الحرية- مها سلطان:
خمسة أيام فقط قبل أن تضغط الترويكا الأوروبية على «زناد» إعادة فرض العقوبات على إيران. هذه نتيجة تكاد تكون حتمية بعدما صوّت مجلس الأمن يوم الجمعة الماضي لمصلحة تفعيل هذه الآلية مع حلول يوم الـ 28 من هذا الشهر، أي يوم الإثنين المقبل، التصويت طبعاً جاء مدعوماً من الولايات المتحدة الأمريكية التي تدفع بالأوروبيين إلى التشدد في مواقفهم تجاه تطبيق «آلية الزناد» خلال المفاوضات المستمرة بصورة مكثفة منذ نحو شهر، أي منذ أطلقت دول الترويكا الثلاث (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) مسار تفعيل آلية الزناد في 28 آب الماضي، خلال 30 يوماً، متهمة إيران بعدم الالتزام بالاتفاق النووي المبرم عام 2015.
الوقت لا يبدو في مصلحة إيران، خمسة أيام هي مدة ضاغطة بصورة كبيرة، فيما الجميع منشغل بصورة مكثفة باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة (الأسبوع الدبلوماسي رفيع المستوى ما بين 23 و28 أيلول الجاري)، حيث إن جميع القضايا الدولية، من القضية الفلسطينية إلى سوريا ولبنان، وحرب أوكرانيا.. الخ، تبدو في أولويات متقدمة على المسألة الإيرانية وآلية الزناد.
تصعيد سياسي و(عسكري)
لكن هذا ليس واقع الحال، فهذه القضايا لا تنفصل عموماً عن المسألة الإيرانية، بل هي تتقاطع معها بصورة حاسمة، ويمكن القول إنها بمجملها تشكل أوراق ضغط أمريكية/أوروبية لمحاصرة إيران، والضغط عليها لإنهاء برنامجها النووي، حيث لا تزال المفاوضات متاحة وإلا فإن المنطقة مقبلة على جولة ثانية من الحرب بين إيران وإسرائيل، بعد جولة أولى في 13 حزيران الماضي استمرت 12 يوماً، لتنتهي بهدنة أثارت جدلاً كونها كانت غير مفهومة في كثير من جوانبها، بما فيها التوسط الأمريكي الذي قاد إليها.
مع ذلك فإن التطورات على مسار الملف النووي الإيراني وما يرتبط به من قضايا إقليمية/دولية، ستحدد إلى درجة كبيرة ما إذا كانت هناك جولة ثانية من الحرب، إلى جانب ضرورة متابعة الموقف الروسي- الصيني، وما الذي قد يطرأ عليه، إذا ما اندلعت جولة ثانية من الحرب بين إيران وإسرائيل.
في أحدث التصريحات الإيرانية، أكد محمد رضا عارف، نائب الرئيس الإيراني، أمس الإثنين، أن بلاده مستعدة بشكل كامل لمواجهة خطة الترويكا الأوروبية لإعادة فرض العقوبات، قائلاً: «إيران ليست داعية حرب لكنها سترد بقوة على أي تحرك للعدو»، وأضاف: إيران لا ترغب بعودة العقوبات، بل تأمل بأن تتحلّى الدول الأوروبية على الأقل بقدر من العقلانية وأن تستفيد من تجربتها في التعامل مع إيران وشعبها.
بالتوازي، أقر مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل غروسي، بصعوبة المفاوضات مع إيران، وقال في تصريحات أمس الإثنين: المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي تمر بمرحلة صعبة.
ومن المتوقع، عقد جولة مفاوضات جديدة اليوم الثلاثاء بين إيران والترويكا الأوروبية على مستوى وزراء الخارجية، في نيويورك، بحضور مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس. لكن التفاؤل ليس كبيراً بالتوصل إلى تفاهم إذا ما فرضنا أن التهديد بآلية الزناد هي هدف محسوب للترويكا الأوروبية، بمعنى أنه متعمد، ولن يتم التخلي عنها إلا إذا قدمت إيران تنازلات على مستوى برنامجها النووي.
بين نارين
عملياً، فإن إيران باتت واقعة «بين نارين»، فهي لا تستطيع تقديم تنازلات كبيرة في ملف حساس جداً (الملف النووي)، وفي الوقت ذاته لا تستطيع السماح بعودة العقوبات، لأن هذه العودة كارثية، فهي ليست بالعقوبات السهلة، سواء على مستوى حجمها، أو على مستوى نوعها.
