نخيل سوريا.. كنز أخضر يجمع بين التاريخ والأمن الغذائي.. خبير: 147 ألف نخلة 50 ألفاً منها مثمرة والإنتاج لا يغطي حاجة السوق المحلية 

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – منال الشرع: 

في قلب الصحراء السورية وعلى ضفاف نهر الفرات، تقف بساتين النخيل شامخة، كشاهد حي على تاريخ طويل من العطاء، ومبشرة بمستقبل واعد ينتظر تضافر الجهود، فزراعة النخيل في سوريا ليست مجرد نشاط زراعي عابر، بل هي جزء من هوية عريقة تعود لآلاف السنين، حيث تشير الشواهد التاريخية إلى أن نخيل التمر كان يزرع على نطاق واسع في أراضي ماري الخصبة قبل الميلاد بأكثر من ألفي عام، كما كان له أهمية كبرى لدى الحضارات القديمة كالتدمرية والآشورية والفينيقية.

توزيع جغرافي يواكب الطبيعة

وفي هذا الصدد يبين الدكتور خلدون طيبة خبير نخيل في وزارة الزراعة في تصريح خاص لـ «الحرية» أن زراعة النخيل في سوريا تتركز بالمناطق الشرقية والبادية، لاسيما في تدمر، البوكمال، ودير الزور، حيث توفر الظروف المناخية المثالية من حرارة وجفاف وتربة رملية بيئة مثالية لنمو النخيل، وقد بدأ الاهتمام الحديث بهذه الزراعة في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، حيث تم تحديد “الحزام البيئي لنخيل التمر” الذي يشكل حوالي 30% من مساحة البلاد، ويشمل معظم أراضي البادية السورية، وقد قسمت المناطق الملائمة إلى خمس أفضليات رئيسية، امتداداً من ضفاف الفرات بين البوكمال ودير الزور، وصولاً إلى تدمر والحدود الأردنية، وحتى مناطق أخرى شرق دمشق.

وحسب طيبة ولتعزيز هذه الزراعة، أُنشئت مراكز متخصصة لإكثار النخيل في البوكمال وتدمر، والتي استقدمت أصنافاً وسلالات من نخيل الأنسجة من دول عربية رائدة مثل السعودية، الإمارات، إيران، ليبيا، ومصر، وقد وصل عدد هذه المراكز إلى تسعة بحلول عام 2007، ما ساهم بشكل كبير في زيادة المساحات المزروعة بالنخيل ضمن الحزام البيئي.

واقع الإنتاج والتحديات الراهنة

ويضيف طيبة: وفقاً لإحصائيات وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي لعام 2023، تبلغ المساحة المزروعة بالنخيل حوالي 408 هكتارات، تضم ما يقارب 147 ألف نخلة، منها حوالي 50 ألفاً مثمرة تنتج نحو 3400 طن من التمور ومع ذلك، لا يزال هذا الإنتاج لا يغطي حاجة السوق المحلية ويستهلك بشكل أساسي في مناطق الإنتاج.

وتتركز زراعة النخيل بشكل أساسي في: تدمر حيث بلغت المساحة المزروعة عام 2020 حوالي 154 هكتاراً، وتضم 80 ألف شجرة، تنتج 2000 طن سنوياً.

وبمحافظة دير الزور وخاصة المناطق المجاورة للفرات مثل الميادين والبوكمال، حيث بلغ عدد أشجار النخيل 57 ألف شجرة عام 2020، وتنتج حوالي 1129 طناً من التمور.

وعلى الرغم من توفر الظروف البيئية الملائمة، وتفوق بعض الأصناف المزروعة في سوريا على جودتها في بلدانها الأصلية.

ووفقاً لطيبة فإن قطاع النخيل يواجه تحديات كبيرة، أبرزها، نقص البيانات والتي تتجلى بعدم وجود قاعدة بيانات موثوقة لواقع القطاع، وقلة العمالة المؤهلة والمدربة على خدمات النخيل، والإنتاجية المنخفضة حيث لا تتجاوز إنتاجية النخلة الواحدة 50 كيلوغراماً سنوياً بسبب نقص الرعاية، كما تعرضت واحات النخيل في تدمر ودير الزور والبوكمال لتدمير ممنهج من النظام البائد، ما أدى إلى خروج العديد من المراكز والآبار عن الخدمة وتوقف الإنتاج.

جهود حثيثة للنهوض بالقطاع

واستجابةً لهذه التحديات، تبذل الجهات المعنية جهوداً كبيرة لإعادة إحياء القطاع وتطويره، ومن أبرز هذه الجهود: دور الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية، إذ نفذت الهيئة العديد من الأبحاث لتقييم الأصناف المحلية والمستوردة، وإنشاء مجمعات وراثية، كما قامت باستقدام فسائل نخيل نسيجية من سلطنة عمان الشقيقة بهدف إثراء التنوع الصنفي.

وفيما يخص الحلول الإسعافية بعد التحرير، أوضح خبير النخيل طيبة أن وزارة الزراعة اتخذت خطوات فورية لإعادة تأهيل مراكز إكثار النخيل في دير الزور، وتشكيل لجان متخصصة، وإعداد مشاريع لإعادة تأهيل واحة تدمر وإنشاء واحات جديدة في مناطق أخرى، إضافة إلى تأهيل مختبر زراعة الأنسجة.

رؤية مستقبلية نحو الاكتفاء الذاتي

ولفت طيبة إلى أن الأهداف المرجوة من تطوير زراعة النخيل تتركز على بناء قاعدة بيانات شاملة للقطاع، ووضع استراتيجية وطنية لتنميته حتى عام 2036، والتوسع في المساحات المزروعة وفق خرائط بيئية دقيقة، كما تسعى الجهود إلى تأهيل المناطق القديمة، واستبدال الأشجار البذرية بأصناف عالية الجودة، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار، مع التركيز على استخدام تقنيات الري الحديثة وزراعة الأنسجة لزيادة الإنتاج.

إن زراعة النخيل في سوريا ليست مجرد نشاط زراعي، بل هي مشروع استراتيجي يجمع بين التاريخ والاقتصاد والأمن الغذائي. ومع استمرار الدعم والتطوير، يمكن لهذا الكنز الأخضر أن يتحول إلى رافعة حقيقية للتنمية في البلاد، ويضمن لسوريا مكانتها كمنتج للتمور عالية الجودة.

Leave a Comment
آخر الأخبار