الحرية- إلهام عثمان:
في قلب دمشق عموماً، وتحديداً في منطقة التضامن مسبق الصنع، تتفاقم أزمة المياه لتُلقي بظلالها الثقيلة على حياة المواطنين، حيث تبرز هذه المنطقة (الكتلة الواقعة ما بين حديقة الزبير وجامع الفارسي) كنموذج صارخ للمعاناة، إذ اشتكى بعض الأهالي من انقطاعها وقلة ضغطها وضخها كما يجب، فمنذ أكثر من عشرين يوماً لم تتسلل إليهم حتى للطوابق الأرضية، وإن زارتهم فتكون على شكل خيط رفيع، وسرعان ما يترصدها “جشعون” ليسحبوها عبر مولدات كهربائية أو مضخات “حرمية”، ليحرموا بقية الحي من آخر فرصة للحصول على قطرة ماء.
ورغم أن مؤسسة المياه قامت بتوزيع جدول زمني وبشكل عادل، إلا أن ضغطها الخفيف جداً وعدم التقيد بالتوزيع العادل من بعض المراقبين ربما، ووفق ما صرّح به الأهالي، يزيد الطين بلة.
هنا، يبرز تساؤل جوهري يطرح نفسه بقوة: من يتحمل المسؤولية عن معاناة المواطنين الذين يفتقرون لأبسط مقومات الحياة وهو الماء؟ هل تكمن المشكلة في سوء وعدم مراقبة توزيع المياه وضغطها، أم في سرقتها وتحويلها لحارات أخرى، أم إن الأمر يتجاوز ذلك ليشمل سلوكيات فردية تزيد من تفاقم الأزمة؟
فوضى التوزيع.. وجشع الأفراد
المشكلة تتجاوز مجرد نقص الإمدادات؛ إنها تتجسد في فوضى عارمة، فبينما يُفترض أن يصل الماء بضغط كافٍ، يجد الأهالي أنفسهم أمام خيط رفيع لا يكاد يُرى، وفق ما بينه أحدهم وهنا، يسهم البعض في تفاقم الوضع من خلال تشغيل المولدات التي باتت أصواتها تملأ الآذان، والتي يستخدمها الجشعون للحصول على حصصهم وحصص غيرهم من الماء، أما “الشفاطات الحرمية”، كما يُطلق عليها بحق، فهي المتهم الرئيس و الأول، حيث تستنزف الموارد المائية بشكل غير مشروع وغير عادل، هذه التساؤلات تفتح الباب أمام نقاش أعمق حول آليات التوزيع، والرقابة، والمسؤولية المجتمعية في مواجهة هذا التحدي الذي يمس حياة كل مواطن.
شهاداتٌ من قلب المعاناة
تتجسد مرارة هذه الأزمة في قصص المواطنين الذين يعيشون على هامش الأمل، أم وائل، أرملةٌ ومعيلةٌ لأطفالها، تصف لياليها الطويلة وهي تجمع المياه في أوعية، ثم تسحبها بشفاطها الصغير ليرتفع إلى خزان لا يتجاوز البرميل الواحد، مضيفة: رغم أنني أقطن في طابق أرضي، أي ينبغي وصل الماء إلي أول الساكنين، إلّا أنها تنقطع المياه نهائياً بسبب تشغيل المولدات عند الجيران من دون أدنى مسؤولية منهم، مضيفةً بحسرة: بينما لا أستطيع أن أمتلك القليل من الماء، يتمتع جاري الذي يملك مولدة ضخمة وخزاناً كبيراً ذا عشرة براميل على سطح منزله وآخر في فسحته السماوية، خاتمة حديثها: أصبحنا نخشى وصول الكهرباء، فمعها يختفي حتى خيط الماء الذي نرجوه وننتظره.
بينما عبّر أبو فراس عن إرهاقه قائلاً: عندما يأتي دور المياه، لا أنام أبداً وأنا أنتظر الحصول على القليل من الماء، لأذهب إلى العمل في اليوم التالي وأنا منهك،
من جهته، يبرر أبو عبدو، أحد ملاك المولدات، فعلته قائلاً: قلة ضخ وضغط المياه أقوم بسحبها عن طريق المولدة، وإذا لم أقم بتدبر أموري سيفوتني دور الماء.
تجارة بلا ضمير
وهنا نرى أن الوضع المأساوي يدفع الأسر لثمن باهظ، حيث أكدت أم جاد أنها لم تعد قادرة على تحمل الوضع خاصة أنها المعيل الوحيد لأسرتها، مبينه أنها تضطر لشراء المياه وتعبئة الخزان سعة خمسة براميل بين 100-110 ألف ليرة، و الذي يكفي لمدة ثلاثة أيام فقط مع التدقيق بالصرف.
هذه الأسعار الفلكية تثير التساؤل، خاصة أن أحد أصحاب الصهاريج كشف أن تعبئة صهريجه تتم من منهل يقع في منطقة تضامن دف الشوك، وفعلياً هي ليست بالمنطقة البعيدة عن التضامن مسبق الصنع، ما يجعل هذه التكاليف غير مبررة لرفع الأسعار، ما يثير الشكوك حول استغلال حاجة الأهالي.
ويكشف أحدهم عن جانب آخر من المشكلة، حيث تبين عند فحص خزان المياه أن أحدهم قام بإقفال ثلاثة سكور عمداً وتحويل المياه لحارات أخرى.
نداء الإنصاف.. واستعادة الثقة
أمام هذه الصرخات المتعالية، تواصلت “صحيفتنا الحرية” مع مصدر في مؤسسة المياه، والذي وعد بإيجاد حلّ للمشكلة التي باتت الشغل الشاغل لأغلبية الأهالي، أما عن موضوع المضخات الحرمية التي يستخدمها البعض، بين بدوره أنه في حال ورود شكاوى خطية لديهم تتحرك الضابطة بأمر من المدير العام ، للعمل على فكها ومصادرتها، أما بالنسبة للمولدات فأوضح أنه لا يمكن منع الأشخاص من استخدامها ولا ضبطها حسب رأيه.
في ختام هذا التقرير الذي يلامس جراح ليس دمشق فقط بل كل سوريا، نؤكد أن الماء هو حقٌ للجميع، وإن معاناة المواطنين كما جسدتها شهاداتهم، هي صرخةٌ مدويةٌ تطالب بالعدالة والإنصاف.
لذا، نتوجه بنداءٍ عاجلٍ إلى الجهات المعنية، وعلى رأسها مؤسسة المياه، لاتخاذ التدابير العاجلة والفورية لضمان توزيعها بشكل عادل ومنصف، مع إمكانية مراقبة توزيعها حتى لا يتم تحويلها لحارة أخرى على حساب أخرى، وحرمان البعض من حقهم الطبيعي في الماء، مع زيادة ضخها لوصولها للجميع كما يجب.
مع إمكانية رسم خطة وإستراتبجية بإلزام صهاريج المياه بأسعار معقولة ومدروسة، توضع من قبل الجهات المعنية، لتخفيف العبء الإضافي عن كاهل المواطنين، أملين الإنصاف في ضخها وتوزيعها وفق ما أقرته مؤسسة المياه، ليكون السبيل الوحيد لاستعادة الثقة وتحقيق العدالة المائية المنشودة بين المواطن والجهة المعنية.