الحرية- لبنى شاكر:
يُفترض أنها تُقال على سبيل التشجيع، لكن معنىً ما في عبارة “كافئ نفسك”، يبدو أقرب للمواساة أو التعزية. كأنّ أحدنا يُخادع نفسه، مُستهيناً بحروبها اليومية وخساراتها المُستمرة، فيعدها بمكافأةٍ لا تليق بأوجاعها ولا تعني لها شيئاً يُذكر، بل ربما، تُفاجئها بمدى بؤسها، إذا ما كان شرب فنجان قهوة في مكانٍ عام، أو حديثٌ مع صديقٍ أو حتى شراء قطعة ثياب جديدة، إنجازاً لا يحدث إلّا قليلاً، حتى أصبح في النهاية ترضيةً أو هدية نهبها لأنفسنا، كَمن يربت على كتف جاره أو يزور قريبه المريض، ولسان حالهما يقول “الحياة مملوءة بالمصاعب، وما تُعانيه جزءٌ منها”، وهذا ليس تشاؤماً أو عدم امتنانٍ لما تهبه لنا الأقدار، أبداً.
+ البعض لا يعرف كيف يكون سعيداً، وبكلمةٍ أكثر دقة “مُطمئناً”
معروفٌ أن السعادة لا ترتبط بشيءٍ واضحٍ أو مُحدد، وهناك نماذج كثيرة من أثرياء ومشاهير، يعانون الاكتئاب والإدمان بمختلف أشكالهما، رغم ما يُتاح لهم من وسائل الراحة والترفيه، وإن كانت مشكلاتهم تختلف عما يعيشه آخرون أو تبدو سخيفة للبعض، لكنها تتفاقم، كما حصل مراراً، لتنتهي بأشكالٍ مأساوية. ومع ذلك، يبقى للمال والشهرة سطوتهما، التي تجعل البعض يُجاهر بخصوصياته وتفاصيل حياته الشخصية، أملاً بالمزيد من كليهما. هؤلاء يُشاركون الملايين، التخطيط لحفل زفاف وعيد ميلاد والسفر إلى بلدٍ آخر، وبعضهم ظنّ أن معرفة جنس مولوده القادم، وخلافات عائلته، أخبارٌ تهم الناس، فهل أصبحوا أكثر سعادة أو أقل هموماً؟ حقيقةً، لا يمكن ضمان أيٍّ من الاحتمالين “نعم” أو”لا”.
+ ما يقوله المختصون أملاً في تحويلنا إلى نسخ سعيدة، ولو قليلاً، يبدأ من محاولتنا التحدث بلطفٍ مع الآخرين، فربما يرتد إلينا من شركاء الزمان والمكان والاحتياج
بالتأكيد، هناك من لا يعرف كيف يكون سعيداً، وبكلمةٍ أكثر دقة “مُطمئناً”، وفي كلتا الحالتين يصعب لومه، ما دامت الظروف المحيطة، لا تمنحنا خياراتٍ أو مساحاتٍ، لنتغيّر أو نفكّر بطريقةٍ أخرى، على أن ما يقوله المختصون أملاً في تحويلنا إلى نسخ سعيدة، ولو قليلاً، يبدأ من محاولتنا التحدث بلطفٍ مع الآخرين، فربما يرتد إلينا من شركاء الزمان والمكان والاحتياج، إلى جانب تقدير المتع البسيطة كالاستماع إلى أغنية نحبها، أو زيارة بيت العائلة، وعدم الاستهانة بالإنجازات الصغيرة، كترتيب المنزل ومساعدة الجيران، وإلقاء التحية على من يتجاهلوننا، وفي الوقت ذاته، قرارٌ منا، بأن نُهوّن على أنفسنا، بدل معاقبتها، وكل ما حولنا يتفنن في ذلك.
+ الأشخاص الشغوفون بعملهم والباحثون دوماً عن حلول وابتكارات، لديهم أصدقاء يتمتعون بالمواصفات ذاتها، ما ينسحب على الملولين والسلبيين أيضاً
ومع أن البعض ربما يرى في الحديث عن السعادة، في أيامنا الحزينة هذه، جُرماً يستوجب الإدانة، يؤمن المختصون أن للسعادة معانيَ بسيطة ومُتاحة ولا تتجاهل مُحيطها، منهم الكاتبة الأمريكية “جريتشن روبن”، صاحبة الكتاب الشهير “مشروع السعادة” (The Happiness Project)، والذي تعرض فيه تجربة ذاتية ممتدة لعام كامل، حاوت خلاله زيادة شعورها بالسعادة عبر خطوات عملية مدروسة، علماً أنها لم تنطلق من شعور بالتعاسة أو أزمة شخصية، بل من إدراك أن حياتها تمضي بسرعة، وأنها تُهمل اللحظات البسيطة التي تمنحها المعنى، بعيداً تماماً عن تصورات الآخرين التقليدية، والتي تذهب عادة نحو القصور والرحلات السياحية والمغامرات الخيالية وأحدث السيارات والموبايلات، رغم أن هؤلاء يعرفون تمام المعرفة بأن حياتهم ستنتهي غالباً، دون إمكانية تحقيق شيءٍ من هذه الأمنيات.
تبحث الكاتبة في زيادة شعورها بالسعادة، من منطلق بحثي وتجريبي في آن واحد، بمعنى أنها لا تطرح مفاهيم مسبقة أو نصائح مزعجة كما تفعل كتب التنمية البشرية عادة، في تسهيل الأمور بسذاجة مُنمّقة، بل تطرح تجربة قابلة للعيش والاختبار، كما فعلت تماماً، عندما قسّمت العام إلى اثني عشر شهراً، خصصت كل واحد منها لغاية بذاتها، بدءاً من زيادة الطاقة والنشاط، وتحسين العلاقات الأسرية والاجتماعية، وصولاً إلى تعميق الشغف بالعمل، وهنا تنصح بالتواصل مع شخص شغوف، لأن الحماس مُعدٍ بطبيعة الحال، ولو دققنا حولنا كما تنصح روبن لوجدنا أن الأشخاص الشغوفين بعملهم والباحثين دوماً عن حلول وابتكارات، لديهم أصدقاء يتمتعون بالمواصفات ذاتها، ما ينسحب على الملولين والسلبيين أيضاً.
إحدى النصائح في الكتاب، تقول إن معرفة ما يناسب الإنسان بذاته، أفضل من اتباع نماذج بعينها، أي أن السعادة التي تُبديها فلانة المتزوجة أو الأم لفتيات مثلاً، لا تعني أن الحياة ستغدو ابتهاجاً لا حدَّ له، فيما لو تزوجت أخريات أو أنجبن إناثاً أيضاً، وفي السياق ذاته، يأتي التشديد على الامتنان للحظات الحاضرة مهما بدت عادية ومُكررة، ففي الوقت الذي تتذمر فيه من عملك، تذكّر الملايين الباحثين عن عمل في كل مكان، ودرّب عقلك أن يشكر باستمرار ويمتن للنعم التي أعطاك إياها الله، وكن حريصاً على أن تُنظف نفسك من المشاعر السلبية، التي تجعلك حانقاً بلا جدوى، كالكراهية والغيرة والحسد، وثق أن للجميع معاناتهم ومشكلاتهم، واحترم ذلك.