الحرية – باسمة اسماعيل:
ينبثق الشعر كنبض خفي يصر على الحضور، بين أوجاع الذات وحنين الروح. وفي زمنٍ تتسارع فيه الأحداث وتضيع فيه الأصوات ، تطل علينا الشاعرة ريما نزيهة، كصوت لا يبحث عن جواب بل عن انبعاث جديد.
“ألبسني جلدي مرة أخرى”، عنوان ديوانها الأول، لا يوحي بالعودة فقط، بل بالنبض الشعري من رماد التجربة. الباحثة الأكاديمية في مناهج التعليم، تنسج ل الحرية حواراً راقياً، يذيب الحد بين العقل والوجدان.
*في ديوانك “ألبسني جلدي مرة أخرى”، لفتني العنوان، ماذا تقصدين به؟
لا يمكن أن أحدد المغزى الوحيد لاختيار عنوان ديواني، ولكن ثمة عرف ما حول اختيار الشاعر عنواناً لعمله، وغالباً ما يكون بدلالة صريحة عما يتضمنه، وهنا للشاعر آمال شاعرية في أن يوفق باختياره للعنوان، “ألبسني جلدي مرةً أخرى” هو كما فراشة أرادت التحليق من جديد؛ وحده الحب يفعل ذلك، إعشقني من جديد، أعد تكويني من جديد، صغ ملامحي مرة أخرى، هذا ما حملته القصائد العاطفية فيه.
*في إحدى قصائدك كتبت:
جاء المعطفُ المكابرُ
رعشةٌ من وميض أيقظَها القدر
التفَّ حولها قلبي،
كيفَ لمنكَبَي الحب أن تحيي جذوري العَطِشَة!
نلاحظ في قصائدك مناداة للحبيب، هل تبحثين عن الحب؟
نحن نبحث عن الحب أطفالاً وكباراً، ولو هرمنا لبقينا، لوجدتمونا نبحث عنه هنا وهناك، أملاً بالآتي؛ أملاً بالحياة، نعم أبحث عن الحب، في نفسي أولاً التي تبث الحب أينما حلّتْ، وتحصده مرة أخرى ممن تلتقيه وتمنحهم إياه، كلنا يبحث عن الحب لكي نحيا- فقط لذلك.
*وذكرت أيضاً في قصيدة أخرى:
نأملُ بالأمسِ شراعاً
يتوقنا الأسرُ،
يأخذنا القلب رهينةً دونَ بوحفي عالم الأدب والشعر
عاشَ مَن أَلِفَكَ أيها الحب
برأيك، هل نبحث عن حب يشبهنا، أم حب يكملنا؟
الحب انعكاس أنفسنا أولاً، قد يجمع المتشابهين، والعكس من ذلك قد يجمع المختلفين، إذاً هو علاقة تكاملية تنصهر فيها المشاعر الإنسانية فتنتج إحساساً بالآخر، اهتماماً، شوقاً، احتراماً، ألماً.. جميعها تنصهر لأجل الحب.
*في الإهداء، أهدَيتِ هذا العمل للنملات و”لعبادات الشمس “، هل يمكننا إسقاطها على معنى السعي والنهوض والسمو؟
إن الشاعر إنسان، بالرغم من اختلاف مسار حياته وإحساسه عن الآخرين سواء سلباً أو إيجاباً إذاً له نهاية ما، وبصورة شعرية إن بقايا الشاعر سيكون يوماً ما نسغاً ينهض مع عبادات الشمس، تماماً فهي كناية للسمو.
*اخترتِ شعر التفعيلة، لما له في حرية التعبير أو كنمط شعري، وهل ترين فرقاً بين الأنماط؟
لا اختلاف بالمدارس الشعرية لكلٍّ غرضه، ولكن كثيرون يدافعون بشراسة عن مدرسة معينة: نثر، تفعيلة، موزون وفقاً لبحور شعرية.
أنا شخصياً لا أرى أحدها أفضل من غيرها كنظرة عامة، فكما هو معروف ما كان مفضلاً قائماً من هجاء ومدح ورثاء وغيره، لم يعد يوفي بأرضه اليوم، لا نستطيع أن ننظر للشعر هكذا، لأن الشعر بمفهومه الأشمل هو انعكاس الطبيعة في أوج ضجيجها؛ انعكاس لأنفسنا، إذ تراه ينادينا فنركض منصاعين للولادة له دون مخاض.
من نص فلسفي حول الشعر:
الشعر هو الأمس، الآن، والقادم… هو نحن في كل الأزمنة.
