اتفاقية الغاز الأذربيجاني تحدث تغييرات مهمة بإنتاجية محطات الكهرباء وبوادر انفراج تؤسس لاتفاقيات أخرى

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرية – سامي عيسى :
المتابع لإنتاجية قطاع الطاقة على اختلافه وتنوعه في سورية، يرى بوضوح، مسيرة تطور هذا القطاع، خلال العقود الماضية، من مرحلة إنتاجية الندرة، مروراً بسنوات تجاوزتها إلى مراحل دخلت فيها مرحلة الاستقرار، وصولاً لإنتاجية حققنا فيها الاكتفاء الذاتي، والتصدير إلى الدول المجاورة حيث تجاوزت الكميات المنتجة سقف تسعة آلاف ميغاواط، لكن للأسف الشديد، هذا الأمر لم يدم طويلاً، حيث تراجعت إنتاجية قطاع الكهرباء، إلى مستويات متدنية تركت أثارها السلبية، ليس على الواقع الخدمي فحسب، بل على كافة القطاعات، لكن قطاع الإنتاج هو الأكثر تضرراً، سواء ما يتعلق بجانب الإنتاج الصناعي والزراعي وغيره، وهذا بدا واضحاً من خلال العائدية الاقتصادية التي سجلت تراجعاً كبيراً، وعدم استقرار في الأسواق المحلية، نتيجة النقص الكبير في المنتجات، وكل ذلك مرده لعدم توفير الخدمات ومستلزمات الإنتاج في مقدمتها الطاقة الكهربائية.

“قرنفلة”: جهود حكومية مكثفة لتأمين موارد الطاقة لإعادة تدوير عجلة الاقتصاد الوطني بعد توقف معظم فعالياته عن الإنتاج

وبالتالي الاتفاقية الجديدة مع الجانب الأذربيجاني، بتزويد سوريا بحوالي 3.4 ملايين متر مكعب من الغاز يومياً، عبر الأراضي التركية، وصولاً إلى مدينة حلب من شأنها إحداث تغييرات جذرية بإنتاجية محطات الكهرباء، وانعكاسها بصورة إيجابية على الواقع الإنتاجي والخدمي في سورية، وظهور بوادر انفراج تؤسس لاتفاقيات أخرى، وحتى زيادة إنتاجية حقول الغاز الوطنية.

جهود مكثفة

انطلاقاً من هذا الجانب يرى الخبير الاقتصادي والمتخصص في الجوانب الزراعية والحيوانية” المهندس عبد الرحمن قرنفلة” في حديثه لصحيفتنا ” الحرية” أن تدفق الغاز الأذربيجاني إلى سوريا عبر تركيا، نتيجة للجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة، لتأمين موارد الطاقة إيمانا منها بأهمية الكهرباء لإعادة تدوير عجلة الاقتصاد السوري، حيث توقف الكثير من الفعاليات الزراعية والصناعية، والخدمية والسياحية والمصرفية وغيرها عن العمل، نتيجة غياب الطاقة الكهربائية.
وكذلك تجسيداً لقناعة الحكومة أن لا سبيل لتشجيع تدفق رؤوس الأموال للاستثمار في سوريا، من دون وجود طاقة كهربائية لتشغيل المشاريع الاستثمارية..
موضحاً أنه من المؤكد أنّ كمية الغاز المقرر تدفقها إلى سورية سوف تسهم برفع وتائر الإنتاج في كافة القطاعات، وإعادة تشغيل المصانع المتوقفة، وزيادة عدد ساعات عمل المصانع العاملة جزئياً ويعيد الألق للمنشآت السياحية، ويوفر مناخاً جيداً أيضاً للمواطنين في مجال استخدام الكهرباء، ومن الجدير ذكره أن التعاون والتقارب بين سورية وتركيا، كان له دور كبير في تنفيذ هذه العملية الكبيرة ريثما تتم استعادة آبار الغاز السورية، وإعادة تأهيل البنى التحتية لاستثمار الغاز الوطني.

خطوة مبشرة

من جانب آخر يرى الصناعي “عصام تيزيني” أن هذه الخطوة من أهم الجهود التي بذلتها الحكومة للنهوض بالواقع الاقتصادي والإنتاجي، وهي خطوة تحمل الكثير من البشائر المؤسسة لعمل نوعي على صعيد العملية الإنتاجية، وبالتالي ترجمة اتفاقية تزويد سوريا بالغاز الأذربيجاني وبطاقة 3,4 ملايين متر مكعب من الغاز يومياً، يشكل رافداً جديداً لحوامل الطاقة التي يتم تأمينها من جهات أخرى، إلى جانب ما يتم تأمينه محلياً، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الإنتاجية المحلية المتنوعة، إلى جانب توفير القدرة على إعادة انتاج الطاقة وزيادتها، وخاصة الكهرباء التي تعاني اليوم، ضعفاً في الإنتاجية، لعدم توافر مصادر التشفيل من غاز وفيول وغيره، إلى جانب ما تعرضت له من تخريب وتدمير خلال سنوات الحرب السابقة.

” تيزيني” الاتفاقية مؤشر إيجابي له دلالات اقتصادية و سياسية عميقة تحمل قراءة صحيحة لواقع الاقتصاد السوري مستقبلاً

وأضاف” تيزيني”: إن الكميات الجديدة سوف تحسن إنتاجية محطات توليد الطاقة الكهربائي، وهذا بدوره يعكس إيجابيته على القطاعات التصنيعية والخدمية، ورفع معدلات نمو الإنتاجية الاقتصادية السورية، والأهم التحسن الملموس لواقع الخدمة الكهربائية للمواطن في تخفيض ساعات التقنين، الى حدود معقولة.

