شويغو في العراق.. سوريا وإيران حاضرتان.. على ماذا تراهن روسيا؟

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – د. رحيم هادي الشمخي:
لا تعد زيارة سكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو إلى العراق، زيارة مفاجئة، بل هي في وقتها المناسب إذا ما أخذنا بالاعتبار تطورات الأحداث في العراق وجواره، خصوصاً سوريا، إلى جانب التوازنات التي يُعاد رسمها في المنطقة وفق قواعد نفوذ جديدة، ولذلك يتم وصف زيارة شويغو للعراق بأنها خطوة مفصلية قد تعيد رسم التحالفات الاستراتيجية للعراق في المرحلة المقبلة، ونقصد هنا مرحلة ما بعد أمريكا، إذا جاز لنا التعبير، مع اقتراب انسحاب القوات الأمريكية والتحالف الدولي من العراق.
رغم إن الزيارة ليست مفاجئة، إلا أنها لافتة، ولا بد من تتبعها وما سيخرج عنها بصورته النهائية، وقد تكون مشاركة العراق في القمة الروسية العربية الأولى التي ستعقد في موسكو منتصف تشرين الأول المقبل.. قد تكون فارقة في نتائجها خصوصاً وأنها ستتضمن قمة بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. والتحضيرات لهذه القمة هي جزء من زيارة شويغو للعراق الذي التقى السوداني، والرئيس عبد اللطيف رشيد، ومسؤولين كبار سياسيين وعسكريين وأمنيين.
من البدهي القول إن سوريا وإيران كانتا حاضرتين ضمن مباحثات شويغو مع المسؤولين العراقيين. الجغرافيا هنا تفرض نفسها، ولا بد من أن يكون شركاء الجغرافيا حاضرين، وإن كان الملف السوري يبدو متصدراً إلا أن ملف إيران لا يقل حضوراً. ووفق المعلن فإن مباحثات شويغو مع مستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي، شملت ثلاثة ملفات رئيسية: تعزيز التنسيق الأمني والاستخباراتي بين العراق وروسيا في سوريا، تفعيل خلية التعاون الاستخباراتي الثلاثية العراقية الروسية الإيرانية، والتي توقفت بعد سقوط النظام السابق..أما الملف الثالث فيتعلق بالتسليح، حيث يريد العراق إبرام صفقات سلاح مع روسيا.
هذا البند الثالث يأتي في ظل معلومات عن تجميد مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى القوات العراقية، بسبب فتور العلاقات السياسية على خلفية ملف الفصائل العراقية (الحشد الشعبي) المدعومة من إيران، والمناقشات التي توقفت حول حل هذه الفصائل. ومن بين مبيعات السلاح ما يتعلق بتجهيزات مقاتلات إف 16 وطلبات عراقية بشراء منظومات دفاع جوي حديثة أمريكية تم رفضها.
وكان شويغو واضحاً في إعلان استعداد بلاده للتعاون في كل المجالات ومن بينها إرسال الأسلحة الحديثة والمعدات العسكرية إلى العراق.
وكانت المباحثات التي جمعت السوداني وشويغو ركزت على أهمية التنسيق والتعاون في ظل ما تشهده المنطقة من أحداث وتطورات، والتأكيد على ضرورة مساهمة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي لتثبيت الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وإنهاء الحرب الظالمة على غزة.
إلى جانب ذلك حجزت القمة الروسية العربية المقبلة مساحة في المباحثات حيث نقل شويغو تحيات بوتين للسوداني وتأكيده حرص روسيا وسعيها لتعزيز العلاقات في مختلف المجالات.
بالنسبة لروسيا فإن أحداث المنطقة في طورها الجديد تعيد توفير الفرصة نفسها لتعزيز موقعها في المنطقة (شرق المتوسط) وهنا يعد العراق مهماً جداً، ليس فقط على مستوى التواجد والنفوذ بل على مستوى الطاقة والتجارة… والأهم على مستوى سوريا وإعادة ترتيب الخريطة الإقليمية بما يناسب موسكو. هنا لا تتساوى سوريا وإيران. علاقات روسيا مع إيران قائمة وقوية ولا تحتاج سياقات إقليمية لتبقى كذلك، حيث إن الكثير من المصالح (والطموحات) تجمعهما، وهي تفرض نفسها على قائمة القوى الكبرى.. أمريكا بشكل خاص.
أما سوريا فإن موسكو ما زالت على سياسة الاحتواء والتعاطي الحذر، أو المترقب بعبارة أدق، رغم إن دمشق تبدي انفتاحاً معلناً على موسكو، وهو وإن كان انفتاحاً محسوباً وغير مؤطر باتفاقيات حتى الآن، إلا أنه يكفي روسيا في هذه المرحلة. وعندما يأتي شويغو إلى العراق حاملاً في حقيبته الملفين السوري والإيراني فهذا يعني – حسب المراقبين – أن المرحلة المقبلة قد تشهد ما هو أكبر من اللقاءات، والانفتاح الذي لم يدخل الحيز العملي بعد.
لا شك في أن روسيا تعول على العراق في هذه المرحلة، ولا شك في أن هذا التعويل هو فرصة للعراق لا بد من أن يستثمرها. لكن السؤال: هل إن أمريكا ستنسحب كلياً من المشهد العراقي، وماذا عن تواجدها في شمال شرق سوريا؟.. وتالياً هل يمكننا الحديث أو استشراف حدود الدور الروسي في العراق وجواره من دون أن نشهد انسحاب آخر جندي أمريكي من العراق وسوريا؟
أسئلة كثيرة تدور حول زيارة شويغو للعراق، لناحية التوقيت والأهداف وحدود المهمة التي جاء بها.. ولأن الأجوبة تحتاج وقتاً، ما علينا سوى متابعة ما بعد زيارة شويغو وصولاً إلى القمة الروسية العربية التي يشارك بها العراق، وخلالها فإن لكل حادث حديثاً.
أكاديمي وكاتب عراقي

Leave a Comment
آخر الأخبار