سوق العمل السورية.. توازن مفقود وكفاءات مهمشة وخبرات وجدت ضالتها في الهروب..!

مدة القراءة 9 دقيقة/دقائق

الحرية- مركزان الخليل:

ما من شك للمتابع “لوضع الخبرات الوطنية، والكفاءات العلمية والمهنية” خلال مرحلة النظام السابق، يدرك حجم التهميش الكبير، وحالات الإقصاء القسري التي كانت تمارس ضدها، من قبل المتنفذين في السلطة، ومواقع القرار، واتهامها بالقصور وعدم قدرتها على مجارات ما يحدث، من تطور علمي وتقني، وغيره في كافة المجالات، ولا تملك رؤى واضحة يمكن الاستفادة منها، لذلك تجدها حبيسة جدران المكاتب دون استثمار، وعندما “تسأل” فالجواب أكثر حضوراً من البديهة: جربناهم ولم يفلحوا وبالتالي (اللي بيجرب المجرب بيكون عقلوا مخرب)..؟!
وهذه المقولة حققوا منها منافع كثيرة لصالح المتنفذين، وخسارة الوطن لخبراته وعمالته الكفوءة، والأخطر المتنفذون هم من كانوا يهللون، ويتمنون على الخبرات الأجنبية، التي تستنزف الخيرات مقابل القليل من المعلومات، مع العلم أنها متوافرة لدى خبراتنا، وخاصة أصحاب الكفاءات العالية التي كلفت خزينة الدولة مئات الملايين من الليرات، دون أن تجد طريقها الى الخدمة..!

فعاليات صناعية تطالب بتفعيل دور معاهد التدريب وربط مخرجات التعليم المهني والتقني بمواقع الإنتاج

إعادة تصويب

وهنا لا نريد تجاهل ما فعلته الجهات العامة والخاصة، للحفاظ على مهاراتنا وخبراتنا الوطنية التي بنت سواعدها، حالة اقتصادية واسعة طيلة عقود مضت، حيث لم يترك الصناعيون فرصة لقاء أو اجتماع مع الجهات المعنية، إلا وكان التذكير سيد الموقف بموضوع “التدريب والتأهيل للعمالة القائمة على اختلاف شرائحها” والتأكيد على ضرورة الاهتمام بهذا الجانب المهم، لدخول عمالة مؤهلة ومدربة إلى  سوق العمل،  لما له من أهمية في تحسين إنتاجية المعامل، وغيرها من المنشآت الصناعية، التي أكثر ما يهمها هو تأمين عمالة مدربة، وتمتلك المهارات اللازمة لتشغيلها وانطلاقاً من ذلك عمدت غرفة صناعة دمشق لعقد اتفاقيات مع جهات دولية مانحة تعنى بموضوع التدريب، وإعادة تصويب العمالة الخبيرة واستثمارها في المكان الصحيح، الذي يحقق الفائدة المرجوة..
ثمة أسئلة كثيرة تدور حول هذا الموضوع في هذه المرحلة أهمها، ما يتعلق بكيفية اتخاذ الوسائل والإجراءات التي تكفل تأمين عمالة مؤهلة ومدربة، لقيادة العمل الإنتاجي في كافة القطاعات الإنتاجية الخاصة والعامة…؟

خبير اقتصادي: الاعتماد على الموارد البشرية المحلية هو السبيل الأسرع.. والأكثر استدامة للنهوض بالاقتصاد والتعليم وتطوير الإنتاجية الوطنية..

