الحرية- باديه الونوس:
شعوران تشعر بهما لدى الحديث عن الشباب المهاجر، الشعور الأول: الغصة والحزن لما انتهت إليه ظروف الآلاف من شبابنا واتجه للبحث عن مستقبله في أي مكان في الغربة بعيداً عن بلده الأم، والثاني شعور الفخر عندما تسمع عن السوري الذي يمتلك الشهادات أو المهارات والذي أثبت كفاءته في شتى أنحاء البسيطة، حتى على مستوى مهنة متواضعة، بدليل أن كل دول العالم تستقطب شبابنا من خلال تقديم كل المزايا والإغراءات لاكتساب خبراتهم توظيفهم في بناء تلك البلدان.
صقيع الغربة
في صقيع الغربة الجميع خاسر، الشاب المهاجر، والأهل، والبلد الأم، الوحيد الرابح بلاد الاغتراب، في دردشة قصيرة مع أحمد الشاب المهاجر منذ سنوات في ألمانيا يحمل شهادة الاقتصاد ويعمل حالياً في بنك خاص، تحدث لنا عن غصة وحزن مزمن لبلاده ولأهله ولكل التفاصيل ..لكن في مقابل كل ذلك الاشتياق والحنين لا يستطيع اتخاذ القرار والعودة للوطن …قائلاً: هنا توجد مزايا عديدة تجعلك تدوس على قلبك مقابل تأمين مستقبلك وأبنائك بأمان وسلام ورعاية صحية ودخل محترم ناهيك عن مساعدة الأهل في البلد الأم…مختتماً، على أمل أن تتحسن الظروف المعيشية وغيرها أي على أمل العودة.
يمثل أحمد شريحة الشباب المهاجر الذي قتله الحنين للعودة إلى الوطن ..لكن السؤال الذي يطرح نفسه ما هي الآلية التي يجب العمل عليها لاستقطاب شبابنا المهاجر …للمشاركة في بناء سوريا الجديدة؟، وكيف يجب أن تعمل الجهات المعنية على تذليل العقبات لأهل الشأن الاقتصادي وجهة نظره..
د.قوشجي: لا بد من إعفاءات ضريبية لمدخرات المغتربين وتأسيس شركات ودعم أفكار ريادية
أهم عوامل البناء
يؤكد الباحث الاقتصادي والمصرفية د. إبراهيم قوشجي أنه يُشكّل الشباب المهاجر أهم عوامل البناء لما يمتلكه من خبراتٍ مهنية وعادات عمل احترافية اكتسبها في الدول المستضيفة بموازاة ذلك سوريا اليوم تمر بمرحلة مفصلية في إعادة الإعمار، تحتاج فيها إلى طاقاتٍ بشرية قادرة على الابتكار والمبادرة.
تحديات
ولفت إلى العديد من التحديات التي تعرقل استقطاب الشباب المهاجر منها: بلدٌ منهكٌ بالبنى التحتية والاقتصاد لا يملك حوافز مالية واجتماعية تنافسية مثل البلدان الأجنبية، وضعف التشريعات الداعمة للاستثمار الفردي وريادة الأعمال.
إضافة إلى نقص البنية المعلوماتية التي تربط المغترب بوطنه (منصات إلكترونية، قواعد بيانات) ولم يغفل د. قوشجي أنه هناك إجراءات بيروقراطية طويلة ومكلفة لاستصدار التراخيص والإقامات المؤقتة.
فرص للاستفادة منهم
إذاً، أمام هذه التحديات التي تعرقل استقدام من يرغب من الشباب المهاجر يقول د. قوشجي أنه يوجد فرص الاستفادة من مغتربينا عبر عدة محاور: تحويل الخبرات المهنية من تهيئة برامج لتبادل الخبرات بين الجامعات والهيئات العامة مع خبراءٍ سوريين في الخارج، كذلك من خلال الاستثمارات العائلية عبر تسهيل تحويل المدخرات العائدة من المغتربين إلى مشاريع صغيرة ومتوسطة داخل المدن المحررة.
يشير د.قوشجي إلى الشراكات مع القطاع الخاص عن طريق إطلاق صناديق تمويل مشتركة تضمن عائداً استثمارياً وتشارك الخسائر والمخاطر بشكل شفاف.
المقترح الرابع هو التقنيات الرقمية عبر بناء منصات متكاملة لعرض الفرص الاستثمارية والإعلانية الموجهة للسوريين في المهجر.
أمثلة واقعية
يؤيد الباحث الاقتصادي د. قوشجي حديثه لصحيفة الحرية بأمثلة منها: في المملكة العربية السعودية تجاوزت استثمارات المغتربين السوريين 6 مليارات دولار عبر مشاريع عقارية وتجارية متنوعة، لتصبح نموذجاً يُحتذى في استقطاب رأس المال البشري والمالي السوريّين وفق قوله .
المسؤولية الوطنية والأخلاقية للشباب
لا يقتصر دور المغترب السوري على إرسال الحوالات المالية، بل يمتد إلى: المشاركة في تطوير المناهج التعليمية عبر ورشاتٍ عبر الإنترنت ودعم المؤسسات المدنية والمنظمات غير الحكومية في قطاعات الصحة والتعليم، بموازاة العمل كسفراءٍ للتعريف بسوريا الجديدة وإبراز فرصها الاستثمارية.
حلول عملية
إذاً، يشكل الشباب المهاجر قوة وركيزة كبيرة للنهوض بالبلد، فكيف للشباب السوري الذي ذاع صيته بالمعرفة والعلم والثقافة والقيم التي هي كفيلة لبناء نهضة أي بلد، في هذا السياق يقترح الباحث الاقتصادي والمصرفي د. قوشجي عدة اقتراحات عملية من شأنها تحفيز أو تشجيع شبابنا المهاجر للعودة أوالمشاركة في بناء سوريا الجديدة ..
إعفاءات ضريبية
في أولى مقترحاته إعداد حزمة تشريعية تضمّ إعفاءات ضريبية لمدخرات المغتربين وتبسيط إجراءات تأسيس الشركات والنقطة الأهم تأسيس “صندوق سوريا للإصلاح” برأسمال أولي من المغتربين يديره مجلس إدارة يشارك فيه وزراء سابقون وخبراء بموازاة ذلك يجب العمل على إنشاء شبكة حضانات ومسرعات أعمال في المدن الرئيسية لدعم أفكارٍ ريادية يقدمها مغتربون.
إلى جانب إطلاق دورات تدريبية للشباب المهجّر عن بُعد بالتعاون مع جامعات عربية وأوروبية، مع توفير وثائق تعريفية وتسويقية رقمية توضح الفرص القطاعية في الخدمات والسياحة والزراعة.
شراكة مع الخاص
وختم د. قوشجي قوله: بتضافر الإرادة التشريعية والشراكة الفاعلة بين الحكومة والقطاع الخاص، يمكن تحويل “هجرة الأدمغة” إلى “هجرة عقول” تنعش الاقتصاد السوري وتدعم مرحلة البناء بكل عزم وطموح.