حين يزهر العطاء.. مبادرات شعبية تعيد الأمل بالنهوض

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – باسمة اسماعيل:

بدأت تنطلق مبادرات شعبية تطوعية تهدف لإعادة الحياة إلى القرى التي أنهكتها الظروف، في ظل تراجع الخدمات الأساسية في العديد من المناطق الريفية، بعد سنوات من التهميش والحصار والجوع، مبادرات يقودها مواطنون عاديون، أفراد وجماعات، وحتى جمعيات ومنظمات، هدفها الأساسي هو جمع التبرعات – كل حسب استطاعته – لتأمين ما يمكن من حاجات الريف الأساسية، مياه، كهرباء، تعليم، وصحة.

بعض هذه الحملات لا تعتمد على دعم المؤسسات الكبرى، بل على الوعي المجتمعي، وعلى قناعة أن لكل فرد دوراً، ولو كان بسيطاً.

الريف الضحية الصامتة..

لطالما كان الريف شريان الوطن، يغذي المدن بخيرات الأرض، لكنه ظل في المقابل يعاني بصمت، فبنيته التحتية متهالكة، والمدارس بلا تجهيزات، والمراكز الصحية شبه معدومة، والآن، بعد أن فتحت نوافذ الأمل من خلال حملات الدعم، بدأت بعض التغييرات تظهر، وإن كانت خجولة.

في حديثه لـصحيفتنا “الحرية” بيّن الخبير في التنمية المجتمعية، إبراهيم محرز أن الريف ليس فقط مكاناً جغرافياً، بل هو أساس التوازن الاجتماعي والاقتصادي، إهماله يؤدي إلى نزوح جماعي، وانهيار في منظومة الإنتاج المحلي، دعم الريف واجب على الجميع، من باب المسؤولية الأخلاقية والوطنية.

الاقتصاد يبدأ من القرية..

يرى اقتصاديون أن دعم الريف ليس فقط عملاً خيرياً، بل هو خطوة استراتيجية ذكية، فإحياء القرى يعني دعم الإنتاج الزراعي، وتوفير فرص عمل، وتخفيف الضغط عن المدن.

وذكر الكثير من المختصين في الشأن الاقتصادي عبر مناقشاتهم العلمية ودراساتهم، أن كل مشروع صغير في الريف – كترميم مدرسة، أو إصلاح بئر ماء – يعادل مشروعاً تنموياً كبيراً في نتائجه، فكل خدمة يتم تأمينها، تمنح السكان فرصة للبقاء في قراهم والعمل فيها بدل الهجرة للمدن التي لم تعد تتحمل المزيد.

مبادرات بالأمل لا بالمال فقط..

في حملة محلية أطلقها شباب من بلدة بيت ياشوط، تم جمع تبرعات صغيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتعاون مع جمعية البر في البلدة، المفاجأة لم تكن في حجم الأموال، بل في عدد المشاركين، عشرات المتبرعين ساهموا بمبالغ رمزية، بعضها لم يتجاوز 1000 ليرة، لكنها اجتمعت لتعيد تأهيل شبكة مياه في قرية تعاني العطش منذ سنوات.

تقول إحدى الناشطات في هذه المبادرة: لم نحدد ولم نطلب من الناس مبالغ ضخمة، بل كل حسب استطاعته، كان الوعي بالانتماء كبيراً جداً، الريف اليوم بحاجة لجهد كل واحد فينا، سواء بالمال، بالجهد العضلي، بالمساندة المعنوية، فإذا قدم كل شخص جزءاً بسيطاً من فائضه، أو استغنى عن جزء بسيط من احتياجه، سنرى فرقاً حقيقياً، وهذه المبادرة ستتبعها مبادرات أخرى قام فيها رئيس بلدية بيت ياشوط السابق المرحوم علي عباس، منها تنظيف شوارع البلدة لجعلها أنظف بلدة، ومشروع الاستفادة من فضلات الطعام بطمرها بحفرة بأرض كل منزل لتكون بديلاً عن السماد العضوي..الخ، وأيضاً مع اقتراب افتتاح المدارس ولكي يكون التلوث البصري معدوماً أو بحده الأدنى، قام عدد من أعضاء المجتمع الأهلي في بلدة بيت ياشوط برفقة الفنان ممدوح محمد بتزيين جدران روضة الأمل النموذجية في بيت ياشوط استعداداً لبدء العام الدراسي.

الناس للناس وهذه البداية فقط..

“مَن لا خير له في أهله، لا خير فيه لأحد”، بهذه العبارة يبدأ كلمته لصحيفتنا “الحرية” أبو علي، أحد وجهاء بلدة بيت ياشوط، التي استفادت من حملة تبرع، كنا نظن أننا منسيون تماماً، لكن تبرعات مالية بسيطة من قلوب صافية أعادت إلى بعض العوائل الحياة، كترميم منزل لإحدى العوائل المهجرة، وتأمين أثاث منزل لعائلة أخرى، وعينات مالية لأسر متعففة، ما أسعدني وأسعد مَن وصلهم التبرع لم يكن المال فقط، بل شعورهم بأنهم ليسوا وحيدين.

دعوة مجتمعية لنجعل الريف أولوية..

وأشار إلى أن هذه المبادرات يجب ألا تكون مؤقتة أو موسمية، إنها نواة لتغيير حقيقي، إذا وجدت الدعم والاستمرارية، فكل تبرع، وكل مشاركة، وكل اهتمام – مهما كان بسيطاً – هو خطوة نحو عدالة اجتماعية افتقدناها طويلاً.

الريف ليس عبئاً بل فرصة تنتظر مَن يراها

ولفت الخبير التنموي محرز إلى أن القرى ليست مجرد جغرافيا بعيدة عن المدن أو العاصمة، بل هي الذاكرة، والجذور، والمستقبل، والمجتمعات التي تعي قيمة الريف، هي وحدها التي تبني أوطاناً متوازنة لا تترك أحداً خلفها.

Leave a Comment
آخر الأخبار