تفاؤل حذر وترقب لمسار وقف إطلاق النار في السويداء.. الدولة تمد يدها هي المرجعية وهي الضامنة الحامية

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:

رغم إن ما يجري في السويداء لا يمكن عزله عن التموضع الجيوسياسي الأوسع، عربياً وإقليمياً، حيث خرائط الاشتباك تتغير بصورة دائمة منذ بداية هذه الألفية، لتتصاعد بصورتها الأخطر ما بعد «الربيع العربي» والمتمثلة في كسر السرديات الثابتة عن السيادة والوطنية والدفاع والأمن والدولة.. نحو تكريس اللادولة التي تدار مناطقها من قبل وكلاء محليين لمصلحة إدارات وإرادات خارجية..

لا أمن ولا استقرار بغياب مؤسسات الدولة.. «اختبار» السويداء ومسؤولية تغليب الوحدة الوطنية ونبذ الفرقة والفتنة

..رغم ذلك فإننا ننطلق من الداخل في تقييم حدث/تطور، هو في أساسه داخلي يجري أقلمته واستغلاله على مستويات مختلفة لإخراجه من سياقاته الحقيقية باتجاهين: الأول الضرب في الدولة وكسر هيبتها ولي ذراعها أو بعبارة أدق شلّ يدها في الداخل لتتحول إلى أضعف حالاتها في التعامل مع التحديات الخارجية. والثاني تخريب العلاقة بين الدولة ومواطنيها، خصوصاً لجهة تدمير الثقة، وبما يقود إلى أحداث أمنية عنيفة لا تكاد تهدأ حتى تندلع، تتوسع بين المدن والمناطق، ويخسر فيها كلا الطرفين في معادلة تأكيد القوة، فتنهار الدولة. هذه الأحداث الأمنية هي في التحليل السياسي/الأمني/ الاستراتيجي، اختبار مزدوج، أولاً للجهات أو الفصائل أو المجموعات، في هذه المنطقة أو تلك، والتي تريد فرض شروطها على الدولة، والتي لا تصب بأي شكل من الأشكال في خدمة البلاد وأمنها واستقرارها، لأن المبدأ والسلوك والمسار خاطئ قاتل، بما يقوض الثقة، وبما يدفع هذه الجهات والفصائل والمجموعات إلى دائرة النبذ والعزلة في نهاية المطاف أياً يكن ما تعتقد أنها تحققه أو ستحققه من عملية لي ذراع الدولة، لأن الاستقواء داخلياً (بامتداد خارجي) لن يمنحها الأمن والأمان ولا القوة التي تحتاجها للدفاع عن نفسها مستقبلاً في ظل غياب الدولة الوطنية.

ثانياً، هذه الأحداث الأمنية هي اختبار للدولة، بمعنى السلطة أي القيادة التي تريد تمكين هيبتها واستعادة الأمن والاستقرار، بالقوة إن احتاج الأمر، ولكن دون تفجير الوضع باتجاهات لا تُحمد عقباها. اختبار الدولة هنا هو القدرة على الضبط وفرض الأمن بأقصى ما يمكن من الحكمة والتأني و«تقدير الموقف» وهذا ما فعلته القيادة السورية فيما يتعلق بالسويداء، فبعد أسبوع تقريباً من اشتباكات دامية راح ضحيتها مئات بين قتلى وجرحى، تبدو فرص التهدئة أكبر، مع اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه أمس.

نحن أمام ساعات حاسمة بخصوص تثبيت وقف إطلاق النار الذي سعت إليه الدولة بكل جهدها حفظاً للأرواح ولأمن الناس وحرصاً على استقرار سوريا وتجنباً لسيناريو مفتوح من المواجهات الأمنية

نحن الآن أمام ساعات حاسمة بخصوص تثبيت الاتفاق الذي سعت إليه الدولة بكل جهدها حفظاً للأرواح ولأمن الناس وحرصاً على استقرار سوريا وتجنباً لسيناريو مفتوح من المواجهات الأمنية، في الوقت الذي تسعى فيه القيادة لتعزيز عملية التعافي والنهوض، وتوسيع مسار الدعم الدولي وترجمته استثمارات استراتيجية تعيد لسوريا وجهها المشرق ومكانتها المستحقة.

