الحرية – علاء الدين إسماعيل:
في 22 من شهر آب عام 2012، سُطرت صفحةٌ مظلمة في تاريخ الصحافة السورية، حين اغتال النظام البائد الصحفي مصعب العودة الله برصاص مباشر، استهدفه النظام وقتله ميدانياً عبر إطلاق ست رصاصات استقرت في رأسه أمام عائلته في منزله بمنطقة نهر عيشة بدمشق، تلك الجريمة البشعة لم تكن مجرد عملية اغتيال، بل كانت رسالة واضحة تحمل دلالات سياسية وأمنية، مفادها أن صوت الحقيقة لا مكان له في ظل القمع والاستبداد، صوت من وقف في وجه الظلم، وصوت من كشف انتهاكات وجرائم النظام ضد الشعب السوري.
وبيّنت الصحفية سيلفا كورية لصحيفتنا الحرية: مصعب العودة الله، ابن مدينة نوى بريف درعا، كان واحداً من أبناء سوريا الذين آمنوا بقضية الحرية والكرامة، عمل في جريدة تشرين، لكن مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، قرر أن يرفع راية الحق، بغض النظر عن المخاطر المحدقة بحياته، لم يكن مجرد صحفي، بل كان صوتاً من أصوات التغيير والتوثيق لمآسي الشعب السوري، وشاهداْ على انتهاكات نظام الأسد البائد بحق أبناء شعبه.
وأضافت: كان مصعب غير عادي في مهنته؛ فقد نقل أصوات أطفال درعا الذين عانوا مرارة القتل والقمع، ووثق الكثير من أعمال الانتهاكات التي ارتكبها النظام البائد، عمل كمراسل سري لقناة أورينت ولعدد من الوكالات العربية والأجنبية، وعضو فعال في تنسيقيات حوران، التي كانت بمثابة منصة للثوار والمناضلين في الجنوب السوري، كل ذلك زاد من خطورة وضعه، حيث أصبح هدفاً للنظام وكل من يقف وراءه.
وتابعت: لكن الإصرار على كشف الحقيقة لم يكن سهلاً، خاصةً في بيئة مثل الإعلام السوري الذي كان مثل جحيم للصحفيين الذين يعملون على توثيق الجرائم ومواجهة الاعتقالات أو الإعدام الميداني، حيث كان يستخدمه المخبرون والوشاة وكراً لهم، الذين كانوا ينظرون لأصوات الحق بعين الحقد والكراهية. وها هو، في لحظة، يلقى مصرعه على يد من كان يختبئ وراء قناع النظام القمعي.
وأشارت قائلة: لقد تميز العودة الله بالصحفي الشغوف للمهنية والاحتراف، حيث حصل على شهادة من معهد الإعداد الإعلامي، وكان يواصل دراسته في الصحافة، وهو طالب في السنة الثانية حين اغتيل، كان زملاؤه يعبرون عن إعجابهم بأخلاقه الحسنة، وحجم مناقبه، والتزامه بقضايا وطنه، وإخلاصه في عمله. كان يُعرف بأمانته ونزاهته، وحرصه على نقل الصورة الحقيقة بكل مهنية وهدوء، بعيداً عن التضليل أو التهويل.
وأكدت كورية أن الإعلام السوري فقد باغتياله واحداً من أصحابه المخلصين، ومن الأصوات التي كانت تسعى لفضح الظلم والاعتداءات على أبناء الشعب. كانت خسارته فادحة، لأنها لم تكن مجرد خسارة فرد، بل كانت ضربة لكل من يؤمن بحرية التعبير وحرية الصحافة، ترك خلفه ذكرى لن تمحى، وصورة للمهنة النبيلة التي تتطلب الشجاعة والإخلاص.
مردفة: إن اغتيال الصحفي مصعب العودة الله ليس إلا فصلاً من الفصول السوداء في تاريخ قمع النظام البائد، وهو تذكير دائم بضرورة وقوف الصحفيين والناشطين في وجه الظلم، مهما كانت التحديات والمخاطر التي تلاحقهم. فصوته، رغم إسكاته بالرصاص، يظل حياً في قلوب من آمنوا بالعدالة، وفي ذاكرة الوطن، ليظل شاهداً حياً على بطولته وتضحياته وإصراره على قول الحقيقة حتى النهاية.