دلالات سياسية

وبالتالي ترجمتها على أرض الواقع خطوة مفرحة للجميع، ونأمل أن يستمر الإمداد إلى أن يتحسن الواقع الانتاجي المحلي مشيراً إلى نقطة مهمة في هذه الاتفاقية والتي تكفل إعادة إحياء خطوط الغاز التي تمر عبر الأراضي التركية إلى سوريا، وبالتالي هذا في حدّ ذاته، تفعيل لاتفاقيات سابقة تتضمن نقل الغاز عبر الخطوط التي كانت مفعلة قبل الثورة وتم ايقافها بعدها، وهذا مؤشر إيجابي يحمل دلالات عميقة سياسية إلى جانب الاقتصادية منها، تحمل قراءة صحيحة لواقع الاقتصاد السوري مستقبلاً.

إنهاء معاناة

بالرؤية ذاتها أكد الخبير الاقتصادي أكرم عفيف أهمية تزويد سوريا بهذه الكميات من الغاز الأذربيجاني عبر الأراضي التركية، والتي تهدف إلى إنهاء معاناة كبيرة، يعانيها جميع السوريين، وهذه تكمن في توفير حوامل الطاقة ” كهرباء – غاز- مازوت- فيول…” وخاصة مادة المازوت التي تعدّ المشكلة الأهم للفلاحين، والتي أدت لخسارة معظم الفلاحين هذا العام، نتجة ارتفاع سعره وعدم توافره، وهذا ينطبق على الغاز المنزلي وتنوع استخداماته.
وأضاف” عفيف” استيراد الغاز الأذربيجاني له اتجاهان من الأثر الأول: نحو المعامل التي تستخدم الغاز، ومنها الكهرباء، الأمر الذي سيحسن من واقع إنتاجيتها، وخاصة أن هناك الكثير من المنشآت التي تستخدم مادة الغاز في إنتاجها، والاتجاه الثاني: نحو توفير الغاز المنزلي الذي سوف يحسن واقع حاجته للمواطن إلى جانب تخفيض سعره، الذي مازال يعيش حالة عدم استقرار، من حيث الأسعار وارتفاعها عن التكلفة، والقدرة الشرائية.

مؤشرات إيجابية

لكن بكل تأكيد، والكلام للخبير” عفيف” هذا الاتفاقية بتزويد سوريا بالغاز تحمل مؤشرات إيجابية على كافة القطاعات الإنتاجية والخدمية، وخاصة القطاع الزراعي لجهة توفر الكهرباء للسقاية وأعمال خدمات الإنتاج الزراعي، ومعامل وورش التصنيع التي تقدر بالآلاف على امتداد الجغرافيا السورية.

من باب الأهمية

ومن باب الأهمية هنا نعود للخبير “قرنفلة” في حديثه لصحيفة “الحرية” حيث أكد أهمية توفير مصادر الطاقة، في ظل هذه الظروف الصعبة، لدوران عجلة الإنتاج الوطني، وعدّها بأشكالها المتعددة، عصب الحياة لكافة القطاعات الإنتاجية، واستخدمت البشرية عبر مراحل تطورها أشكالاً متعددة من الطاقة في أعمال الزراعة والصناعة والأعمال المنزلية والتدفئة وغيرها ( طاقة الجهد البشري- طاقة الجهد الحيواني- طاقة الرياح- طاقة الشمس- طاقة اندفاع المياه، وطاقة الوقود الأحفوري من ديزل وغاز، وطاقة الكهرباء)، وفي عصرنا الراهن اعتمدت قطاعات الزراعة والصناعة على الوقود الأحفوري بشكل رئيسي، سواء بشكل مباشر أو عبر تحويله إلى طاقة كهربائية.

“عفيف”، الغاز الأذربيجاني “بداية الحل” لمعاناة كبيرة عاشها السوريين خسروا فيها الإنتاج والخدمات ومتطلبات المعيشة اليومية

ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) تعدّ الطاقة ضرورية في كلّ مرحلة من مراحل النظم الزراعية والغذائية والتصنيعية، كما أنّ إنتاج الأغذية على نطاق العالم والحصول عليها من المزرعة إلى المائدة، يشكّل حوالي 30 في المئة من الاستهلاك العالمي للطاقة، وتُستخدم نسبة 70 في المئة من الطاقة المستهلكة في النظم الزراعية والغذائية في مرحلة ما بعد المزرعة، وذلك في مجالات النقل والتجهيز والتعبئة والشحن والتخزين والتسويق، وتشير البيانات إلى أنه يتعذّر على 666 مليون شخص حول العالم، الحصول على خدمات الكهرباء، و يتمّ فقدان أو هدر حوالي ثلث الأغذية التي ننتجها، فضلًا عن نسبة 38 في المائة تقريباً من الطاقة المستهلكة في النظم الزراعية والغذائية، كما يتمّ فقدان أو هدر 526 مليون طن من الأغذية، بسبب نقص التبريد، ويمكن أن تمنع تكنولوجيات سلاسل التبريد 144 مليون طن من هدر الأغذية سنويًا في البلدان النامية..

الطاقة والزراعة

وهنا يؤكد ” قرنفلة” أن الطاقة تُعدّ ضروريةً لأنشطةٍ مثل ضخّ المياه، والري، وإنتاج الأسمدة، والنقل، وتجهيز الأغذية وتخزينها.
ويوضح تطور استخدام الوقود الحديث مع ارتفاع الدخل، ويستند إلى أدلة تجريبية، جمعها البنك الدولي وهيئات أخرى، تُظهر البيانات أن سكان الريف يختارون إنفاق نسبة كبيرة من دخلهم على مصدر طاقة أفضل، إذا أتيحت لهم الفرصة (البنك الدولي، 1995).

Leave a Comment
آخر الأخبار