العالم يحتفي بسوريا.. الرئيس الشرع وثلاثية الإيمان والعمل والشعب 

مدة القراءة 8 دقيقة/دقائق

الحرية – مها سلطان:

هكذا بدا المشهد في نيويورك. العالم يحتفي بسوريا، وبرئيسها أحمد الشرع.

بين زعماء العالم، حيث الاستقبالات واللقاءات والفعاليات بما يليق بسوريا الجديدة، تصدّر الرئيس الشرع منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، مخاطباً العالم بلغة سوريا الحضارة والتاريخ، بلغة السوريين، لغة الإنسانية والمحبة، الأمل والألم، القوة والاحترام، التواصل والانفتاح، بلغة البناء وإعلاء السيادة والقانون، بلغة وطن يعاني ويريد التعافي والاستقرار والأمن له ولغيره، لكل الأوطان، بلغة شعب «قوي جبار» أراد الحرية فنالها، ويريد البناء والنهوض، وسينالهما أيضاً.

منذ وصوله إلى نيويورك مساء الأحد الماضي للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين.. لم تتوقف اللقاءات بين الرئيس الشرع مع زعماء ومسؤولين من عدة دول، عربية وأجنبية، والتي توجت أمس بلقاء مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

لقاء الشرع وترامب كان متوقعاً بصورة شبه حتمية نظراً لموجباته بالنسبة لسوريا والإقليم وبالنسبة لأميركا نفسها وعندما نتحدث عن منطقة تتشابك فيها التحديات وتنعكس بصورة كارثية على الأمن والاستقرار 

عملياً، انصبَّ الاهتمام العالمي- منذ تأكيد مشاركة الرئيس الشرع في هذه الاجتماعات قبل نحو عشرة أيام من بدئها.. انصبَّ الاهتمام العالمي على ثلاث مسائل: الأولى هي المشاركة بوصفها تاريخية بعد غياب ستة عقود لسوريا عن المشهد الأممي والمسار العملي الدولي، والثانية هي الخطاب الذي سيلقيه على منبر الأمم المتحدة، والثالثة هي لقاؤه مع ترامب، والذي كان متوقعاً بصورة شبه حتمية نظراً لموجباته بالنسبة لسوريا والإقليم، وبالنسبة لأميركا نفسها عندما نتحدث عن إسرائيل، وعندما نتحدث عن منطقة تتشابك فيها التحديات وتتعقد المصالح، وتنعكس بصورة كارثية على الأمن والاستقرار فيه.

سوريا التي تغيرت

على مستوى المشاركة، شهد السوريون احتفاء برئيسهم وبعودة بلادهم إلى المشهد الدولي. كان يكفي أن يشاهدوا رئيسهم وسط زعماء ومسؤولين رفيعي المستوى، وفي خضم لقاءات وفعاليات لا تقل أهمية.. كان يكفي ذلك ليتضاعف الأمل والتفاؤل، وأيضاً الاطمئنان إلى أن القادم أفضل وأن بلادهم ستتخطى هذه المرحلة الانتقالية الصعبة، داخلياً وخارجياً.

على مستوى الخطاب، جاء كما كان متوقعاً. الرئيس الشرع ركز خطابه على «سوريا التي تغيرت» لما فيه خير لها ولجيرانها (وللعالم). السلام للجميع واليد الممدودة للجميع، والماضي ليس بالضرورة أن يبقى صورة للمستقبل. سوريا تغيرت. سوريا انتفضت وانتصرت، ومع هذا النصر «تحولت من بلد يصدر الأزمات إلى فرصة تاريخية لإحلال الاستقرار والسلام والازدهار لسوريا وللمنطقة بأسرها».

هذا هو العنوان الرئيسي لسياسات سوريا الجديدة التي تقوم على عدة ركائز، عرضها الرئيس الشرع في خطابه، وتتضمن «الدبلوماسية المتوازنة والاستقرار الأمني والتنمية الاقتصادية».. بالتوازي مع ركائز داخلية قامت على «ملء فراغ السلطة، حوار وطني جامع حكومة ذات كفاءات، تعزيز مبدأ التشارك، تأسيس هيئة وطنية للعدالة الانتقالية وأخرى للمفقودين، هيكلة المؤسسات المدنية والعسكرية».

لقاء ترامب

على مستوى اللقاء مع الرئيس ترامب- والذي كان ضمن حفل استقبال أقامه على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة- كان لافتاً بشكل كبير ذلك الود والاحترام اللذين أظهرهما ترامب الذي كان برفقة زوجته ميلانيا ترامب، تجاه الرئيس الشرع. ورغم أن هذا اللقاء هو الثاني من نوعه، بعد لقاء جمعهما منتصف أيار الماضي في العاصمة السعودية الرياض، وكان حينها استثنائياً في مضمونه ونتائجه التي توجت بفتح مسار رفع العقوبات عن سوريا والذي شهد خطوات واسعة..

