الحرية- أمين سليم الدريوسي:
تشهد واشنطن اليوم محطة مفصلية، إذ يلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قادة أوروبيين بارزين في اجتماع يحمل أهمية استثنائية، يجمع حلفاء يواجهون تحديات مشتركة ويتقاسمون رؤية موحدة حيال مستقبل أوروبا والعالم، وتكتسب هذه اللقاءات زخمها من مشاركة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي يمثل محوراً رئيسياً فيها، بوصفه صوت بلاده في خضم حرب مستمرة.
وتأتي هذه الخطوة بعد أيام قليلة من قمة ألاسكا التي جمعت ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي انتهت دون اتفاق على وقف إطلاق النار في أوكرانيا، لكنها أفرزت مؤشرات أولية إلى تحولات محتملة في مسار المفاوضات نحو اتفاق سلام شامل، وفي ظل هذا المشهد، يثور التساؤل حول أبعاد الاجتماع، والقضايا المطروحة على الطاولة، والرسائل التي يسعى الحلفاء إلى توجيهها للعالم.
ومن المتوقع أن تكون الأزمة الأوكرانية في صدارة جدول الأعمال، فبعد أكثر من عامين من حرب دامية غيّرت ملامح القارة الأوروبية، يسعى القادة إلى تجديد التزامهم بدعم أوكرانيا والتأكيد على وحدة الصف في مواجهة التحديات.
لقد قرر القادة الأوروبيون الاصطفاف علناً إلى جانب زيلينسكي في واشنطن بهدف إرسال رسالة واضحة: إن أي تسوية للصراع لن تتم دون مشاركة مباشرة لأوكرانيا وأوروبا، وإن الحلفاء لن يتخلوا عن أوكرانيا. سيواصلون دعمها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وتزويدها بالأسلحة والذخائر، وتدريب القوات الأوكرانية. ومن المتوقع أيضاً مناقشة زيادة المساعدات الاقتصادية والإنسانية لدعم جهود إعادة الإعمار وتخفيف معاناة الشعب الأوكراني.
– خيارات المرحلة المقبلة
يأتي كل ذلك وسط مخاوف من أن يمارس البيت الأبيض ضغطاً على كييف للقبول بتنازلات إقليمية، بعدما أظهر ترامب ميله لدعم مقترح روسي يمنح موسكو السيطرة على دونباس مع تجميد الجبهة في خيرسون وزابوريجيا، وفق ما أفاد مصدر مطلع لوكالة فرانس برس، مقابل ضمانات أمنية واسعة النطاق تستلهم المادة الخامسة من ميثاق «ناتو» ولكن خارج عضوية الحلف.
ليست أزمة أوكرانيا وحدها موضع النقاش وإن كانت الأساس، فهناك قضايا أخرى مطروحة على الطاولة، إضافة إلى بحث سبل التعامل مع التحديات، فمن المتوقع أن تتركز المناقشات على صياغة استراتيجية مشتركة للتعامل مع روسيا، تشمل فرض العقوبات ووقف أي عدوان محتمل، وذلك في ظل توترات جيوسياسية متصاعدة. ويشكل الأمن الأوروبي محوراً أساسياً، مع بحث تعزيز التعاون بين دول حلف شمال الأطلسي «ناتو» لضمان استقرار المنطقة. وإلى جانب ذلك، تُطرح سبل دعم التعاون الاقتصادي بين ضفتي الأطلسي بما يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي العالمي. ولا تغيب القضايا العالمية عن طاولة الحوار، إذ يُتوقع تناول ملفات حيوية مثل تغير المناخ، والأمن السيبراني، والتجارة الدولية، بما يعكس التزاماً مشتركاً بمواجهة التحديات العابرة للحدود.
وإذ لم يتم الإعلان رسمياً عن أسماء جميع المشاركين في الاجتماع، فإن التوقعات تشير إلى حضور قادة أوروبيين بارزين يمثلون الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ودول حلف شمال الأطلسي، إلى جانب زيلينسكي، الذي يُعد صوت أوكرانيا في هذا المحفل ويسعى إلى تأمين مزيد من الدعم والمساندة لبلاده في مواجهة التحديات الراهنة. ويأتي حضور القادة الأوروبيين في سياق جهودهم لتوحيد الصفوف وتعزيز التعاون السياسي والأمني، بما يعكس حرصاً جماعياً على صياغة موقف موحد تجاه القضايا الإقليمية والدولية الملحة.
– التوقعات.. والسيناريوهات المحتملة
من المرجح أن يشهد الاجتماع إعلاناً عن حزمة مساعدات جديدة لأوكرانيا، عسكرية أو اقتصادية، في إطار استمرار دعمها في مواجهة الحرب. وسيحرص القادة على التأكيد على وحدة الصف في مواجهة التحديات، مجددين التزامهم الراسخ بمساندة كييف سياسياً وميدانياً، مع احتمال توجيه رسائل تحذير واضحة إلى روسيا بشأن عواقب أي تصعيد إضافي. ومع ذلك، تبقى الدبلوماسية أمام اختبارات صعبة، أبرزها الانقسامات الداخلية في بعض الدول وصعوبة التوصل إلى توافق شامل حول القضايا الحساسة، وهو ما قد يفرض مزيداً من الضغوط على جهود التنسيق والعمل المشترك.
في هذا المشهد المزدحم بالتناقضات والمصالح المتشابكة، يبدو اجتماع البيت الأبيض كأنه نقطة انعطاف في مسار صراع طويل يثقل كاهل أوروبا والعالم. فثمة رغبة في إحياء الأمل وبناء سلام مستدام، تقابلها مخاوف من استمرار دوامة الدم والدمار. وبينهما، تقف الدبلوماسية أمام اختبار حاسم سيحدد إن كانت قادرة على جمع الصفوف ورسم أفق جديد للمستقبل.
وما بين الطموح إلى اتفاق يضع حداً للقتال والهواجس بثمن قد يكون باهظاً على السيادة والمبادئ، تبقى عيون العواصم شاخصة نحو واشنطن، حيث تتقرر ملامح المرحلة المقبلة. وفيما تصر أوكرانيا على الدفاع عن أرضها ويبحث الحلفاء عن صيغة تحفظ الأمن والاستقرار، يظل السؤال الكبير معلقاً: هل نقترب من نهاية الحرب، أم نشهد فصلاً جديداً من فصولها؟
.. الإجابة، وإن بدت غامضة اليوم، ستتكشف ملامحها قريباً مع انقضاء هذه الأيام المفصلية.