الأحاجي والألغاز.. فنونّ ذهنيةٌ زينت الأدب العربي

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية – رنا بغدان:

تعتبر الأحاجي والألغاز الشعرية من الفنون الأدبية القديمة التي عرفها العرب منذ العصر الجاهلي، وقد اهتم بها العديد من العلماء والأدباء على مرّ العصور وكتبوا فيها المؤلفات والرسائل، أمثال السيوطي وابن قتيبة وابن سلام والزمخشري.. فهي نوع من الأدب والتراث الشعبي تعكس جوانب من الثقافة والتقاليد، وتعتمد في صياغتها على الشعر أو النثر ويتم استخدام اللغة بطريقة فنية بهدف إثارة التفكير والتسلية والتنافس بين الأفراد من خلال طرح أسئلة غامضة تتطلب حلاً ذكياً، وتتجلى أهميتها في كونها تعكس مهارة الشاعر في صياغة الألفاظ والبحث عن المعاني الخفية، بالإضافة إلى دورها في تنمية القدرات الذهنية واللغوية للمتلقي وإثراء لغته من خلال استخدام الكلمات بطرق مبتكرة وجمالية.
وقد ازدهرت الأحاجي والألغاز في الأندلس، حيث اتخذها الشعراء وسيلة للتعبير عن مهاراتهم وقدراتهم الذهنية، وتطورت مع مرور الوقت فأصبحت أكثر تعقيداً وتنوعاً في أساليبها وموضوعاتها ما يتطلب من صاحبها قدرة كبيرة على النظم والتأليف بين المتباعدات، التي تستدعي من متلقيها قدراً كبيراً من الفطنة والوعي، والقدرة على إدراك العلاقة بين تلك المتباعدات التي قد تبدو من الوهلة الأولى لا رابط لها..
والأحجية هي سؤال أو عبارة غامضة تتطلب حلاً أو تفسيراً، أما اللغز فهو ما يُعَمَّى من الكلام وفيه مشكل.
لغز عن النار:
“شعثاء غبراء الفروع منيفة
بها توصف الحسناء أو هي أجمل
دعوت بها أبناء ليل كأنهم
وقد أبصروها معطشون قد أنهلوا”.
أحجية في النار:
“وآكلة بغير فم وبطن
لها الأشجار والحيوان قوت
إذا أطعمتها انتعشت وعاشت
وإن سقيتها ماء تموت”.
ومثال الأحاجي النثرية:
“يتعلق بكل شيء ولا يستطيع أحد التعلق به”.. (الغبار).
وللأحاجي الشعرية خصائص عديدة فهي تتسم بالإبهام والغموض، حيث تخفي المعنى الحقيقي وراء الكلمات والصور الشعرية، ويعتمد الشعراء في صياغتها على المجاز والاستعارة والكناية لإضفاء طابع فني وجمالي على اللغز، وقد تتضمن التلاعب بالألفاظ مثل التصريف والقلب والحذف والتبديل، عدا عن استخدامها في الحكايات الشَّعبية العربية رموزاً ودلالات خاصة تعكس جوانب من الثقافة والتراث.. فقد ورد عن العرب الإلغاز بطريقة السؤال والجواب على نحو المحاورة بين  “عبيد بن الأبرص” و”امرئ القيس” التي ذكرها “علي بن ظافر” في كتابه “بدائع البدائه”، كما جمَّلوا أحاجيهم بالتورية فزادوها إبداعاً حتى صارت من زينة الشعر، كقول بعضهم في القلم:
“وذي خضوعٍ راكعٌ ساجدٌ
ودمعه من جفنه جاري
مواظبُ “الخمِس” لأوقاتها
منقطعٌ في خدمة الباري”.
وتنقسم الألغاز بشكل عام إلى قسمين الألغاز المعنوية، ويشار فیها إلى الموصوف بذكر صفات الذات. والألغاز اللفظية، وترد فيها الإشارة إلى الموصوف من خلال ذكر كلمات تتضمن اسم الموصوف، أو بعض حروفه. ومن الألغاز نوع عجيب، وهو أن تلغز في اسم ويأتي في اللغز بما يطابق صورة أحرفه في الرسم من الأشياء، وهناك ألغاز النحاة والفقهاء وأهل الفرائض ومن ينتحلون الحكم والفلسفة. وأقدم ما وصل إلينا من أحاجي العرب نوع كان يستعمل في اختبار البداهة وقوة العارضة، فيلقي السائل الكلمة المفردة والمسؤول يُتمُّها في كل مرة حتى يحتبس لسانه أو يكل بيانه..
ويرى البعض فروقاً قليلة بين الألغاز والأحاجي والمعميات بینما لایکاد یوجد فرق كبير بينها في الاعتبار والاصطلاح ويلحق جميعها بالمعميات، وقد خضعت الألغاز والأحاجي إلى مراحل عديدة من التطور والانتقال، وبقيت خلالها محافظة على شكلها الأدبي الشَّعبي المميَّز وسماتها ووظائفها لتبقى مليئة بالأفكار العميقة التي تُلبسها دائماً أشكالاً فنية رائعة تعكس جوانب هامة من جوانب الحياة العديدة.

Leave a Comment
آخر الأخبار