صرف الرواتب الجديدة ومخاوف من فلتان الأسعار… اقتراحات لإنشاء لجان رقابة مجتمعية وتوفير منصات للإبلاغ عن التجاوزات وربط الزيادة بحزمة اصلاحات اقتصادية

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرية _ رشا عيسى:

مع بدء صرف الرواتب الجديدة للعاملين في القطاع العام  من فئة المثبتين في الدولة، وانتظار استلامها  الشهر المقبل للقسم الآخر من العاملين أصحاب العقود المؤقتة في مؤسسات الدولة، تبقى العيون شاخصة نحو الأسواق وأسعار المواد الأساسية التي كانت تقفز مباشرة مجرد صدور أي زيادة على الرواتب التي لا تصمد طويلاً أمام  الأسعار المرتفعة،  وسط وعود حكومية بالعمل على ضبط الأسعار، وإجراء إصلاحات اقتصادية لتعزيز الثقة، مع  ظهور بعض الاقتراحات لإنشاء لجان رقابية ميدانية بمشاركة المجتمع الأهلي لمراقبة الأسعار، وتوفير منصات للإبلاغ عن التجاوزات في الأسعار.

كويفي:زيادة الرواتب  لها تأثيرات متعددة الأبعاد على الصعد السياسية الاقتصادية الإجتماعية والثقافية

ورغم أن الانعكاس الاقتصادي لزيادة الرواتب  أكثر بروزاً ،لكن لها أيضاً تأثيرات متعددة سياسية واجتماعية، وخاصة للدول التي تعاني من هذه التحديات، على أمل أن تحقق الزيادة  تحسين مستوى المعيشة خاصة للفئات منخفضة الدخل، ما يُخفف من الفقر، ويقليل من التوترات الاجتماعية.

تأثيرات متعددة

الباحث في الشأن السياسي والاقتصادي المهندس باسل كويفي أكد في حديث ل( الحرية) أن زيادة الرواتب خاصة في سياق الدول التي تعاني من تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، لها تأثيرات متعددة الأبعاد على الصعد السياسية، الاقتصادية، الإجتماعية والثقافية ، وبالتالي من المهم الإضاءة على تأثير  زيادة الرواتب على هذه الجوانب لنتمكن من تحديد الإيجابيات والسلبيات في هذا الإطار .
فعلى الصعيد السياسي، أوضح كويفي أن  الإيجابيات تتجلى في تعزيز الاستقرار السياسي، لأن زيادة الرواتب قد تُخفف الضغوط الشعبية على الحكومات بسبب تدهور الأوضاع المعيشية ، إضافة إلى تعزيز الثقة بالحكومة إذا رافقت الزيادة تحسينات ملموسة في مستوى المعيشة، قد يُنظر إليها كإنجاز سياسي يعزز شرعية الحكومة.
في المقابل هناك سلبيات من عدم كفاية الإجراءات إذا أدت الزيادة إلى تضخم سريع دون رقابة على الأسعار ما يُضعف الثقة بالحكومة، مع الحذر من أن تمويل زيادة الرواتب قد يتطلب تخفيضات في ميزانيات أخرى ما يُثير انتقادات مشروعة ، كما يُخشى أن تستخدم كأداة دعائية دون معالجة جذور المشكلات الاقتصادية، ما يؤدي إلى فقدان الثقة على المدى الطويل في ظل أزمة اقتصادية وإنسانية.

تحفيز النشاط الاقتصادي

أما التأثير على الصعيد الاقتصادي،فقد وجد كويفي أنه يشمل تحفيز الطلب الاستهلاكي نظراً لأن زيادة الرواتب تزيد الدخل المتاح، ما يعزز الإنفاق على السلع والخدمات، وبالتالي يحفز النشاط الاقتصادي، والعمل على استقرار سعر الصرف، مع ما يرافق ذلك من دعم القطاعات المحلية و المنتجات المحلية، وتقديم حوافز للمنتجين المحليين لخفض التكاليف وزيادة العرض، وتساهم في تقليل الفجوة الاجتماعية والتفاوت في الدخل، مايحقق استقراراً اقتصادياً نسبياً، ويكمن الحذر هنا في التضخم المحتمل من زيادة السيولة النقدية دون زيادة في العرض تؤدي إلى ارتفاع الأسعار ، والضغط على الموازنة العامة .
من جانب آخر تتجلى إيجابيات في الأثر على الصعيد الإجتماعي، أهمها تحسين مستوى المعيشة خاصة للفئات منخفضة الدخل، ما يُخفف من الفقر، ويقليل التوترات الاجتماعية و الإحباط الاجتماعي الناتج عن ارتفاع تكاليف المعيشة، إضافة إلى تعزيز التضامن الاجتماعي و الشعور بالعدالة الاجتماعية، وتشجيع المواطنين على الإنفاق المدروس، وتجنب الإستهلاك الزائد الذي قد يُغذي التضخم.
ولعل توفير منصات للإبلاغ عن التجاوزات في الأسعار لتعزيز المشاركة المجتمعية ، أمر مهم وضروري مع مراعاة الشفافية والنزاهة والعدل,كما ويجب الانتباه إلى أن تغيير العادات الاستهلاكية قد يضطر  المواطنون إلى تقليل الإنفاق على التعليم أو الصحة لتغطية تكاليف السلع الأساسية، ما يؤثر سلباً على جودة الحياة، وقد يكون إنشاء لجان رقابية ميدانية بمشاركة المجتمع الأهلي لمراقبة الأسعار يومياً، خاصة بعد صرف الرواتب أداة ايجابية.

