الحرية – نسيم عمران:
في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة التي تعصف بسوريا منذ سنوات، يظلّ موضوع استيراد السيارات من أكثر القضايا إثارةً للجدل، وخاصةً في ظلّ تدهور البنية التحتية للطرق، وارتفاع الأسعار، وتفاقم أزمة النقل بينما يرى البعض أنّ استيراد السيارات ولو كانت قديمة الصّنع يمثّل متنفّساً لفئة كبيرة من المواطنين ، في حين يعتبره آخرون عبئاً إضافياً على الاقتصاد والبيئة معاً.
الطّرق غير مؤهلة
لا يمكن الحديث عن استيراد السيارات دون النّظر إلى واقع الطّرق في سوريا، إذ تشهد معظم المحافظات تهالكاً كبيراً في شبكة الطّرقات نتيجة الإهمال وقلّة الصيانة، والحروب التي دمّرت بنى تحتية كثيرة ، فالمطبّات والحفر والطّرقات غير المعبدة تُعرض السيارات – وخاصةً القديمة منها – لأعطال متكرّرة ما يزيد من تكلفة الصّيانة على المواطن، ويحدّ من العمر الافتراضي للسيارة.
إيجابيات مُحتملة
لكن ثمة إيجابيات في الأمر يراها بعضهم.. مثل تخفيف الضّغط على وسائل النّقل العامّة في ظلّ ضعف منظومة النّقل العام، لجهة الازدحام والأعداد الكبيرة من مستعملي وسائل النّقل من مختلف شرائح المجتمع ، فإنّ امتلاك سيارة خاصة حتى لو كانت قديمة، يعدُّ وسيلة ضروريّة للتنقّل… إلى جانب إتاحة فرص عمل ، حيث يُنشّط الاستيراد قطاع الصّيانة وبيع قطع الغيار وورش التّصليح ولهذا القطاع في سوريا سوق قوية تعود إلى الواجهة وبأسعار تنافسيّة ومقبولة.. ثم تحسين نوعيّة السيارات المُنتشرة ، فبعض السيارات المستوردة تكون بحالة جيدة نسبيّاً وتُعدّ أفضل من الموجودة حالياً في السوق المحليّة.
سلبيات
على المقلب الآخر .. هناك من ينظر إلى السلبيات، مثل الضغط على البنية التحتية ، فالطّرق المُتهالكة غير قادرة على استيعاب المزيد من السيارات، ما يزيد من الحوادث والازدحام .
و زيادة استهلاك الوقود ، حيث إنّ معظم السيارات المستوردة (وخاصة القديمة) تستهلك كميات كبيرة من البنزين أو المازوت ، ما يزيد من العبء على الموارد المحدودة.
إلى جانب التّلوث البيئي المتزايد ، فالسيارات القديمة غالباً ما تكون غير مطابقة للمعايير البيئيّة، وتُسهم في زيادة التلوّث الهوائي.
و تحوّل السوق إلى ساحة للغش التّجاري ، حيث يتم استيراد سيارات مُتهالكة لتُباع بأسعار مرتفعة بعد تعديل شكلها الخارجي فقط، وقد تعرّض عدد كبير من السّوريين لذلك نتيجة التّسرع والاستعجال للحصول على السيارات الجديدة .
مقترحات
بعيداً عن الجانبين السلبي و الإيجابي، هناك مقترحات مطلوب الركون إليها لإدارة هذا الملف في البلاد.
ضبط عمليات الاستيراد وفرض شروط فنية صارمة على السيارات المُستوردة ، كأن لا يقل عمرها عن 3 سنوات، مع التأكد من سلامتها الميكانيكية والبيئية، وهو أمر تداركته سوريا عن طريق وزارة التّجارة والصّناعة ، وذلك بموجب قرار رسمي يشمل استثناء رؤوس القاطرات، الشّاحنات ، آليات الأشغال العامّة ، والجرّارات الزّراعية التي لا تتجاوز سنة صنعها عشر سنوات (باستثناء سنة الصنع)، كما تم استثناء حافلات الرّكاب التي تزيد على 32 مقعداً والتي لا تتجاوز سنة صنعها أربع سنوات (باستثناء سنة الصّنع).
ثم تحسين شبكة الطّرق فلا جدوى من استيراد المزيد من السيارات دون خطة متكاملة لإعادة تأهيل الطّرق وصيانتها دورياً.
وتشجيع البدائل البيئيّة بالتفكير باستيراد سيارات كهربائيّة صغيرة أو هجينة ، مع دعم البنية التحتية لشحنها تدريجياً. إضافة إلى دعم النّقل العام بدل التوسع في السيارات الخاصة ، وتطوير قطاع النّقل الجماعي الذي يُعدّ أكثر كفاءة وأقلّ تكلفة وضرراً.
لذلك نعتقد أنّه ليس من الحلّ زيادة عدد السيارات، بل في إعادة تنظيم الحركة المرورية، وتحديث البنية التحتية، وضبط الأسواق، ومراعاة مصلحة المواطن والبيئة معاً، فالسيارة ليست ترفاً، لكنّها قد تتحوّل إلى عبء إذا لم تُدار هذه القضية بحكمة وواقعيّة، وهذا الأمر من أوّلويات وزارة النقل في سوريا على المدى القريب والبعيد.