تراهن سوريا في المرحلة المقبلة على حصد نتائج ما تزرعه اليوم على مستوى السياسات والعلاقات الدبلوماسية خصوصاً مع أميركا

رغم أن هذا اللقاء بدا بروتوكولياً أكثر منه لقاء موسعاً، إلا أنه كان مؤشراً بارزاً على تقدم جديد في المشهد الدبلوماسي السوري من جهة، وعلى مستوى العلاقات السورية- الأميركية من جهة ثانية.

هذا اللقاء يتجاوز في دلالاته السياسية المستقبلية ما هو معلن حتى الآن، وستكشف الأيام المقبلة كيف أن لقاء الرئيس الشرع مع ترامب (إلى جانب زيارته نيويورك ومشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة) هو ترجمة عملية أولى وكبيرة لتغيير كامل الاتجاه، لمصلحة سوريا بالدرجة الأولى وما يتعلق بها من قضايا إقليمية ودولية، بحيث تراهن سوريا في المرحلة المقبلة على حصد نتائج ما تزرعه اليوم على مستوى السياسات والعلاقات الدبلوماسية وخصوصاً مع الولايات المتحدة الأميركية (وفق القاعدة الشهيرة المعروفة بأن واشنطن تمتلك 99 بالمئة من أوراق المنطقة، وهذه قاعدة ثبت أنها لم تتغير على مر السنوات والعقود مهما قيل ويقال عن خصوم الولايات المتحدة وقوتهم ومنافستهم على الزعامة العالمية، وحيث منطقتنا في قلب هذه المنافسة).

قواعد النجاة

لنتجاوز راهناً كل ما قيل ويقال عن تفاوض ومداولات وجولات مكوكية وتنازلات… الخ، ونتحدث عن سوريا الجديدة التي تريد اللعب (إذا جاز لنا التعبير)  وفق قواعد جديدة، طالما أن القواعد القديمة غير مجدية، لنتحدث عن منطقة انقلبت رأساً على عقب، تغلي وتمور ولا تعرف استقراراً، وعن عالم بات الصراع فيه على حافات نووية، والجميع يغير قواعد اللعب السياسية (والعسكرية) ويغير حلفاء أيضاً، بعضهم حلفاء تاريخيون، ويتجه نحو خصوم تاريخيين، هكذا هي السياسات وقواعد النفوذ والقوة، أو لنقل قواعد النجاة في عصرنا الحالي، حتى أميركا نفسها تلعب وفق قواعد جديدة (لتنجو) وهي التي تعتلي هرم الزعامة العالمية.. فلماذا تبقى سوريا على قواعدها القديمة؟

سوريا تريد اللعب وفق قواعد جديدة..الجميع يغير قواعده وحتى حلفاءه لضمان النفوذ والقوة أو لنقل ضمان النجاة في عصرنا الحالي.. حتى أميركا تلعب وفق قواعد جديدة لتنجو.. فلماذا تبقى سوريا على قواعدها القديمة؟

النقطة الأساسية في مسألة أن سوريا تريد اللعب وفق قواعد جديدة يُرسيها الرئيس الشرع هي أن السوريين مقتنعون تماماً بأن سوريا لا بد أن تفعل ذلك، لا بد أن تتغير (لتنجو) لتنهض، ولا بد أن يتم ذلك في فترة قياسية. الرئيس الشرع يسابق الزمن في سبيل ذلك، وهو يتسلح بالسوريين، وبفريق عمل (رئاسي) مثابر جداً ويعرف طريقه (وقواعد اللعبة الدولية/الأميركية) بعد خبرة صقلتها سنوات 14 في الميدان وفي السياسية، وفي التعامل مع العديد من الدول أو لنقل مستويات دولية عدة كانت تقيم قنوات اتصال مع الرئيس الشرع ومع فريقه الموثوق.. وقبل كل هذا التسلح بالله عز وجل، وهو ما أكد عليه الرئيس الشرع في خطابه أمام الجمعية العامة.. إنها ثلاثية الإيمان والعمل والشعب.

السوريون مقتنعون بوجوب تغيير القواعد لتنجو سوريا وتنهض ولا بد أن يتم ذلك بفترة قياسية.. الرئيس الشرع يسابق الزمن ويتسلح بالسوريين وبفريق عمل مثابر وموثوق

محطة نيويورك

لذلك لم يكن المشهد في نيويورك مجرد زيارة ومشاركة ولقاء مع ترامب، هذا أمر لا جدال فيه. الرئيس الشرع يريد أن تكون نيويورك محطة رئيسية أخرى على طريق تعافي سوريا وبنائها من جديد على قواعد متينة وأسس قوية، تحجز من خلالها مكانة ودوراً فلا تكون مجرد اسم على خريطة المنطقة تتقاذفها «محاور» وتتناهبها سياسات تبقيها في مهب الأزمات والصراعات.. هذا ما تسعى إليه القيادة السورية بإصرار ومثابرة.

Leave a Comment
آخر الأخبار