تُشجع على ثقافة العمل

ويتوازى ذلك على الصعيد الثقافي في تعزيز القيم الإيجابية كون زيادة الرواتب قد تُشجع على ثقافة العمل والإنتاجية، إذا شعر المواطنون أن جهودهم مُجزية ، ودعم النشاطات الثقافية لأن زيادة الدخل قد تُتيح للأسر الإنفاق على الأنشطة الثقافية والتعليم، ما يُعزز الإبداع والتفاعل الثقافي،كذلك فإنه يساهم في تعزيز الهوية الوطنية إذا نجحت الحكومة في إدارة الزيادة بشكل فعال، قد تُعزز الشعور بالانتماء الوطني والتضامن ،مع التنبه إلى خطورة الشعور بالإحباط إذا فشلت الزيادة في تحسين الأوضاع، ما قد يزيد الشعور بالاغتراب الثقافي واليأس من المستقبل.

كويفي: توفير منصات للإبلاغ عن التجاوزات في الأسعار لتعزيز المشاركة المجتمعية

تأثير إيجابي

وعليه ، ولضمان أن تكون زيادة الرواتب ذات تأثير إيجابي شامل، أكد كويفي أنه لابد من ربط الزيادة بحزمة إصلاحات اقتصادية واضحة لتعزيز الثقة بالحكومة،و ضمان شمولية الزيادة لتشمل القطاع الخاص والمتقاعدين لتجنب التوترات،و  فرض رقابة صارمة على الأسعار لمنع التضخم، كما في مصر حيث أُنشئت لجان رقابية لكنها تحتاج إلى تنفيذ أقوى،و دعم الإنتاج المحلي لزيادة العرض، وتقليل الاعتماد على الواردات،و استقرار سعر الصرف لتقليل تأثير الزيادة على السلع المستوردة.
إلى جانب،  توسيع برامج الحماية الاجتماعية لدعم الفئات الضعيفة،و توفير سلع بكميات كافية لتلبية الطلب.
و تشجيع الإنفاق على الأنشطة الثقافية عبر دعم المبادرات المحلية (مثل المهرجانات أو المكتبات)،و  إطلاق حملات توعية لتعزيز ثقافة الاستهلاك المدروس والدعم المحلي.

كويفي: إنشاء لجان رقابية ميدانية بمشاركة المجتمع الأهلي لمراقبة الأسعار

دور أخلاقي وقانوني

ورغم أن الحكومة تتحمل المسؤولية الأساسية، إلا أن التجار والصناعيين لهم دور أخلاقي وقانوني في ضبط الأسواق، في ظل أزمة اقتصادية حادة عبر :
1.  الالتزام بالتسعير العادل بحيث يكون التجار والصناعيون  ملزمين قانونياً بالالتزام بالتسعيرات الحكومية للسلع الأساسية،مع التحلي بالمسؤولية الاجتماعية، خاصة في أوقات الأزمات، وتجنب المضاربة التي تُغذي التضخم.
2.  الشفافية في التكاليف،و يقع على عاتق  التجار والصناعيين توضيح أسباب أي زيادة في الأسعار (مثل ارتفاع تكاليف النقل أو الاستيراد) بدلاً من استغلال السيولة النقدية الجديدة، و  التعاون مع الجهات الحكومية لتوفير فواتير تُظهر التكاليف الحقيقية.
3.  دعم السوق المحلي،و  تفضيل المنتجات المحلية على المستوردة لتقليل الضغط على العملة الصعبة وتثبيت الأسعار،و  المشاركة في مبادرات لتوفير سلع بأسعار مخفضة للفئات الفقيرة عبر معارض ومهرجانات شعبية للبيع بسعر التكلفة .
لتحقيق استقرار أسعار المواد الأساسية في سوريا وحماية المواطن من التضخم، يجب اعتماد نهج شامل يجمع بين سياسات حكومية صارمة، تعاون التجار والصناعيين عبر  تشجيعهم على الالتزام الأخلاقي والقانوني وحوافز (مثل إعفاءات ضريبية) وعقوبات صارمة على المخالفين مع مشاركة فعّالة من المجتمع المدني .

أداة قوية

وختم كويفي بأن زيادة الرواتب يمكن أن تكون أداة قوية لتحسين الأوضاع السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية، لكن نجاحها يعتمد على التنفيذ الفعال في سوريا، فشلت الزيادات السابقة في تحقيق تأثير إيجابي ملموس بسبب التضخم، ضعف الرقابة، وانهيار الليرة. لتحقيق الاستقرار، يجب أن ترافق الزيادة رقابة مشتركة على الأسعار، دعم الإنتاج المحلي، وبرامج حماية اجتماعية، وبدون هذه الإجراءات ستظل الزيادة رمزية وتُفاقم الإحباط بدلاً من تخفيفه.

Leave a Comment
آخر الأخبار