تستدعي إدارة ذكية ومتكاملة.. باحث يقدم رؤية علمية حول أزمة المياه في سوريا والعالم العربي

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – حسيبة صالح:

في ظل التحديات البيئية المتزايدة التي تواجه العالم العربي، تبرز قضية المياه كأحد أخطر الملفات التي تهدد الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي. وفي لقاء خاص مع صحيفتنا “الحرية”، فتح لنا الدكتور صفوان الحلبي، الباحث في هندسة المياه والبيئة، نافذة علمية وإنسانية على واقع المياه في سوريا والمنطقة، مقدّماً رؤى عملية وحلولاً مبتكرة تستحق التأمل والتطبيق.

أزمة وجودية

يشير الدكتور الحلبي إلى أن سوريا اليوم تعيش تحت خط الفقر المائي، حيث لا تتجاوز حصة الفرد 600 متر مكعب سنوياً، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى الذي حددته الأمم المتحدة (1000 متر مكعب). ويعزو ذلك إلى عدة عوامل هي: انخفاض الهطولات المطرية وتكرار موجات الجفاف، الاعتماد المفرط على المياه الجوفية دون رقابة، تراجع تدفق الأنهار، خاصة نهر الفرات، بسبب السدود في دول الجوار، تضرر البنية التحتية المائية خلال سنوات الحرب.
ويؤكد الحلبي أن الأحواض المائية السورية، مثل الفرات والعاصي وبردى، تعاني من الاستنزاف والتلوث، ما يستدعي إصلاحات جذرية في إدارة الموارد المائية.

حلول بيئية ذكية

في سياق ترشيد استخدام المياه، يشير الدكتور الحلبي إلى أهمية اختيار نباتات تستهلك كميات قليلة من المياه، مثل: النباتات الصحراوية كالصبار والألوفيرا، النباتات المقاومة للجفاف مثل الزيتون والعرعر والأكاسيا، النباتات المحلية المتكيفة مع المناخ السوري، النباتات البقولية والغطاء الأرضي التي تحسن التربة وتقلل التبخر.

الحلبي: سوريا اليوم تعيش تحت خط الفقر المائي، حيث لا تتجاوز حصة الفرد 600 متر مكعب سنوياً

ويشدد على أن استخدام تقنيات مثل الري بالتنقيط وجمع مياه الأمطار يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً في الحفاظ على الموارد.

تحديات مشتركة

يرى الدكتور صفوان أن أكثر من 70% من موارد المياه في العالم العربي تأتي من خارج الحدود، ما يجعل الأمن المائي رهيناً للسياسات الإقليمية. ويضيف: “رغم جهود بعض الدول الخليجية في تحلية المياه، تبقى هذه الحلول مكلفة وغير قابلة للتعميم في دول ذات موارد محدودة.”

ويؤكد أن تغير المناخ، وتزايد السكان، والتوسع العمراني، كلها عوامل تضغط على الموارد المائية، وتستدعي إدارة ذكية ومتكاملة تشمل: تقنيات حديثة في الري والمعالجة، تشريعات تنظيمية للاستخدام العادل، تعزيز الوعي المجتمعي، التعاون الإقليمي لتقاسم الموارد.

من المختبر إلى الميدان

في حديثه عن مشاريعه المستقبلية، كشف الدكتور صفوان عن كتابين قيد الإنجاز، هما الإدارة الذكية للمياه في البيئات الجافة، الذي يقدم حلولاً عملية مبنية على أبحاث ميدانية في سوريا والإمارات، وأثر التغير المناخي على الموارد المائية، وهو موجه للباحثين الشباب، ويستعرض تجارب إقليمية ودولية.
كما بين أنه يعمل على مشروعين بحثيين، الأول عن إعادة استخدام مياه التكييف في الزراعة الحضرية باستخدام أنظمة ري ذكية، والثاني حول تطوير نموذج منخفض التكلفة لمعالجة المياه الرمادية في المدارس والمناطق الريفية.

دعم البحث العلمي

يشدد الدكتور صفوان على أهمية ربط الأبحاث العلمية بأولويات التنمية الوطنية، من خلال: بناء جسور بين الباحثين وصنّاع القرار، توفير تمويل موجه وحاضنات تطبيقية، تشجيع البحث التطبيقي لخدمة المجتمع.

نصائح للباحثين الشباب

يوجه الدكتور صفوان رسالة ملهمة للجيل الجديد من الباحثين قائلاً: “كونوا واقعيين في الطرح، مبتكرين في الحلول، ومترابطين مع المجتمع. لا تخشوا العمل الميداني، فهو المدرسة الحقيقية. وابحثوا من أجل الأثر، لا من أجل الورقة العلمية فقط.”
كما يرى الدكتور صفوان أن التعاون مع المؤسسات الدولية والجامعات العالمية يفتح آفاقاً واسعة لتبادل المعرفة، ويؤمن بأن حلول المياه لا يمكن أن تكون محلية فقط، بل يجب أن تكون جزءاً من رؤية عالمية تشاركية.”

حجر الأساس

في ختام اللقاء، عبّر الدكتور صفوان عن قلقه من ضعف الوعي المجتمعي حول قضية المياه في العالم العربي، مؤكداً أن هناك حاجة ملحة لتعزيز التوعية البيئية، بدءاً من المدارس وحتى وسائل الإعلام، ودمج مفاهيم ترشيد الاستهلاك في السياسات العامة.
وعن سبب اختياره هذا المجال، أوضح الحلبي أن المياه تمثل أحد التحديات الجوهرية التي تواجه عالمنا، وخصوصاً في منطقتنا العربية، مضيفاً: اخترت هذا المجال لأني مؤمن بأن الماء هو مفتاح الحياة والتنمية والاستقرار، وأن البحث العلمي يمكن أن يقدم حلولاً قابلة للتنفيذ.
في خضم التحديات البيئية المتسارعة، يبقى الماء جوهر الحياة وأحد أعمدة الاستقرار البشري. ومن خلال هذا الحوار مع الدكتور صفوان الحلبي، تتجلى أهمية الإدارة الرشيدة لهذا المورد الحيوي، ليس فقط من منظور علمي وتقني، بل من زاوية إنسانية وأخلاقية أيضاً.
إن مستقبل المياه في منطقتنا، وفي العالم أجمع، مرهون بمدى قدرتنا على تحويل المعرفة إلى فعل، والتحديات إلى فرص، والتباينات إلى نقاط التقاء. فلنكن جميعاً جزءاً من الحل لا من المشكلة .

Leave a Comment
آخر الأخبار