الحرية- حسيبة صالح:
في زمن تتسارع فيه التحولات وتتشابك فيه التحديات، تبرز أسماء لا تكتفي بالمراقبة، بل تصرّ على صناعة الفرق..
فتون الصعيدي، الكاتبة والمربية السورية، واحدة من تلك الأصوات التي اختارت أن تجعل من الكلمة جسراً نحو التغيير، ومن الخيال أداة لغرس القيم، ومن التعليم رحلة لا تُنسى.
في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، وقفت الصعيدي أمام جمهور متنوع، تحمل بين يديها قصة “حجر الحضارة” التي لم تكن مجرد سرد أدبي، بل كانت مرآة تعكس رؤية تربوية عميقة.
تطوّر برنامجاً تدريبياً حول “القراءة الذكية” للمربين وأولياء الأمور بهدف بناء جيل واعٍ ومستعد للمستقبل
استلهمت فتون فكرتها من تجربة الإمارات الاستثنائية، حيث يلتقي التراث بالأفق، وتُبنى الحضارة يوماً بيوم بإرادة أفرادها.
اختارت فئة اليافعين لتكون جمهورها، لأنهم –كما تقول في تصريح لـ”الحرية”– “المحرّك الحقيقي للمستقبل”. أرادت أن تُريهم أن الأبراج الشاهقة والمشاريع الفضائية ليست أحلاماً بعيدة، بل نتائج لقيم تُزرع في كل فرد.. كل خطوة يخطوها الطفل، هي حجر يُضاف إلى صرح الوطن.
بالنسبة للصعيدي، القصة الخيالية ليست ترفاً، بل وسيلة تربوية فعالة تتجاوز التلقين وتخاطب القلب قبل العقل.
من خلال شخصياتها وعوالمها الساحرة، تنقل مفاهيم الانتماء، وحب التراث، والفضول العلمي بطريقة سلسة ومؤثرة.
تضيف: “الخيال هو المفتاح الذي يفتح أبواب العقول، ويزرع حب الوطن كرحلة ممتعة، لا كواجب ثقيل”.
القراءة الذكية
تخصصها في علم النفس والتربية الخاصة منحاها أدوات لفهم الطفل ككائن فريد.
علم النفس كان العدسة التي ترى بها دوافع الطفل ومشاعره، أما التربية الخاصة فكانت البوصلة التي وجهتها نحو التعلم الفردي.
تؤمن الصعيدي أن كل طفل هو عالم قائم بذاته، وأن التميز لا يكمن في التشابه، بل في الاحتفاء بالاختلاف.
من هنا، وُلد مشروع “القراءة الذكية”، الذي لا يعلّم الأطفال كيف يقرؤون، بل كيف يفكرون ويشعرون ويبدعون.
يعتمد المنهج على الحوار التفاعلي، والاستجابة الإبداعية، والتعليم الفردي، ليجعل من القراءة تجربة حيّة تُنمي الذكاء العاطفي والخيال النقدي.
لا ترى الصعيدي في الكتابة والرسم والبحث أنشطة منفصلة، بل أدوات متكاملة تُشكّل عالمها التربوي. البحث هو الأرض، والرسم هو التفكير البصري، والكتابة هي البناء النهائي. هذا التوازن التلقائي هو ما يمنح أعمالها عمقاً وصدقاً.
لفتون رسالة خاصة للفتيات السوريات الطموحات: “احتضني هويتك، كوني متعددة الاهتمامات، واستثمري في نفسك. أنتِ تحملين إرث حضارة عريقة، وقادرة على أن تكوني رمزاً للنجاح والإبداع”.
حجر الحضارة
تعمل الصعيدي حالياً على جزء ثانٍ من “حجر الحضارة”، يستكشف فيه البطل أبعاد التراث الرقمي ومستقبل الإمارات. كما تطوّر برنامجاً تدريبياً حول “القراءة الذكية” للمربين وأولياء الأمور، بهدف بناء جيل واع ومستعد للمستقبل
لو أُتيحت لها فرصة تقديم برنامج تربوي عالمي، ستطرح فكرة “القصّاصون العالميون”، حيث يكتب أطفال من ثقافات مختلفة، بمن فيهم ذوو الاحتياجات الخاصة، قصة مشتركة تُثبت أن الإبداع لغة عالمية لا تعرف الحدود.
تظل فتون الصعيدي مثالاً للبساطة العميقة في عالم معقد، حيث تتحول القصص إلى جسور، والخيال إلى حجر، والتعليم إلى فنٍّ يُبنى به الإنسان قبل أي شيء آخر .