الشعر هو الحالة الفيزيولوجية التي ننقل بها أفكارنا إلى حبر
ترقص الفوضى، تتعالى السمفونيات، تلبس المعاني فستان زفافها”
*الشعر مزيج بين الألفاظ الجمالية والصور وغيرهما، فهل يكفي الشاعر أن يمتلك هذه الألفاظ والصور والخيال أم أنه بحاجة لفكر ورؤية؟
أرى ضرورة أن يكون الشاعر مطلعاً على الشعر بكله، لأنه لا يخلق من عدم، ولا يجوز أن يسأل شاعر ما سؤالاً واحداً عن الأدب ككل، والشعر خاصة ويقول لا أعرف، مهمة الشعر اليوم هي الشعر بذاته، والقدرة النقدية على تبني فلان ونقد فلان.
ثم أن الشعر هو رؤية بحد ذاته، وهذا يبدو جلياً في شعر المهجر مثلاً الذي يحمل رسالة للعالم عن آلام الغربة والشوق للوطن،
شعر القضية مثلاً أمثال محمود درويش وغيره من الشعراء الذين حملوا أوطانهم أوضاعاً صاغوها من حبر، فإذا الشعر لم يُبنَ على هدف سام ليس بشعر.
*إلى أي مدى عكست قصائدك ما يجول في داخلك؟
إن الإنسان لحر، ومن هنا كانت القصائد المُضمّنَة في “ألبسني جلدي مرة أخرى” معبرة تماماً لما في داخلي، هناك خيال مباح وحرية مطلقة في البوح، لكن أعتقد أن الاعتماد الأكبر للشاعر هو صدقه لما يجوب بداخله، ويمثلني ذلك.
*َمَن هو الحبيب في قصائدك؟
في قصائدي الحب لمن كان عاشقًا، أو مخذولاً، أو مغترباً…الخ، نحن عندما نريد أغنية ما نعيد سماع ما يعكس حاجتنا لذلك، فالحبيب يستمع لأغاني الحب، والمخذول يستمع لأغاني الفراق وهكذا.
والشعر بذات الصيغة، هو صور شعرية موجهة لمن يتذوقها، كلٌّ حسب إحساسه، فيليق أن تكون موجهة لأبٍ، أخٍ، حبيبٍ، وكلُّ ما من شأنه أن تلامسه كلماتنا.
*في تجربتك الشعرية الأولى هل انت راضية عنها؟
راضية عمّا قدمته في ديواني الأول، ويمثّلني بكلّه، ولم أكتب قصيدة واحدة فيه إلا وحاكت مشاعري بأوجها، وكتجربة أولى لي به، لاقى أصداء عززت بي ما كتبته، شاركت من خلاله أمسيات عدة بجانب أسماء وشعراء عظيمين، تواصلت مع الشاعر أدونيس العظيم وأبدى استحساناً به، وكان هذا الحدث أعظم ما حصد ديواني.
في إحدى قصائدك كتبت:
أنا مَن نبت بالنفسج
ليسرقَ ألواني من ضياع
ذاك الصباح المنفلت من التلاشي
سيكونُ يوماً صباحاً فوضوياً
يذخرُ بالأزقة
بعناقٍ لم يحصلْ
بفعلٍ مضارعٍ مجزوم
*ظهور “ذاتي” في أغلب قصائدك، هل هي نرجسية؟
** إن كان جزء من تعريف الشعر هو محاكاة لإحساس الشاعر ووجدانه وتجربته الشخصية، فلا يمكن أن نتهمه بالنرجسية، فهي تجربة نابعة من ذاتي وإحساسي، ويمكن أن يتذوقها أي إنسان حسب إحساسه.
*كيف ترين الحركة الثقافية اليوم؟
الحركة الثقافية اليوم تنحو لهدف غير واضح، فلا أرى وجود أسماء مبهرة لامعة، ولا جدة وتفرد واضحين، وهنا نتساءل: هل وصل الشعر لنقطة النهاية؟ فما من رائد جاء بالعشر سنوات الأخيرة بلمسة شعرية متفردة، الأمل اليوم بالشباب الصاعد الذي يجب ألا ينسى مهمة أن نحمل إرث وثقافة هذا البلد العريق، التي أنجبت شعراء مخلدين.
*ما أعمالك القادمة؟ ولو قرأتِ ديوانك مرة أخرى، هل ستحذفين شيئاً؟
عملي القادم رواية، تحاكي الواقع.
لم أندم على جزء مما نشرته وما سأنشره لاحقاً، لأن الهدف من الكتابة ليس الوصول للقمة، هو إنجاز بحد ذاته وليس الهدف أن تكون الأفضل.