نحن أمام ساعات حاسمة. الدولة تمد يدها انطلاقاً من دورها ومسؤوليتها في حفظ الأمن والسلم الأهلي وترجمة ذلك بعودة مؤسساتها الأمنية والحكومية لضمان نجاح دورها وتحقيق مسؤولياتها، إذ كيف يمكن لأي أحد مطالبة الدولة بالاضطلاع بدورها ومسؤولياتها في ظل أن الطرف الآخر(المُسلح خارج سلطة الدولة) يرفض الدولة ومؤسساتها وأي تواجد لها، ثم يهاجم هذه الدولة لأنها لم تحمه ولم تؤمن له الاستقرار (والخدمات من تعليم وصحة وكهرباء ومياه…الخ)؟

الدولة تمد يدها انطلاقاً من دورها ومسؤوليتها في حفظ الأمن والسلم الأهلي وترجمة ذلك بعودة مؤسساتها الأمنية والحكومية لضمان نجاح دورها وتحقيق مسؤولياتها

كيف يمكن لأي أحد تحميل الدولة مسؤولية أحداث أمنية أراد الطرف الآخر تحويلها إلى حالة اقتتال لفرض أمر واقع على الدولة وعلى جميع مكوناتها، ثم انقلب على التفاهمات والاتفاقات التي تم التوصل إليها؟.. كان يمكن تحقيق عملية التهدئة والاحتواء منذ الأيام الأولى لو تم إفساح المجال للدولة لتأخذ دورها وتضطلع بمسؤولياتها وليس الغدر بها بكمائن ثم باتفاقات ملغومة.

كيف يمكن لأي أحد مطالبة الدولة بالاضطلاع بدورها ومسؤولياتها في ظل أن الطرف الآخر(المُسلح خارج سلطة الدولة) يرفض الدولة ومؤسساتها وأي تواجد لها، ثم يهاجم هذه الدولة لأنها لم تحمه ولم تؤمن له الاستقرار؟

نحن أمام ساعات حاسمة، ويُفترض أن الجميع في وضعية الفجيعة من حجم الدم الذي سال، فيعمل على وقفه، وحجم الانتهاكات الجسيمة التي وقعت، فيعمل على تجاوزها وحلها فوراً. ويُفترض أن الجميع مسؤول كلٌّ من موقعه لوقف الدم ووأد الفتنة. يُفترض أن الجميع عاين بأم العين أخطار غياب الدولة وأهمية دورها وقدرتها وحدها متفردة على تحقيق الخير العام للشعب السوري خارج التكتلات والهويات والانتماءات الجزئية. يُفترض أن الجميع أدرك بصورة نهائية وبالتجربة أخطار الولاءات الضيقة والانتماءات الطائفية القاتلة والتي تصب كلياً في مصلحة من يخطط لتقسيم سوريا وتحويلها كيانات ضعيفة متقاتلة.

كيف يمكن لأي أحد تحميل الدولة مسؤولية أحداث أمنية أراد الطرف الآخر كيف يمكن لأي أحد تحميل الدولة مسؤولية أحداث أمنية أراد الطرف الآخر تحويلها إلى حالة اقتتال لفرض أمر واقع على الدولة وعلى جميع مكوناتها ثم انقلب على التفاهمات والاتفاقات التي تم التوصل إليها  إلى حالة اقتتال لفرض أمر واقع على الدولة وعلى جميع مكوناتها ثم انقلب على التفاهمات والاتفاقات التي تم التوصل إليها 

الجميع أمام مسؤولية تغليب الحلول الوطنية، ومساعدة الدولة على القيام بمسؤولياتها في التهدئة وتسوية الاشتباكات ومنع تجددها. الدولة – ممثلة بمؤسساتها الأمنية والحكومية- هي المرجعية، وهي الضامنة وهي الحامية.

الجميع أمام مسؤولية تغليب الحلول الوطنية ومساعدة الدولة على القيام بمسؤولياتها.. الدولة – ممثلة بمؤسساتها الأمنية والحكومية- هي المرجعية وهي الضامنة وهي الحامية

الجميع لا بد من أن يكون على قدر المسؤولية الوطنية التي تستدعيها المخاطر القائمة، والمؤامرات المُعلنة ضد سوريا الدولة والشعب. وطننا اليوم في المرحلة الأخطر، نحميه معاً ومع الدولة التي تسعى منذ اليوم الأول للتحرير (في 8 كانون الأول الماضي) على عمل دؤوب مشهود للنهوض بسوريا، وقد تم تحقيق خطوات واسعة ومشهود لها أيضاً.. لنكن مع وطن غالب بنا، وليس مغلوب بنا، وعلينا. ما جرى في السويداء لا بد من أن يكون الناقوس الأخير، لنذروا الفرقة والفتنة ونكون مع الدولة يداً واحدة في النهوض والبناء.

Leave a Comment
آخر الأخبار