«الغارديان»: الإبادة الجماعية في غزة.. لماذا يصمت الغرب رغم أدلة الأمم المتحدة

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

ترجمة وتحرير: لمى سليمان:

رغم صدور تقرير رسمي عن لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة يؤكد أن ما تقوم به «إسرائيل» في قطاع غزة يرتقي إلى مستوى الإبادة الجماعية، لا تزال الدول الغربية تتجنب الإدانة المباشرة أو اتخاذ خطوات قانونية حاسمة. هذا الصمت المريب يثير تساؤلات عميقة حول مدى تأثير تهمة “معاداة السامية” في كبح المواقف الأخلاقية، حتى في وجه جرائم موثقة دولياً.

في مقاله المنشور بصحيفة «الغارديان» البريطانية، يكتب ستيف غروشو أن تقرير لجنة التحقيق الأممية يجعل من شبه المستحيل على «إسرائيل» وحلفائها الاستمرار في الترويج للرواية القائلة بأن انتقادها هو جزء من مؤامرة معادية للسامية. فالتقرير، الذي خلص إلى أن «إسرائيل» ارتكبت إبادة جماعية خلال حربها على غزة، وأشار إلى مسؤولية مباشرة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وقادة إسرائيليين آخرين في التحريض على تلك الإبادة، لا يغير الكثير من الناحية القانونية، إذ لم تصدر محكمة العدل الدولية في لاهاي حكمها النهائي بعد في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا العام الماضي.

سياسياً، يُعد التقرير – المعروف داخل الأمم المتحدة باسم «ورقة غرفة الاجتماعات» – أحد المسامير الأخيرة في نعش الرواية الإسرائيلية التي تصف أي انتقاد لسياساتها بأنه “افتراء دموي” أو جزء من حملة معادية للسامية، ومع ذلك، لا تزال هذه الرواية تلقى قبولاً ضمنياً في بعض العواصم الغربية، حيث تتجنب الحكومات اتخاذ مواقف واضحة، وتكتفي بالانتظار لما تسميه “حكم محكمة مختصة”، في إشارة إلى محكمة العدل الدولية.

ويتابع غروشو أن نتائج لجنة التحقيق تتماشى مع تقارير موثوقة صدرت عن منظمات دولية مثل «هيومن رايتس ووتش»، «منظمة العفو الدولية»، والجماعتين الإسرائيليتين «بتسيلم» و«أطباء من أجل حقوق الإنسان»، والتي خلصت جميعها إلى أن «إسرائيل» تمارس سياسات ممنهجة ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، خاصة في العامين اللذين أعقبا أحداث 7 أكتوبر 2023. كما توصل خبراء الأمم المتحدة وعلماء متخصصون في الإبادة الجماعية إلى نفس النتيجة، مما يعزز مصداقية التقرير الأممي.

رئيسة اللجنة، نافي بيلاي، وهي قاضية دولية بارزة شغلت سابقاً منصب رئيس المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، ومفوضة سامية لحقوق الإنسان، تتمتع بمصداقية عالية تجعل من الصعب التشكيك في حيادها أو اتهامها بالتحيز. ومع ذلك، لم تتردد «إسرائيل» في مهاجمة التقرير، حيث وصفه سفيرها لدى الأمم المتحدة في جنيف بأنه “خطاب تشهيري”، واتهم بيلاي بأنها “وكيلة لحماس”، في محاولة لتقويض مصداقية اللجنة.

ويقول غروشو في بريطانيا، أعلنت حكومة كير ستارمر أنها لا تستطيع الحديث عن الإبادة الجماعية قبل صدور حكم نهائي من محكمة العدل الدولية، لكن غروشو يرى أن هذا الموقف غير قابل للاستمرار، خاصة وأن ستارمر نفسه محامٍ سابق في مجال حقوق الإنسان، ويعلم جيداً أن “منع الإبادة الجماعية” هو التزام قانوني بموجب اتفاقية عام 1948، لا يتطلب انتظار حكم قضائي. رئيس الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية، من بين العديد من الخبراء، أشار إلى أن الدول الغربية فشلت بالفعل في الوفاء بهذا الالتزام.

ويضيف غروشو أن استنتاجات اللجنة تكشف عن فشل أخلاقي صارخ لدى الدول التي افتخرت بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية في روما عام 1998، لكنها اليوم تسعى إلى تقويض سلطتها. فالمحكمة الجنائية الدولية تحقق مع الأفراد وتحاكمهم، بينما تتولى محكمة العدل الدولية مسؤولية الدول، بما في ذلك قضايا الإبادة الجماعية. ومع ذلك، صرّح المستشار الألماني فريدريش ميرز بأن احتجاز نتنياهو سيكون “عبثياً”، رغم صدور مذكرة توقيف بحقه بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وافق عليها القضاة بالإجماع. أما فرنسا، فقد أعلنت أنه من غير المناسب اعتقال نتنياهو إذا زار باريس، رغم ترحيبها سابقاً بمذكرة التوقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ويؤكد غروشو أن وجود “أسباب معقولة” للاعتقاد بأن نتنياهو وحكومته يرتكبون إبادة جماعية يجعل استمرار رفض الحكومات التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، ورفضها تنفيذ مذكرات التوقيف، أمراً غير منطقي وخطير. فهذه الجرائم – التي تشمل الفصل العنصري، الإبادة، والنقل القسري للسكان – لا تقل خطورة عن الإبادة الجماعية، بل تختلف عنها فقط في عنصر “النية الخاصة” الذي يُميز الأخيرة.

ويكشف المقال عن ضغوط هائلة تُمارس على المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك تهديدات بالقتل دفعت مدعياً عسكرياً بريطانياً سابقاً إلى الاستقالة من منصبه كمحامٍ رئيسي في المحكمة، قائلاً إن تلك الأشهر كانت “أسوأ فترة في حياته”. كما كشفت تحقيقات صحفية أجرتها مجلة +972 وصحيفة الغارديان عن محاولات إسرائيلية غير مسبوقة لتخريب عمل المحكمة، بما في ذلك التنصت المزعوم على المكالمات الهاتفية ومحاولات الابتزاز.

Leave a Comment
آخر الأخبار