الحرية- حسيبة صالح:
عاد مسرح دار الأوبرا ليحتضن أنغام الفرقة السيمفونية الوطنية السورية بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان، في حفلٍ استثنائي أعاد الروح إلى قاعةٍ طالما كانت منارةً للفن الراقي. امتلأ المسرح عن آخره، في مشهدٍ يعكس تعطش الجمهور الدمشقي للموسيقا الكلاسيكية، وللجمال السوري الذي لا يذبل.
الحفل تنقل بين عصور موسيقية مختلفة، بدأ بفانتازيا روميو وجولييت المستلهمة من تشايكوفسكي، والتي أعاد صياغتها الموسيقار السوري الراحل صلحي الوادي، مرورًا برقصة ماركيز الثانية، وصولًا إلى متتالية الأرليزيانية الثانية لبيزيه، حيث تمازجت الفريفية والأنترميتزو والمينويت والفاراندول في تناغمٍ ساحر.
كل مقطوعة كانت بمثابة لوحة فسيفسائية سورية، رسمتها الفرقة بأناملها، وأهدتها للعالم كعربون محبة وسلام.
“الحرية” التقت مع عدد من الحضور، الذين عبّروا عن مشاعرهم الجياشة، تقول منايا المأمون والدة لعازفين مشاركين مع الفرقة السمفونية الوطنية السورية: لم أتمالك نفسي من البكاء خلال فانتازيا روميو وجولييت. شعرت أن دمشق تعزف على أوتار قلبي.
أبو طارق، 65 عامًا، متابع قديم للفرقة أضاف: “امتلاء المسرح بهذا الشكل أعاد لي ذكريات الزمن الجميل. الموسيقا هنا ليست ترفًا، بل ضرورة روحية.”
نور دلول طالبة في المعهد العالي للموسيقى وعازفة مع الفرقة السيمفونية الوطنية السورية قالت: “المايسترو ميساك قاد الفرقة وكأنه يرسم لوحة حية. كل حركة كانت تنطق بالجمال السوري.”
امتلاء دار الأوبرا لم يكن مجرد حضور جماهيري، بل رسالة واضحة بأن دمشق ما زالت تنبض بالحياة، وبأن الفن هو أحد أعمدة الحضارة السورية الحديثة. في زمنٍ تتنازع فيه الشعوب على هوياتها، جاءت هذه الأمسية لتؤكد أن الموسيقا الكلاسيكية هي جزء لا يتجزأ من الهوية السورية، وأن دار الأوبرا ليست مجرد مبنى، بل بيتٌ للروح.
الفرقة السيمفونية الوطنية السورية، بسفرائها الموسيقيين، حملت على عاتقها مهمة تمثيل سوريا عالميًا، ليس فقط كدولة، بل كحضارة. عودة الحفلات بهذا المستوى تعني انطلاق عجلة الموسيقا من جديد، وتعني أن دمشق ما زالت قادرة على الإبهار، وعلى تصدير الجمال