الاستثمار في الخبرات

وبالتالي القادر على رسم الإجابات المتعلقة بهذا الجانب المهم، أهل الكار والخبرة في العمل الإنتاجي فالصناعي المهندس محمد أيمن المولوي يؤكد على جزئية هامة في هذا المجال، تتعلق بأهمية التعليم التقاني والتدريب المهني للشباب الوافد إلى سوق العمل، وخاصة من الجهات التعليمية وغيرها، وهذه جزئية في غاية الأهمية للصناعة السورية على اختلافها، وتنوع مواقع إنتاجها، وتوجيه الاستثمارات القادمة للاستثمار في هذا الجانب، لتأمين العمالة الخبيرة لرفد سوق العمل بكافة الاختصاصات المطلوبة..
وأكد المولوي على ضرورة تدريب طلاب المعاهد المتخصصة خلال فترة الدراسة لدى المعامل المختلفة، حسب الاختصاص، بحيث يكون الخريج على دراية كاملة وعملية في اختصاصه، وبالتالي يتمكن من الحصول على فرصة عمل بعد تخرجه، مبينا أن غرفة الصناعة واتحاد غرف الصناعة السورية منفتحون وحريصون على تدريب هذه الاختصاصات التي يحتاجها سوق العمل، ليس على المستوى الصناعي فحسب بل في كافة القطاعات التي تحمل هوية الانتاج الوطني من زراعة وخدمات وتجارة منتجة وغيرها..
أي لا بد من ربط مخرجات التعليم في كافة مراحله بسوق العمل، ومواقع الإنتاج من أجل صقل الكفاءات الوافدة، وزيادة خبرات الخريجين من المعاهد التعليمية التقنية والمهنية والفنية، بحيث تستطيع التأقلم مع الواقع بصورة مباشرة، وتحقيق العوائد الاقتصادية المطلوبة من عملية الربط والتي بالفائدة على قطاعي الإنتاج والتعليم، وانعكاس ذلك بصورة إيجابية على تحسين مستوى معيشة الأسرة السورية..
وبالتالي هذا الرأي يمثل غالبية أهل الصناعة والإنتاج، إن لم نقل جميعهم، وهذا المطلب ليس بالجديد، بل هناك آلاف المطالبات بهذا الاتجاه سجلتها محاضر الاجتماعات الرسمية والحكومية، لكن للأسف “لا حراك ولا تحريك، ولا آذان تصغي” واليوم علنا نجد ما فقدناه خلال السنوات السابقة..

متعددة الأبعاد

بدوره الخبير الاقتصادي جمال شعيب يشاطر أهل الصناعة في الرأي والمطلب، في ظل سوق متعطش للخبرات والكوادر المؤهلة، في ظل الظروف السابقة والحالية، والتي تفرض بدورها سؤالاً على مساحة وطن كيف يمكن تأمين هذه السوق بالخبرات المطلوبة، واستثمار التعليم التقني والمهني كأحد مصادرها، وهنا يؤكد “شعيب” في رده على أهمية ذلك،  خاصة في ظل التحديات التي تواجهها سوريا بعد سنوات من الصراع الوجودي، وبالتالي تأمين

سوق العمل بالخبرات والكوادر المؤهلة يتطلب استراتيجية متعددة الأبعاد، والتعليم التقني والمهني هو أحد أعمدتها الأساسية، والذي  يمكن استثماره بشكل فعّال من خلال تفعيل  دور التعليم التقني والمهني في سد فجوة سوق العمل، وذلك من خلال عدة إجراءات ينبغي العمل عليها منها على سبيل المثال:

– تأهيل مباشر لسوق العمل: التعليم المهني يزوّد الشباب بمهارات عملية في مجالات مثل الكهرباء، الميكانيك، البناء، وتكنولوجيا المعلومات، وهي قطاعات حيوية في مرحلة إعادة الإعمار.
– والجانب المهم أيضاً يكمن في ربط التعليم بسوق العمل: من خلال التدريب الميداني في المصانع والورش، وبذلك يحصل الطلاب على خبرة حقيقية تؤهلهم للتوظيف فور التخرج.
– والجانب الآخر الذي لا يقل أهمية عما سبق تعزيز ريادة الأعمال من خلال البرامج المهنية، لا تكتفي بتأهيل موظفين، بل تزرع ثقافة الابتكار وتدعم تأسيس مشاريع صغيرة، مما يخلق فرص عمل جديدة.
– أيضاً شمولية الفرص معيار أساسي لهذه الاستراتيجية، من خلال التعليم المهني، والذي يفتح الباب أمام الفئات المهمشة، مثل النساء والنازحين، للمشاركة في التنمية الاقتصادية.

