الحرية – بشرى سمير:
لطالما اشتهروا بالنخوة والقوة والكرم والشجاعة، إنهم عشائر البدو في سوريا الذين يعيشون في البادية السورية والتي تشكل مساحة تقارب 65% من البلاد، وتغطي مناطق شاسعة من ريف دمشق، حمص، حماة، الرقة، دير الزور، الحسكة وصولاً إلى بادية الشام مشكلين بذلك مكوناً رئيسياً من مكونات المجتمع السوري الغني والمتنوع.
وتُعد هذه المنطقة موطناً لحياة بدوية تقليدية غنية بالتاريخ والثقافة، حيث استقرت فيها عشائر عربية منذ قرون، بعد هجرتها من الجزيرة العربية واليمن بحثاً عن الماء والكلأ.
نمط حياة متجذر
اعتمد البدو في معيشتهم على الرعي، تربية الإبل والأغنام، والزراعة البسيطة، كما لعبوا دوراً بارزاً في حماية القوافل والتجارة الصحراوية.
ورغم الطبيعة القاسية، فإن البادية السورية تضم احتياطات ضخمة من النفط والغاز، ما يجعلها منطقة استراتيجية واقتصادية بالغة الأهمية.
دور تاريخي
في حديثه لصحيفة الحرية يقول الدكتور رغيد شعبان أستاذ التاريخ في جامعة دمشق: “لعبت عشائر البدو أدواراً بارزة في مقاومة الاستعمار الفرنسي وبرز منهم قادة وزعماء أثّروا في التحالفات السياسية والاقتصادية في سوريا والمنطقة.
وأضاف: يرتكز البدوي على نظام قبلي صارم يتصدره الشيخ وتُعد قيم الكرم الضيافة والشجاعة من أهم سماته إلى جانب الشعر النبطي والغناء الذي يوثق الذاكرة البدوية.
أنماط متعددة من الاستقرار
يشير شعبان إلى وجود ثلاث فئات رئيسية من العشائر البدوية: عشائر مستقرة، اندمجت في الحياة الزراعية والتجارية داخل القرى والمدن، لكنها لا تزال تحتفظ بأسمائها وأنسابها القبلية.
عشائر نصف مستقرة: تعيش نمطاً مختلطاً يجمع بين الترحال الموسمي والاستقرار الجزئي. وهناك عشائر رحّل وبدو بالكامل لا تزال تمارس التنقل وفق المواسم، متمسكة بحياة البادية التقليدية.
شعبان: البدو يحملون إرثاً ثقافياً عميقاً يشكل جزءاً لا يتجزأ من التاريخ السوري
ولفت إلى اضطرار الكثير من العشائر إلى الاستقرار في مدن مختلفة بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011 بسبب الظروف الأمنية، لكنهم حافظوا على طابعهم البدوي وهويتهم الثقافية.
صوت الصحراء وروح المقاومة
برز في العصر الحديث عدد من الشعراء البدو الذين كان لهم حضور مؤثر في الحياة الثقافية، كشعراء النفوذ من جبل شمر: وهم خلف أبو زويد، عدوان الهربيد، وعجلان بن رمال، الذين وثقوا حياة البدو في القرن التاسع عشر، وصوروا في قصائدهم التحولات التي عاشتها الصحراء والقبائل.
الهوية البدوية باقية رغم التغيير
وختم شعبان حديثه: رغم تغير الظروف الاجتماعية والسياسية، تبقى الهوية البدوية في سوريا حية، تنبض بقيم الأصالة، التراث والانتماء.
فالبدو سواء في صحراء البادية أو داخل الحواضر، ما زالوا يحملون إرثاً ثقافياً عميقاً يشكل جزءاً لا يتجزأ من التاريخ السوري الحديث والمعاصر