يخفض الإنتاجية والخصوبة.. الإجهاد الحراري خسارة صامتة تهدد ثروتنا الحيوانيّة وأمننا الغذائي

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية- حسيبة صالح:
بينما نختبئ من حر الصيف تحت المكيفات، تقف مئات الآلاف من رؤوس الماشية في حظائرها تواجه القاتل الأكبر لإنتاجيتها: الإجهاد الحراري. هذه الظاهرة التي تتفاقم مع التغير المناخي، لا تُرى بالعين المجردة، لكنها تُحدث خللًا عميقًا في التوازن الإنتاجي والصحي للقطعان، وتُهدد أحد أعمدة الأمن الغذائي في سوريا والمنطقة.
المهندس الزراعي غسان شماس يسلط في حديث لـ”الحرية” الضوء على أبعاد هذه الأزمة، ويقدّم رؤية علمية وعملية لمواجهتها.

شماس: الإجهاد الحراري يؤدي إلى انخفاض إنتاج الحليب بنسبة قد تصل إلى 30% وانخفاض إنتاج اللحم بنسبة قد تبلغ 15% كما يؤثر على الخصوبة

ما هو الإجهاد الحراري؟

أشار شماس إلى أن الإجهاد الحراري هو الحالة التي يتعرض فيها الحيوان لدرجات حرارة ورطوبة تفوق قدرته الطبيعية على التكيف، ما يؤدي إلى اضطراب في وظائفه الفيزيولوجية وتراجع في إنتاجيته وصحته.
وأضاف أن الخطورة لا تكمن فقط في الحرارة، بل في عجز الجسم عن تبريد نفسه، خاصة مع ارتفاع الرطوبة التي تعطل آلية التبريد التبخيري عبر اللهاث.

المجترات أكثر من غيرها

شماس أوضح أن المجترات كالأبقار والأغنام والماعز تُنتج حرارة داخلية كبيرة أثناء عملية الهضم، بينما قدرتها على التعرق محدودة، ما يجعلها تعتمد على اللهاث كوسيلة تبريد، وهي أقل فعالية في الطقس الحار مقارنةً بغيرها من الثدييات.
وبيّن شماس أن بعض السلالات المحلية مثل الأبقار الشامية والعكشي والجولاني، وأغنام العواس والماعز الشامي، أظهرت قدرة أعلى على مقاومة الحرارة. وفي المقابل، فإن السلالات المستوردة كالفريزيان، رغم إنتاجيتها العالية، تكون أكثر عرضة لانخفاض الأداء في ظل موجات الحر.

علامات الإجهاد الحراري

وحول العلامات التي تظهر على الحيوان، أشار شماس إلى أن أبرزها تشمل اللهاث الشديد، زيادة معدل التنفس، انخفاض استهلاك العلف، تراجع إنتاج الحليب، وزيادة الوقوف وتجنب الاستلقاء.
وأكد شماس أن الإجهاد الحراري يؤدي إلى انخفاض إنتاج الحليب بنسبة قد تصل إلى 30%، وانخفاض إنتاج اللحم بنسبة قد تبلغ 15%. كما يؤثر على الخصوبة، حيث تنخفض معدلات الحمل نتيجة تأثر جودة البويضات والحيوانات المنوية.

تهديد صحي حقيقي

من جهة أخرى، نوّه شماس بأن الإجهاد الحراري يُضعف المناعة، ويزيد من احتمالية الإصابة بالأمراض التنفسية والهضمية، وقد يؤدي في الحالات الشديدة إلى نفوق العجول، خاصة في ظل غياب الإجراءات الوقائية.
وفيما يتعلق بالإجراءات التي يمكن أن يتخذها المزارع، شدد شماس على أهمية توفير الظل والتهوية الجيدة، تأمين مياه شرب نظيفة وباردة، رش أرضية الحظيرة بالماء، تعديل مواعيد التغذية لتكون في ساعات أكثر برودة، تقليل كثافة الحيوانات في الحظيرة، واستخدام مظلات عاكسة لأشعة الشمس.

تقنيات حديثة

وأضاف شماس أن التهوية والظل ضروريان، لكن التقنيات الحديثة مثل المراوح، أنظمة التبريد التبخيري، والأرضيات المبرّدة أثبتت فعاليتها في تحسين الأداء الإنتاجي، خاصة في المزارع ذات الكثافة العالية.
وأشار شماس إلى أن التغذية المتوازنة الغنية بالطاقة السريعة الهضم، وتوفير مياه نظيفة وباردة، يشكلان خط الدفاع الأول ضد الإجهاد الحراري. كما أوصى بتقليل الأعلاف الغنية بالألياف، وتعويض الأملاح والفيتامينات التي يفقدها الحيوان أثناء اللهاث.

واقع المزارع السورية

وعن واقع المزارع السورية، أوضح شماس أن ضعف الإمكانيات التقنية والمالية يجعل مواجهة الإجهاد الحراري تحديًا حقيقيًا، حيث يعتمد الكثير من المربين على وسائل تقليدية. لذلك، يرى أن الحل يكمن في “ابتكارات ذكية” منخفضة التكلفة، مثل استخدام القش المبلل على الأسقف أو زراعة الأشجار حول الحظائر لتوفير ظل طبيعي.

دعم وتوعية

وفيما يخص الدعم المؤسسي، أشار شماس إلى أن مستوى التوعية لا يزال محدودًا، رغم وجود بعض المبادرات. وأكد على ضرورة تكثيف الندوات التوعوية، وتوفير قروض ميسرة لشراء معدات التبريد.

أبرز التحديات

ولدى سؤاله عن أبرز التحديات، أجاب شماس بأن أهمها يتمثل في ندرة المياه، ضعف الكهرباء، ارتفاع تكاليف الأعلاف، ارتفاع تكاليف أنظمة التبريد، إضافة إلى نقص الخبرة الفنية لدى بعض المربين في تطبيق إجراءات الوقاية بشكل صحيح.

تهديد للأمن الغذائي

وحذّر شماس من أن الإجهاد الحراري يُعد تهديدًا استراتيجيًا للأمن الغذائي، إذ يؤدي إلى تراجع إنتاج الحليب واللحم، ويزيد من الاعتماد على الاستيراد، ما يُضعف الاستقلال الغذائي الوطني ويهدد استدامة الثروة الحيوانية.

البحث العلمي كمنقذ

وفي هذا السياق، شدد شماس على أهمية البحث العلمي في تقديم حلول مستدامة، مثل تحسين إنتاجية السلالات المحلية المتأقلمة مع المناخ، واستخدام تقنيات استشعار لمراقبة الإجهاد الحراري.

مستقبل الثروة الحيوانية

واختتم شماس حديثه بالتأكيد على أن مستقبل الثروة الحيوانية في ظل التغير المناخي يتوقف على مدى جدية الإجراءات المتخذة. فإذا تم الاستثمار في التكنولوجيا والبحث العلمي، يمكن تحويل التحدي إلى فرصة لبناء قطاع أكثر مرونة واستدامة.

الخاتمة

مواجهة الإجهاد الحراري ليست رفاهية يمكن تأجيلها، بل هي استثمار ضروري في الثروة الحيوانية وضمانة لاستمرار تدفق الحليب واللحم إلى موائدنا. التحدي كبير، لكن الحلول موجودة، تبدأ بخطوات بسيطة ووعي من المربي، وتمر بدعم بحثي وتقني، وتتوج بدعم مؤسسي حقيقي.

Leave a Comment
آخر الأخبار