الحرية – جواد ديوب:
الخيل السوري، العود السوري، السيف الدمشقي/السوري، الوردة الشامية، الياسمين الشامي.. البيت الدمشقي.. تشعرني هذه التسميات فعلاً بمعنى عبارة “مهد الحضارات” التي نستعيدها دائماً من دون أن ينتبه الكثيرون منّا إلى أن بلادنا، حقيقةً لا مجازاً، هي نبعُ حضاراتٍ متعاقبة لا يجفّ، ولن يجفّ إن بقي من يحميها بالتعب والدأب والإصرار على المتابعة رغم كل الخيبات والمرارات، بل حتى لو انطلاقاً من فكرة المنفعة الماديّة ومن نظرة براغماتية تستفيد من هذا التاريخ في صناعة مثمرة تستأهل أن يخصّص لها معارض دائمة وأسواق للبيع والتصدير.. ولذلك كانت مشاركة واحد من شيوخ كار مهنة صناعة العود السوري لفتةً مهمّةً وجديرة بأن تأخذ مكانها في معرض دمشق الدولي الحالي.
وإليكم ما حدّثنا به فراس السلكا وكيلُ «أعواد خليفة» أو ما بات يعرف عالمياً بـ«أعواد زرياب» في جناح سوق المهن اليدوية. يقول لـ “الحرية” :
«في الحقيقة، أصبح العود السوري بضاعة ننتجها ونسوّقها ونبيعها محلياً وعربياً وعالمياً لجودته وجمال زخارفه، فالجودة في بعض جوانبها تعود إلى نوعية الخشب المستخدم والطريقة العلمية التي نتّبعها، مستفيدين من تراكم المعلومات التاريخية منذ زرياب حتى اليوم، ولذلك أطلقنا اسم «زرياب» على منتجنا لنثبت موثوقيته للعالم كلّه، وبسبب النقوش التزيينية المميزة، فلدينا حِرفيون موهوبون وفنّانون وليسوا فقط فنّيين أو منفّذين».
موثوقية العود السوري
* أَلهذا السبب تشاركون في معرض دمشق الدولي الذي يقارب فكرة العرض التجاري والتسويقي لمنتجاتنا الوطنية؟!
«نعم، صحيح، لأن شغل الأعواد هو صناعة بكل المقاييس، إضافة إلى أنه واحد من أهم وأجمل الحرف السورية التي نتوارثها عبر الأجيال، كما في حالتنا هنا، فقد أورث الجدُّ الكبير الراحل علي خليفة أسرار هذه المهنة لأولاده وأحفاده، حتى وصلنا اليوم إلى ما تراه من شكل راقٍ وجودة يتحدث عنها الأجنبي قبل السوري… وقد أنجز الشاب علي خليفة/الحفيد قفزة نوعية بعيداً عن التقليدية أو الكلاسيكية التي كان يتّبعها جدّه ووالده، إذ وسّع أفق استخدام العديد من أنواع الخشب لم تكن مستخدمة من قبل أو داخلة في تركيب أجزاء العود، وأهم ما عمل عليه بشكل علميّ هو «مضمون» أو «جوهر» أو «روح» الآلة؛ أي الصوت.. لأنه أراد أن ينتج عوداً يمكن للعازف أن يستخلص منه أدقّ الاهتزازات الصوتية ليصل إلى جملة لحنيّة متميزة».
* في حديثك عن الموثوقية في المنتج السوري وكثافة إقبال الناس عليه عربياً وعالمياً، ما الذي يمكن أن نعتمد عليه في اختبار هذه الموثوقية للوصول إلى أفضل عود ممكن؟
«اسمح لي أن أقول: لا يوجد شيء اسمه أفضل عود، بل هناك أصوات أعواد متنوعة، وكلها قد تكون جميلة ومميزة، خذ مثلاً الصوت البشري، أنتَ تقول أجمل صوت هو صوت أسمهان، وأنا أقول أجمل صوت لأم كلثوم، وغيرنا قد يفضّل ربا الجمال… المسألة إذاً أصواتٌ وأذواق، وكلّنا معنا حقّ فيما نحسُّه.. وبالنسبة لغيرنا من صنّاع أقول لك بكل صراحة نعم لدينا في سورية منتجون رائعون لهم زبائنهم ومتابعوهم وأسواقهم، لكن ما يهمّني فعلاً هو المنافسة الشريفة التي تدعم المنتج السوري محليّاً وعالمياً. في كل مراحل التاريخ هناك من يأتي ويطوّر ويضيف إلى الحرفة أو الصنعة أو المنتج، وعلينا احترام نجاحه لأنه سينعكس بالعموم على اسم المنتج السوري، ولدينا تجربة قد تكون غير رائجة هي بصناعة ما سميناه “العود النحاسي”، حيث بطن العود كاملاً مرصّع بمساطر نحاسية فيما الوجه أو صدر العود من الخشب كالعادة.
لكل عود روحُه ورنينه!
ويضيف السلكا لافتاً إلى أن الجودة مرتبطة بمهارة الصانع.. وليست فقط بجودة نوع الخشب الداخل في صناعة العود مثل الجوز أو السيسم أو المشمش…الخ أي بطريقة تفاهم الحرفيّ مع كل نوع من أنواع الأخشاب وإبرازه لمميزات هذه القطعة، فلكل عود روحُه ورنينه ولمعانه… ولدينا في هذه الدورة من معرض دمشق بالإضافة إلى وجود عودين مميزين تراثيين، الأول صناعة جرجي النحّات، والثاني صناعة سنباط بيدروسيان، هناك أكبر مساحة واسعة من تشكيلات الخشب، لنصل إلى إمكانية أن نأخذ سر السعادة من الموسيقا عبر آلة العود.
ويبقى الصدى!
أنهينا حديثنا القصير مع السيد فراس بعزف مقطوعة على أحد الأعواد المعروضة التي تبهج الروح، فيما بقي النغم يرنُّ ويتماوجُ معنا بعدما خرجنا إلى باقي الأجنحة، مرسّخاً فكرة البدايات التاريخية التي كوّنتها بلادنا وأهدتها للبشرية.