الحرية – هناء غانم:
منذ عقود، تعيش سوريا أزمة صامتة لكنها مؤلمة، تتجسد في العلاقة المعقدة بين المالك والمستأجر، نتيجة تراكمات قانونية مجحفة سببتها الدولة عبر تدخلها المفرط في العلاقة التعاقدية الخاصة بين الأفراد، وفق ما أكده لـ(الحرية) الدكتور والخبير الاقتصادي حيان البرازي مبينا أن القوانين الاستثنائية، وعلى رأسها قوانين الإيجار وفروغ العقارات، أوجدت بيئة من الظلم الاجتماعي والاقتصادي، جعلت من المالك الأصلي ضحية حرمان طويل الأمد من حقه المشروع في ملكيته، وجعلت من المستأجر رهينة وضع قانوني هش، مهدد في أي لحظة.
البرازي: القوانين المجحفة أوجدت بيئة من الظلم الاجتماعي والاقتصادي.. والمستأجر رهينة قانون هش
أين الظلم ومن الذي تضرر؟
وأضاف الباحث أن المالك الأصلي حُرم من ثمرة ملكه لعقود طويلة، فلا يستطيع التصرف الحر في أملاكه، ولا يحصل على عائد يتناسب مع القيمة السوقية لعقاره، وكأن ملكيته مجمدة ومقيدة، ولكن في الوقت نفسه يجب الاعتراف بأن المالك يجب أن يتحمل جزءاً من المشكلة، لأنه يعلم بأن العقود التي عقدها وفقاً لقوانين أبدية، لا تسمح بطرد المستأجر مادام ملتزماً بالعقد ولكن ما وقع على المالك من ضرر هو نتيجة تضخم العملة، والإيجار لم يواكب التضخم، وهنا كان يجب على المشرع القانوني إعمال نظرية الظروف الطارئة بالنسبة للإيجارات، ولو عمل المشرع بذلك لما استمرت المشكلة، لذلك فمن حقه مطالبة الدولة بإعادة التوازن للعقد بالنسبة للإيجار، وليس لإنهاء العقد، و من ناحية أخرى عليه جزء من المسؤولية بأنه رضي بالعقد الطويل الأجل.. وشرعاً العقد شريعة المتعاقدين .
وبالتأكيد لا يمكن تجاهل أن آلاف المستأجرين دفعوا في السابق مبالغ مالية كبيرة تحت اسم “فروغ”، أي ثمن حق الانتفاع بالعقار، وهذا الفروغ لم يكن بسيطاً في حينه، بل كان أحياناً يعادل أو يفوق ثمن شراء عقار. وبالتالي لا يمكن ببساطة نزع العقار من تحت يديه دون اعتبار لهذه الحقوق المالية والاجتماعية.
وانطلاقاً من هنا حمل الباحث المسؤولية الكاملة للدولة البعثية الفاسدة الظالمة، والتي هي الطرف الأساسي المسؤول عن هذه الأزمة باعتبارها هي التي وضعت القوانين الاستثنائية لحماية فئة على حساب أخرى.
وهي التي جمدت مبدأ حرية التعاقد، وأدخلت الملكية الخاصة في دائرة التجميد وهي التي امتنعت عن تقديم حلول عادلة أو مراجعة تشريعاتها بما يتناسب مع تغير الزمن والقيم الاقتصادية.
الحل العادل
البرازي يرى أن الحل يجب أن يراعي العدالة الاجتماعية والاقتصادية، ويضمن انتقالاً تدريجياً وسلساً للعلاقات التعاقدية نحو وضعها الطبيعي، وفي هذا السياق تقدم بعدة مقترحات أولها التفريق بين حالتين أساسيتين.. من دفعوا فروغاً: هؤلاء يجب حمايتهم بموجب عقود انتقالية جديدة لسببين أنهم دفعوا أموال فروغ، إضافة الى أن نزع حق الانتفاع منهم بعد أن أصبحت لمحلاتهم شهرة تجارية ساهموا ببنائها عبر مدة من الزمن لا يجوز تجاهلها، وسمعة المحل وشهرته هو أصل مالي يدرج في الميزانية، صنعه صاحب المحل المستأجر، لا يجوز أن ينتزع منه دون تعويض، خصوصاً إن سدد مالاً للحصول على حق الانتفاع بالعقار، بحيث يُعطى المستأجر الحق في الاستمرار بالإيجار لفترة إضافية (من 5 إلى 10 سنوات مثلاً)، مع رفع تدريجي للإيجار ليصل إلى القيمة السوقية خلال مدة محددة، كما يمنح خيارين إما شراء العقار من المالك بدفع نسبة 20% فقط من قيمة العقار، بينما تتحمل الدولة 50% من قيمة العقار كتعويض للمالك عن الضرر الذي وقع عليه بسبب القوانين المجحفة، فيكون بذلك المالك قد حصل على 70% من قيمة عقاره، ويصبح المستأجر مالكاً كاملاً للعقار، أو إعادة العقار إلى المالك، ويأخذ المستأجر تعويضاً عن الفروغ المدفوع بنسبة 80% من قيمة العقار، بحيث يدفع المالك 30% والدولة 50%، فيحصل المستأجر على حقه المالي.
أما من لم يدفع فروغاً فهنا يجب إعادة العقار إلى المالك، فإما أن يدفع المستأجر للمالك 50% من قيمة العقار ليصبح مالكاً، وتتحمل الدولة 50% كتعويض للمالك أو يسلم المستأجر العقار للمالك، ويأخذ من الدولة تعويضاً يعادل 50% من قيمة العقار، كون الدولة هي التي فرضت استمرار عقد الإيجار المجحف دون وجه حق، وقيمة ما يتقاضاه من الدولة هو تعويض عن شهرة المحل، خصوصاً أن الدولة أعطته الأمان بالنص القانوني لعدم الإخلاء وبالتالي بنى سمعة المحل وشهرته على ذلك، وبالتالي على من أعطاه الحصانة بغصب ملك الغير أن يقوم بتعويضه لقاء شهرة المحل، والمالك هنا لا يتحمل أي مبلغ .
إحداث صندوق تعويض
أما الاقتراح الآخر فيتعلق بإنشاء صندوق وطني بإشراف الدولة أو غرف التجارة والبلديات، يموّل جزء منه من فروقات الإيجار الجديدة، وفي الوقت ذاته تكون الدولة مساهمة كجهة مسؤولة عن التشريع الخاطئ. مع الإشارة إلى ضرورة إيجاد مساعدات من منظمات تنموية أو صناديق إعادة الإعمار.
كما يقترح البرازي إعطاء مهلة انتقالية مدروسة (مثلاً 3 إلى 5 سنوات) قبل التطبيق الكامل للقوانين الجديدة، إصدار تشريع جديد يلغي القوانين القديمة، ويعيد حرية التعاقد للطرفين وفق القانون المدني العادل.