اللاذقية في صيف 2025.. حركة سياحية نشطة بين ارتفاع الأسعار وتحديات التنمية الاستثمارية

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحريةـ نهلة أبوتك:

شهدت محافظة اللاذقية خلال موسم صيف 2025 حركة سياحية نشطة مع ارتفاع ملحوظ في نسب الإشغال الفندقي، خصوصاً في المنشآت القريبة من الساحل، ما يعكس تحسناً نسبياً في القطاع السياحي بعد سنوات من الركود.

ورغم هذا النشاط، لا تزال الأسعار المرتفعة نسبياً مقارنة بالدخل المحلي تشكل عائقاً أمام شريحة واسعة من المواطنين، ما يثير تساؤلات جدية حول قدرة السياحة السورية على المنافسة إقليمياً في ظل توفر عروض أكثر تنوعاً وأسعاراً أقل في الدول المجاورة.

ولاقت الشواطئ المجانية، مثل شاطئ أوغاريت الذي افتُتح مؤخراً في مدينة اللاذقية، رواجاً كبيراً هذا الصيف، حيث شهدت إقبالاً واسعاً من العائلات الباحثة عن بدائل اقتصادية للترويح عن النفس في ظل الظروف المعيشية الصعبة، هذا النجاح يعكس الحاجة الملحة إلى توفير مزيد من المساحات المجانية أو منخفضة التكلفة المجهزة بالخدمات الأساسية.

حلاق: نسعى لإتاحة خيارات تسعير متدرجة تلائم مختلف مستويات الدخل وتشجيع الاستثمارات السياحية بالشراكة مع القطاع الخاص

برز هذا الموسم توجه واضح نحو السياحة الشعبية، حيث سعت بعض المنشآت إلى تقديم عروض بأسعار مقبولة تستهدف ذوي الدخل المتوسط، ومن بينها منتجع “لابلاج” في وادي قنديل، الذي قدم أسعاراً تراوحت بين 135 و160 ألف ليرة سورية لليلة الواحدة في الأكواخ الخشبية، وارتفعت إلى 350 ألف للغرف، وأكثر من 600 ألف للشاليهات، ورغم أن موقع “لابلاج” يعتبر جيداً وجاذباً للسياح، إلا أن قلة الخدمات الأساسية وصعوبة وسائل النقل والمواصلات قلصت من استفادة شريحة أوسع من الزوار، ما يعكس حاجة ملحة لتحسين الخدمات وتسهيل الوصول إليه لدعم توسع هذا النوع من السياحة الشعبية التي تلقى رواجاً.

في المقابل، حافظت الفنادق والمنتجعات المصنفة، خاصة تلك التي تصنف بأربع وخمس نجوم، على أسعار تتجاوز قدرة المواطن السوري، حيث وصلت تكاليف الإقامة في بعض المنشآت إلى مستويات غير مبررة اقتصادياُ، خاصة في ظل غياب معايير جودة وخدمة توازي التكلفة المفروضة، ويبرز هذا التفاوت غياب سياسة تسعير متدرجة تستوعب كافة الشرائح الاجتماعية، إلى جانب نقص حاد في الخيارات الاقتصادية التي توفر إقامة مناسبة من حيث التكلفة والخدمات.

ويرى أصحاب مكاتب سياحية أن السياحة في سوريا تعاني من ضعف تنوع العرض والقدرة الترويجية مقارنة بأسواق قريبة مثل تركيا ولبنان، حيث تتوفر باقات متعددة تبدأ من الإقامة الاقتصادية وتنتهي بالمنتجعات الفاخرة، ما يتيح للسائح خيارات أوسع تناسب دخله وإمكاناته، ورغم أن المقومات الطبيعية والتاريخية والثقافية في سوريا لا تقل أهمية، إلا أن غياب الخدمات المتكاملة وضعف البنية التحتية وتواضع التسويق الخارجي عوامل ما تزال تحد من إمكانيات المنافسة في السوق الإقليمية.

وأكد عبد الله حلاق، رئيس دائرة الإعلام والعلاقات العامة في وزارة السياحة، أن الوزارة تعمل على تطوير البنية التحتية السياحية، وإتاحة خيارات تسعير متدرجة تلائم مختلف مستويات الدخل، إلى جانب تشجيع الاستثمارات السياحية الجديدة بالشراكة مع القطاع الخاص، ورفع مستوى الترويج الخارجي للوجهات السورية، ورغم أهمية هذه الخطط، إلا أن وتيرة التنفيذ ما تزال بطيئة والنتائج على أرض الواقع غير كافية لتلبية طموحات القطاع السياحي داخلياً وخارجياً.

اسمندر: لا يمكن النهوض بالسياحة من دون ربطها بالواقع الاقتصادي للمواطن

بدوره، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور إيهاب اسمندر أن السياحة يمكن أن تشكل رافعة اقتصادية حقيقية إذا ما تم الاستثمار فيها ضمن استراتيجية وطنية شاملة توازن بين دعم المشاريع الكبرى وتوسيع نطاق المبادرات الشعبية منخفضة التكلفة.

ويشدد على أن السياحة ليست مجرد قطاع خدمي، بل يمكن أن تخلق فرص عمل وتدعم قطاعات النقل والخدمات والصناعات المحلية، إذا ما جرى التخطيط لها برؤية اقتصادية متكاملة تراعي الواقع المحلي وتستهدف دخول السوق الإقليمية من باب التنافسية.

رغم النشاط الملحوظ هذا العام، لا تزال السياحة في اللاذقية تواجه تحديات بنيوية تتعلق بضعف البنية التحتية، وغياب العدالة في التسعير، ومحدودية الخيارات أمام المواطن السوري، بينما يبقى الأمل قائماً في تطوير القطاع مستفيداً من مقوماته الطبيعية والثقافية الفريدة، إذا ما توفرت الإرادة الحقيقية والدعم المؤسسي الفعّال.

لا يمكن النهوض بالسياحة دون ربطها بالواقع الاقتصادي للمواطن، والانتقال من العمل الموسمي إلى رؤية استراتيجية مستدامة تستهدف الداخل والخارج على حد سواء.

Leave a Comment
آخر الأخبار