خطوات عملية

لكن دون تجاهل اتخاذ خطوات عملية بقصد تأمين السوق بالكوادر المؤهلة، وذلك من خلال، إعادة تأهيل البنية التحتية التعليمية، حيث كثير من مراكز التدريب تضررت خلال الحرب، لذا يجب ترميمها وتجهيزها بأحدث المعدات، وتدريب المعلمين والمدربين، إذ أن نقص الكوادر التعليمية المؤهلة يتطلب برامج تدريب مكثفة للمدربين لضمان جودة التعليم.
أيضاً من خلال تحديث المناهج: يجب أن تكون المناهج مرنة ومواكبة للتطورات التقنية، مع التركيز على المهارات المطلوبة في السوق المحلي وإقامة شراكات مع القطاع الخاص، من خلال التعاون مع الشركات والمؤسسات الصناعية لتوفير فرص تدريب وتوظيف للخريجين، وإقامة حملات توعية، تشمل تغيير النظرة المجتمعية تجاه التعليم المهني ليُنظر إليه كمسار محترم ومجزي، وليس كخيار ثانوي.

ضرورة ملحة

وفي معرض رده حول هذه القضية المهمة ووجوب الاستثمار فيها في هذه الظروف فقد أكد شعيب أن سوريا في مرحلة إعادة بناء، والاعتماد على الموارد البشرية المحلية هو السبيل الأسرع والأكثر استدامة للنهوض بالاقتصاد. التعليم المهني ليس مجرد حل مؤقت، بل هو حجر أساس لبناء مجتمع منتج، ومتطور.
وبالتالي فإن المراكز التدريبية هي القلب النابض لأي استراتيجية ناجحة في التعليم المهني والتقني، خصوصاً في بلد مثل سوريا حيث الحاجة لإعادة الإعمار تتطلب كوادر مؤهلة ومهارات عملية. وخاصة أنها تلعب دوراً محورياً في تلبية احتياجات السوق، لا سيما في المناطق الصناعية: تأمين احتياجات السوق، وتوفير التدريب العملي المتخصص، كما تتيح للطلاب التعلم في بيئة تحاكي الواقع الصناعي، مما يضمن جاهزيتهم للعمل فور التخرج.
إضافة إلى ربط التعليم بسوق العمل المحلي، من خلال التعاون مع المناطق الصناعية، يمكن للمراكز تحديد المهارات المطلوبة بدقة وتكييف برامجها لتلبي هذه الاحتياجات.

العمالة غير الرسمية

والجانب الأهم أيضاً في هذه المسألة، تكمن في إعادة تأهيل العمالة غير الرسمية، حيث هناك الكثير من الشباب يعملون دون شهادات أو تدريب رسمي، المراكز التدريبية تمنحهم فرصة لتقنين مهاراتهم وزيادة فرصهم في التوظيف.
لكن أمام هذا الواقع ثمة سؤال يحمل في طياته الكثير من الأهمية حول كيفية تطوير هذه المراكز لتكون أكثر فاعلية؟
من وجهة نظر الخبير الاقتصادي” شعيب” تكمن الإجابة في عدة إجراءات يمكن استخدامها لتحقيق فاعلية أكثر من خلال تحديث المعدات والتقنيات وتزويد المراكز بأجهزة حديثة، تحاكي ما يُستخدم في المصانع، خصوصاً في مجالات مثل الأتمتة الصناعية والطاقة المتجددة.

تحفيز الخاص

إضافة لتدريب الكوادر التعليمية على اعتبار وجود المعدات لا يكفي بل يجب أن يكون هناك مدربون مؤهلون قادرون على نقل المعرفة بشكل فعّال، وإطلاق برامج تدريب مزدوج، وتحفيز الشراكات مع القطاع الخاص، بحيث    يمكن للمصانع أن تساهم في تصميم المناهج، وتوفير فرص تدريب، بل وحتى توظيف الخريجين مباشرة.
ونحن اليوم بأمس الحاجة لتنفيذ ذلك لأن بلدنا تمر بمرحلة إعادة بناء، والمناطق الصناعية بحاجة ماسة إلى عمالة مدربة، المراكز التدريبية ليست فقط مؤسسات تعليمية، بل أدوات تنموية تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد، وتقليص البطالة، وتمكين الشباب، في مواقع الإنتاج والعمل..

Leave a Comment
آخر الأخبار