكساد» أن تقدمه؟

أكساد تقدم الخبرة في جميع ما ورد، يوضح د. قربيصة متحدثاً عن السدات المائية (البحيرات الجبلية) التي تم إنشاؤها في المنطقة الساحلية، وكان لها فائدة مزدوجة، إطفاء الحرائق، وتغذية القرى العطشى بالمياه. بالإمكان زيادة عدد هذه البحيرات مقابل تقليل حجمها، وخصوصاً في المناطق الحساسة المهددة أشجارها بالانقراض، مثل غابة الأرز في منطقة صلنفة والتي ترتفع من 1000 إلى 1200 متر.
هذه أشجار عمرها 50 عاماً على الأقل، وليس هناك تجدد طبيعي فيها بفعل الجريمة البيئية المتمثلة بتجفيف مستنقع سهل الغاب الذي انعكس سلباً على الغابات، وأدى إلى تغير مناخي، وخصوصاً لناحية ارتفاع درجات الحرارة.

الخبرة والدراسات

ويضيف: أكساد تقدم الخبرة والمشورة والدراسات، ويمكن أن تقوم بدورات تدريبية في إدارة وتربية وتنمية الغابات، وكيفية إشراك المجتمع المحلي. وفيها خبراء من مختلف الاختصاصات، ولديهم تجارب ناجحة على الأرض.

مشروعان تنمويان

ولفت إلى أن لأكساد مشروعين تنمويين في المنطقة الساحلية، الأول في قلعة المهالبة /اللاذقية/، حيث قدمت أكساد 10 آلاف غرسة وردة شامية. والمشروع الثاني في طرطوس/ قرية التلة الشيخ بدر/ حيث قدمت أكساد 12 ألف غرسة زعفران. إلى جانب تقديم غراس حسب حاجة المناطق وظروفها المناخية، وحسب نوعية الأراضي المتضررة حول الغابات. وفي الحرائق التي اندلعت عام 2022 قُدمت غراس زيتون، إلى جانب معدات إطفاء بـ 100 مليون ليرة سورية.

دراسات اقتصادية

بدوره، م. قتلان تحدث عن وجود دراسات اقتصادية اجتماعية، وعن تقديم الخبرة للأهالي من أجل الاستفادة، ونشر الوعي لحماية الغابات، حيث هناك مختصون، مشيراً إلى أن الحرائق التي اندلعت في عام 2020 أكسبت أكساد خبرات كبيرة جداً.

منصة الحرائق

وتحدث د. قربيصة عن منصة الحرائق التي تعطي بيانات دورية حول درجات الحرارة، والرطوبة النسبية، والرياح… إلخ. هذه كلها مكمل لعمل أبراج المراقبة والدرونات (نظام الإنذار المبكر).
رغم ذلك، يضيف د. قربيصة: إن الحرائق أمر طبيعي. غابات الصنوبر المخروطي تحترق منذ آلاف السنين وتعيد تجديد نفسها، وليس هناك من خطورة، الغابات تستطيع ترميم نفسها، المهم ألا نكون سلبيين.

Leave a Comment
آخر الأخبار