الحرية – متابعة – مها سلطان:
قبيل قمة آلاسكا اليوم التي تجمع بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والروسي فلاديمير بوتين، نشرت صحيفة «فورين أفيرز» الأميركية مقالاً مطولاً ركز على عرض أسباب فشل محادثات السلام بخصوص أوكرانيا عبر السنوات الثلاث الماضية والدروس المستخلصة من الحرب التي تدور رحاها منذ شباط 2022.
وتعتبر الصحيفة الأميركية أن ترامب يواجه اليوم «خصما ماكراً ذا خبرة» هو بوتين، الذي يأمل في استغلال نفاد صبر ترامب إزاء الحرب لإجبار أوكرانيا على التنازل عمّا فشلت روسيا في الحصول عليه بالقوة على أرض المعركة.
وترى فورين أفيرز أنه لا يوجد ما يشي بأن ترامب سيقبل قائمة مطالب بوتين، بل على العكس، فقد عبّر مراراً عن إحباطه من غياب التقدم في المحادثات وهدّد بالانسحاب منها، في حين تواصل روسيا التقدم ببطء شديد في حرب استنزاف دموية طويلة بلا نهاية واضحة.
ووسط سيل من المقترحات والمقترحات المضادة، والتهديدات والتهديدات المضادة، سعت الصحيفة الأميركية إلى استخلاص دروس من آخر محاولة حقيقية لإنهاء هذه الحرب بالتفاوض لعلها تفيد الجهود الحالية.
والمحاولة الأخيرة كانت في إسطنبول، حيث بدا أن الطرفين المتحاربين قاب قوسين أو أدنى من اتفاق مبدئي يقوم على انسحاب القوات الروسية إلى خطوط ما قبل الهجوم الروسي، والتزام أوكرانيا بحياد دائم يحول دون انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) مقابل ضمانات أمنية دولية صارمة.
لكن التقدم ما لبث أن انهار مع إصرار أوكرانيا على استعادة شبه جزيرة القرم وأراضي دونباس، ورفض روسيا أي انسحاب كامل أو المساس بمكاسبها الميدانية، وكان العامل الميداني حاسماً، فكل طرف كان يراهن على تحسين موقعه العسكري قبل تقديم تنازلات سياسية.
وأظهرت مفاوضات إسطنبول أن الغرب لم يكن مستعداً لتقديم الضمانات الأمنية التي تراها كييف أساسية، فالغرب – برأي فورين أفيرز- لم ينأ بنفسه فقط من «بيان إسطنبول» بسبب استبعاده من المحادثات، بل أيضاً لأن الضمانات الأمنية التي وردت في تلك الوثيقة تجاوزت ما كانت واشنطن وحلفاؤها يرغبون في تقديمه.
ووفقاً للصحيفة، يجب أن تجلس جميع الأطراف المعنية إلى طاولة المفاوضات منذ البداية، إذ إن غياب أي طرف قد يجعله قادراً على تقويض الاتفاق، مؤكدة أن الاتفاقات التي تصاغ دون مشاركة جميع الأطراف المعنية مصيرها الفشل.
وترى أن عدم رغبة الغرب في تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا يشكِّل عقبة كبرى أمام الوصول إلى تسوية، وما يزال يمثل عائقاً..كما أن تفاؤل أي طرف إزاء فرصه العسكرية في ساحات القتال قد يقلل من اهتمامه بعقد اتفاق.
وأخيراً، فإن آليات وقف إطلاق النار ليست أقل أهمية من السياسات الكبرى لتحديد نظام ما بعد الحرب، بل يجب السعي فيهما معاً لوقف الحرب الدموية المدمرة.
غير أن الصحيفة الأميركية تعتقد أن التوصل لاتفاق سلام غير ممكن دون معالجة مخاوف أوكرانيا وروسيا تجاه بعضهما على المدى الطويل.. فكما حدث في إسطنبول عام 2022، ستظل المخاوف الأمنية لكلا الطرفين في مقدمة أجندة أي محادثات قادمة، بينما ستبقى قضايا أخرى – مثل وضع الأراضي المتنازع عليها، ورفع العقوبات عن روسيا، وتمويل إعادة إعمار أوكرانيا- ثانوية رغم أهميتها.
وتربط الصحيفة بين محادثات إسطنبول ومفاوضات سابقة وحالية، مشيرة إلى أن النمط يتكرر، حيث دأبت واشنطن وحلف الناتو على وضع اعتبارات الردع الإستراتيجي في مواجهة روسيا فوق أي تسوية سريعة، بينما ترى موسكو أن الحرب جزء من صراع أوسع مع الغرب، وليس مجرد نزاع حدودي مع كييف.
واستعرضت الصحيفة بعض العوامل التي تعتقد أنها أجهضت مساعي السلام السابقة، والتي تمثلت في الآتي:
– تباين الأهداف: تريد أوكرانيا استعادة كل أراضيها المعترف بها دولياً، بينما روسيا تريد اعترافاً بضم القرم وبسيطرتها على أجزاء من شرق البلاد.
– انعدام الثقة: يشك كل طرف في نية الآخر الالتزام بأي اتفاق.
– تأثير الحلفاء: لقد أفضى الدعم العسكري الغربي لكييف إلى تعزيز موقفها التفاوضي، بينما كان لدعم بكين وطهران الفضل في منح موسكو القدرة على الصمود.
– تصعيد نبرة الخطاب السياسي: كان هذا أحد العوامل التي جعلت أي تنازل من أحد الطرفين يبدو وكأنه خيانة وطنية.
وحسب الصحيفة فإن محادثات إسطنبول أثبتت أن بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قادران على تقديم تنازلات مهمة، رغم ما عُرف عنهما من تشدد، فالرئيس بوتين وافق على مناقشة وضع شبه جزيرة القرم، بل وأقر بحق أوكرانيا في السعي للانضمام للاتحاد الأوروبي، فيما تخلى زيلينسكي عن فكرة الانضمام للناتو ودعا لمحادثات مباشرة مع بوتين.
وفي تقدير الصحيفة فإن المواقف المعلنة اليوم ليست بالضرورة خطوطاً حمراء ثابتة، بل قد تكون مجرد بدايات تفاوضية، غير أن فشل المفاوضات الحالية، كما حدث في إسطنبول، قد يعني سنوات أخرى من الحرب المستنزِفة لقدرات البلدين.
وتخلص الصحيفة إلى أن أي محادثات مستقبلية لن تنجح ما لم تُصَمْمْ على معالجة جذور الأزمة، بما في ذلك الوضع الأمني الإقليمي وعلاقة أوكرانيا بالناتو، إلى جانب ضمانات متبادلة جدية.
على أن الدرس الأبرز المستخلص من محادثات إسطنبول 2022 هو أن فرص السلام لا تدوم طويلاً في الحروب الكبرى، فهي نوافذ قصيرة تُغلق بسرعة إذا لم تُستغل، خاصة عندما يعتقد كل طرف أن بإمكانه تحقيق المزيد بالسلاح لا بالدبلوماسية.