ثقافة وظيفية جديدة تعيد الثقة بين المواطن والدولة.. بانتظار قانون الخدمة المدنية نهاية الشهر الجاري

مدة القراءة 4 دقيقة/دقائق

الحرية– نهلة أبو تك:

لم يعد الحديث عن إصلاح الجهاز الإداري في سوريا مجرد ترف فكري أو شعار يُرفع في المناسبات، بل أصبح حاجة وطنية ملحّة تفرضها متطلبات التنمية وإعادة بناء الدولة الحديثة، وفي هذا السياق يأتي مشروع قانون الخدمة المدنية الجديد كخطوة محورية لتأسيس ثقافة وظيفية جديدة قوامها النزاهة والمساءلة والانضباط.
القانون الجديد لا يقتصر على تحديث مواد قانونية جامدة، بل يؤسس لرؤية عصرية تعيد صياغة العلاقة بين الموظف والدولة وفق مبدأ الحقوق المتوازنة مع الواجبات، فالموظف لم يعد مجرد منفذ للتعليمات، بل شريك في بناء الخدمة العامة، مسؤول عن أدائه، ومُساءل أمام المجتمع والقانون في الوقت ذاته.

الحمدان: القانون يمثل خطوة نوعية لأنه يؤسس لثقافة مؤسسية مسؤولة تربط الأداء بالمساءلة وتضمن حماية حقوق الموظف والمواطن على حد سواء

ثقافة مؤسسية

الخبير الإداري الدكتور إياس الحمدان يشير إلى أن القانون يمثل خطوة نوعية نحو إعادة الثقة بين المواطن والدولة لأنه يؤسس لثقافة مؤسسية مسؤولة تربط الأداء بالمساءلة وتضمن حماية حقوق الموظف والمواطن على حد سواء، ويضيف في تصريح لـصحيفتنا “الحرية” أن الباب السادس الخاص بالالتزامات والمساءلة الوظيفية يعد حجر الزاوية في هذه الرؤية الجديدة، إذ يعزز الانضباط المؤسسي، ويرسخ ثقافة احترام المال العام، ويضمن بيئة عمل عادلة ومحفزة.
ويركز القانون على ترسيخ الشفافية عبر نصوص واضحة تمنع تضارب المصالح وتكافح الفساد، إضافة إلى تعزيز العدالة الوظيفية التي تكفل المساواة وتمنح الموظف حق الاعتراض عبر قنوات مؤسسية عادلة، ورفع مستوى المهنية من خلال ربط الأداء بالمساءلة وإشاعة روح الفريق داخل المؤسسات الحكومية، مع تأمين بيئة محفزة تدعم الإبداع وتحمي سلامة الموظف الجسدية والنفسية. ولا يكتفي القانون بالنصوص النظرية بل يقترح إجراءات عملية لتفعيلها على أرض الواقع، منها التدريب الدوري للموظفين على النزاهة وأخلاقيات الوظيفة العامة، وإنشاء منصات رقمية لرصد الأداء وتلقي الشكاوى، وربط المكافآت والترقيات بمعايير موضوعية وشفافة، إلى جانب دعم ثقافة الإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين.
كما يتقاطع القانون الجديد مع تجارب الإصلاح الإداري الناجحة عالمياً عبر الحوكمة الوظيفية التي تضمن وضوح المسؤولية والمساءلة، وإدارة الموارد البشرية الاستراتيجية التي تعتبر الموظف رأس مال بشري لا مجرد رقم وظيفي، واستخدام الرقمنة لتعزيز الشفافية وتسريع الإجراءات وتقليل البيروقراطية، مع السعي لتحقيق التنمية المستدامة عبر تمكين الشباب والمرأة وإتاحة فرص متساوية للجميع.

بيئة عمل مهنية

ويختم الدكتور الحمدان بالقول إن مشروع قانون الخدمة المدنية ليس مجرد نص قانوني، بل خطوة عملية لبناء جهاز إداري عصري قادر على استعادة الثقة بين المواطن والدولة وإرساء بيئة عمل مهنية وعادلة ومسؤولة هذا وتكثف اللجنة المكلفة إعداد الصياغة النهائية لمشروع قانون الخدمة المدنية، اجتماعاتها في مقر وزارة التنمية الإدارية برئاسة الوزير محمد حسان السكاف، حيث خُصص الاجتماع الأخير يوم الأربعاء الماضي لمناقشة الباب السادس من مشروع القانون المتعلق بالالتزامات والمساءلة الوظيفية، الذي يُعد من المحاور الجوهرية في إعادة هيكلة العلاقة، بين الموظف والجهاز الحكومي، وفق منظومة متوازنة، تضمن الحقوق وتُرسّخ المسؤوليات.
وتركزت النقاشات على مجموعة من المبادئ التي تهدف إلى تعزيز الانضباط المؤسسي، وترسيخ الأداء المهني القائم على الشفافية والمساءلة والالتزام الوظيفي، كما ناقشت اللجنة بشكل معمّق التزامات الموظف ومسؤولياته المهنية والسلوكية في مختلف مجالات العمل الحكومي.
وتضمن النقاش أيضاً إقرار المحاور الأساسية المتعلقة بالمحظورات المهنية، وتضارب المصالح والعقوبات التأديبية بما يُكرّس العدالة الوظيفية، ويوفر أدوات قانونية ضابطة تكفل احترام قواعد الوظيفة العامة، وتُسهم في بناء ثقافة مؤسسية مسؤولة.
وحسب الوزارة فإن اللجنة ستكثف اجتماعاتها خلال الأيام القادمة، لاستكمال الصياغة النهائية لمشروع القانون قبل نهاية الشهر الجاري، تمهيداً للانتقال إلى مرحلة الإقرار الرسمي، وإطلاق قانون حديث وشامل يُعيد تنظيم الوظيفة العامة في سوريا على أسس الكفاءة والانضباط والعدالة.

Leave a Comment
آخر الأخبار