وتعدُّ «آلية الزناد» جزءاً أصيلاً من الاتفاق النووي والقرار الأممي 2231، إذ تتيح لأي طرف من أطراف الاتفاق إخطار مجلس الأمن بعدم التزام إيران بتعهداتها النووية، وبموجب هذه الآلية، لا تحتاج إعادة فرض العقوبات إلى توافق داخل المجلس، إذ يكفي انتهاء مهلة الثلاثين يوماً من دون التوصل إلى قرار جديد لتدخل العقوبات السابقة حيز التنفيذ تلقائياً، من دون أن يكون لروسيا أو الصين حق تعطيل ذلك باستخدام الفيتو.
ما هذه العقوبات؟
تفعيل آلية الزناد يعني عودة كاملة للقرارات الستة الصادرة بين عامي 2006 و2010، التي فرضت طيفاً واسعاً من القيود الاقتصادية والمالية والتجارية على إيران. وقد جُمدت هذه القرارات بموجب الاتفاق النووي عام 2015 قبل أن تعود مجدداً إلى الواجهة بعد فشل مجلس الأمن في تمديد تعليقها.
وكانت الولايات المتحدة قد انسحبت عام 2018، في الولاية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي بشكل أحادي، وأعادت فرض عقوبات قاسية على إيران.
وتثير عودة العقوبات مخاوف من إدخال الملف الإيراني مجدداً تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بما يحمله ذلك من تداعيات سياسية وقانونية وأمنية على طهران، في وقت تتعثّر فيه الجهود الدبلوماسية لإحياء الاتفاق النووي أو إيجاد بدائل تفاوضية جديدة.
فجميع القرارات التي أصدرها مجلس الأمن بشأن الملف النووي الإيراني كانت مستندة إلى الفصل السابع من الميثاق، وهو الإطار القانوني الذي يتيح للمجلس التعامل مع الحالات التي يعتبرها «تهديداً للسلم والأمن الدوليين».
ويمنح هذا الفصل المجلس صلاحية تبني إجراءات ملزمة، تبدأ بالتدابير غير العسكرية مثل العقوبات الاقتصادية والسياسية، وقد تصل إلى حد الترخيص باستخدام القوة العسكرية، كما حدث في سوابق مع العراق وليبيا.
ومع توقيع الاتفاق النووي 2015 وتعليق القرارات السابقة، تمكنت إيران من الخروج من دائرة الفصل السابع، وهو ما اعتبر تحولاً استراتيجياً في موقعها القانوني والسياسي على الساحة الدولية. غير أن تفعيل «آلية الزناد» والعودة التلقائية للقرارات السابقة تعني عملياً إعادة إدراج إيران تحت مظلة هذا الفصل مجدداً.
في حال فشلت طهران في إقناع دول الترويكا بالتراجع عن قرارها تفعيل آلية الزناد، فإن العقوبات الأممية المنصوص عليها في القرارات 1696، 1737، 1747، 1803، 1835، 1929 ستفعّل مجدداً. وتشمل هذه العقوبات عدة مستويات:
الأنشطة النووية، حظر المواد النووية والتقنيات ذات الاستخدام المزدوج، العقوبات الصاروخية وحظر الأسلحة، النقل البحري والجوي، القيود المالية والمصرفية، إدراج الأفراد والكيانات على قوائم العقوبات التي توسّعت تدريجياً لتشمل كيانات دفاعية ومؤسسات مرتبطة بالبنية النووية الصاروخية.
العقوبات الأوروبية
هذا فيما يخص العقوبات الأممية، أما العقوبات الأوروبية فتشمل: النفط والبتروكيميائيات: حظر شامل على الاستيراد والشراء والنقل.
الاستثمار والتكنولوجيا: حظر الاستثمار المباشر أو نقل المعدات الحيوية في قطاعات النفط والغاز والبتروكيميائيات.
المعادن الثمينة: منع شامل لتجارة الذهب والمعادن النفيسة والماس مع الحكومة الإيرانية أو الكيانات المرتبطة.
التحويلات المالية: فرض سقوف على المبالغ المحولة، كما تم قطع بعض المصارف الإيرانية عن نظام «سويفت».
النقل والشحن والطيران: فرض قيود على شركة الشحن البحري الإيرانية وشركات الطيران، شملت تجميد الأصول ومنع الخدمات.
وبذلك، فإن عودة العقوبات عبر مساري الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ستضع إيران أمام حصار متعدد المستويات يعيدها عملياً إلى وضع ما قبل 2015، مع ما يحمله ذلك من انعكاسات اقتصادية وأمنية ودبلوماسية عميقة.