التقارب التوافقي.. بين أسطورة الكواكب ورسالة السلام

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية- حنان علي:

قبل ثمان وثلاثين سنة وتحديدًا في السادس عشر من شهر آب، توقف العالم للحظة في يوم شهِدَ حدثاً فريداً من نوعه. آلاف البشر، من كل حدب وصوب، من أوهايو الأمريكية إلى ربوع المكسيك، ومن قلب أوروبا النابض إلى قارة آسيا الساحرة، اتحدوا في وقت واحد تحت راية “التقارب التوافقي”. لقد كان أول تأمل عالمي متزامن للسلام، وذلك استجابة لحدث كوني نادر أعلن اصطفاف الكواكب في السماء. بالنسبة لمنظمي هذا الحدث المهيب، لم يكن مجرد تجمع عابر، بل نقطة تحول فاصلة، لحظة أذنت ببدء عهد جديد للبشرية، عهد يسوده التناغم الروحي ويتجاوز كل الصراعات والنزاعات. عالم يتنفس السلام!

فهل كان هذا حقاً حدثاً كونياً فريداً، أم مجرد حلم جميل تكسوه الأساطير؟

التقارب التوافقي

ارتبط هذا الحدث بتأويلات خاصة لتقويم المايا والأزتك. فقد أعلن المفكر المكسيكي-الأمريكي José Argüelles أن 16–17 أغسطس 1987 يمثلان نهاية ما أسماه “دورات الجحيم” وبداية زمن مختلف، ما يوجب على البشر من وجهة نظره، الاجتماع للصلاة والتأمل من أجل مستقبل أفضل. بالطبع استجاب الآلاف، وشاركوا بأكثر من 350 موقعاً مقدساً في أنحاء العالم، حيث جلسوا للتأمل، وغنوا وصلّوا على أمل أن يؤثر هذا التوافق في مسار البشرية.

أصوات معارضة

حدثٌ وبالرغم من أجواءه الحالمة، بيد أنه لم يخلُ من الانتقادات اللاذعة، استهلت بغياب الدقة العلمية، حيث أكد علماء الفلك أن الاصطفاف الذي جرى الحديث عنه ليس ظاهرة فلكية استثنائية على الإطلاق، فيما اعتبر كثيرون أن هذا الحدث ينتمي إلى عالم الأساطير والتنجيم أكثر مما يستند إلى العلم.

في حين رأى نقاد  أن التقارب التوافقي تحوّل إلى “مهرجان روحي” استهلك الحماسة الشعبية دون أن يقدم حلولاً واقعية، ومع ذلك، يبقى السؤال: لماذا جذب هذا الحدث كل هذا الاهتمام؟

ما لا يمكن إنكاره كامن في إجابة بسيطة؛ الإنسان المعاصر ظمآن للطمأنينة!

ما برحت رؤية أناس من أعراق وديانات مختلفة يجتمعون في وقت واحد ليرددوا كلمات السلام، حتى وإن كانت مدفوعة بمبالغات فلكية، هو مشهد آسر بلا شك. فقد كشف التقارب التوافقي أن العالم في زمن الحروب الباردة وصراعات المصالح، لا يزال يبحث عن أمل في السلام الجماعي، ولو من خلال رموز كونية.

رؤية دينية

السلام ليس حلماً عابراً، بل هو جوهر الرسالة الإلهية في مختلف الأديان السماوية:  ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ﴾ [يونس: 25]

ربما ظنّ منظّمو التقارب التوافقي أن اصطفاف الكواكب قادر على تغيير مصائر البشرية، بينما تعلّمنا الأديان أن التغيير يبدأ من داخل الإنسان:

يقول الله تعالى مالك الملك السلام .. في القرآن الحكيم ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11] ،

وفي الكتب السماوية..في الإنجيل ورد في رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية( 12: 2 ): “وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ.”

فالسلام ليس نتاج حركة النجوم، بل ثمرة العدل والإحسان.

أثر ممتد

لعلّ التقارب التوافقي لم يُحدث تحولاً ملموساً في السياسة العالمية أو في بنية المجتمعات. لكنه ترك أثراً رمزياً باعتباره جرس إنذار:

أن البشرية، مهما انشغلت بالتكنولوجيا والسباق على السلطة، ما تزال تتوق إلى معنى جماعي للسلام.

وقد لا يكون هذا التقارب دقيقاً في حساباته الفلكية، أو أنه أقرب إلى الأسطورة منه إلى العلم. لكن رمزيته العميقة تكشف عن حاجة البشر الدائمة إلى التلاقي حول فكرة السلام، فيما تبقى الحقيقة التي ينبغي أن ندركها أن السلام ليس اصطفاف كواكب، بل اصطفاف للقلوب. ولا يكمن في ترديد الطقوس الغامضة، بل بإقامة العدل، ونشر الرحمة، وتزكية النفوس.

Leave a Comment
آخر الأخبار