متابعة يسرى المصري:
لكل سوري سعيه، فإذا كان داخل البلاد سعى لبناء المؤسسات وتقديم الخدمات وبناء العمران وإن كان مغترباً يسعى إلى تمويل أسرته، فإذا اجتهد سعى إلى تمويل وطنه بماله ومعرفته وخبرته التي لا تقدر بثمن لإعادة إعمار وطنه وبذلك فإن أموال المغتربين تنعش الاقتصاد وخبرتهم تسهم في إعادة الإعمار
أدوات مالية مبتكرة
يستطيع المغتربون السوريون إنعاش الاقتصاد من خلال تحويل دعمهم المالي من استهلاك الأسرة إلى الاستثمار الوطني الإستراتيجي. فقد أدت موجات الهجرة الجماعية والفردية للسوريين خلال العقد الماضي إلى تنامي حجم هذه الحوالات بصورة غير مسبوقة، لكن ظل تأثيرها في الاقتصاد محدوداً بسبب السياسات الاقتصادية للنظام البائد والتي كانت تقيّد حركة الأموال، وتحظر تداول العملات الأجنبية إلّا في نطاق عدد محدود من شركات الصرافة، وهو ما دفع جزءاً كبيراً من هذه التدفقات المالية إلى مسارات غير رسمية عبر السوق السوداء وحرم الاقتصاد الاستفادة منها واليوم بات بالإمكان الاستثمار في أموال المغتربين لإنعاش الاقتصاد عبر أدوات مالية مبتكرة مثل سندات وصناديق استثمار المغتربين، إلى جانب نقل معرفتهم القيمة وشبكات علاقاتهم الدولية. ويكمن مفتاح النجاح في بناء بيئة شفافة وموثوقة تعيد ثقة المغتربين في القنوات المالية الرسمية.
وفي ظل احتياج الاقتصاد السوري إلى كل فرصة متاحة لإعادة بناء قدراته في مرحلة ما بعد الحرب، يرى خبراء اقتصاديون أن تحويلات المغتربين تمثل فرصة لا يجوز إهدارها مقترحين عدداً من الإجراءات التي يمكن أن تحقق استفادة مثلى من هذه التحويلات.
يقول الخبير الاقتصادي أنس نغنغ : تُعد الأموال التي يرسلها المغتربون السوريون رافداً حيوياً لإنعاش الاقتصاد وإعادة إعمار البلاد. بينما تمثل حالياً شريان حياة للعديد من الأسر، فإن رؤوس الأموال هذه لديها القدرة على التحول إلى استثمارات طويلة الأجل من خلال أدوات مالية محددة وبيئة موثوقة.
وعن الطرق الرئيسة المقترحة لتوجيه أموال المغتربين نحو إعادة الإعمار يقترح نغنغ:
التفكير خارج الصندوق كالاستثمار في صناديق استثمار المغتربين أو صناديق استثمارية محترفة مسجلة في الخارج لتجميع رأس مال المغتربين. ويمكن حسب القطاعات: البنية التحتية، الإسكان، الزراعة، الرعاية الصحية.
وأوضح أنّ الميزات تتضمن إدارة محترفة، تنويع المخاطر، تتبع معايير الحوكمة الدولية.
سندات المغتربين
ولفت نغنغ الى الاستثمار بسندات المغتربين وهي سندات حكومية مصممة خصيصاً للمغتربين. و الميزات عوائد تنافسية، ضمانات حكومية.ويكون الهدف تمويل المشاريع الإستراتيجية في الطاقة، النقل، الزراعة.
ومن الأفكار المقترحة صناديق استثمار وادخار متخصصة كصناديق استثمار وبرامج ادخار مصممة خصيصاً للمغتربين. وتشمل القطاعات: التكنولوجيا، الطاقة المتجددة، العقارات. وتكون الميزات شهادات ادخار بالدولار بعوائد ثابتة.
أما الاستثمار المباشر فيشمل قيام المغتربين بالاستثمار المباشر في المشاريع أو إنشائها داخل سوريا. وتتضمن القطاعات المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الزراعة، الصناعة، السياحة. المتطلبات: إجراءات مبسطة، حوافز ضريبية، حماية قانونية.
الإمكانات الكاملة للمغتربين
أبعد من المال .. فثروات المغتربين لا تقتصر على تقديم رأس المال ولا يقتصر إسهام المغتربين على الجانب المادي فقط، فخبراتهم تمثل أصولاً لا تقدر بثمن لإعادة الإعمار.
وفي المقدمة نقل المعرفة حيث يمكن للمغتربين المساهمة من خلال تدريب الكوادر المحلية، وتطوير المناهج التعليمية، وإدخال التقنيات الجديدة في قطاعات حيوية مثل الرعاية الصحية، التعليم، الهندسة، والتكنولوجيا.
مع بالحسبان أنّ من الاستثمارات المهمة العلاقات والشبكات الدولية فيمكن للمغتربين الاستفادة من شبكات علاقاتهم العالمية لجذب الاستثمارات الأجنبية وعقد الشراكات الدولية، ما يساعد في إعادة ربط سوريا بالاقتصاد العالمي.
استعادة الثقة بالنظام المصرفي
يمثل استعادة الثقة بالنظام المصرفي أبرز التحديات أمام وصول الاستثمارات وأموال المغتربين ويواجه تحويل هذا الإمكان إلى واقع تحديات كبيرة بحيث يعتمد النجاح إلى حدّ كبير على بناء بيئة آمنة وشفافة.
أضف إلى ذلك استعادة الثقة في النظام المصرفي الذي يعاني أزمة ثقة عميقة الجذور بسبب التجارب السابقة مع تجميد الحسابات، وانهيار قيمة الليرة السورية، وعدم الشفافية.وهذا يتطلب إعادة بناء هذه الثقة ويتطلب ضمانات حكومية ضد تجميد الأصول التعسفي، واعتماد معايير الحوكمة الدولية، وإشراك أطراف ثالثة مستقلة مثل شركات التدقيق الدولية.
ويرى نغنغ أنّ خلق مناخ استثماري لجذب الاستثمارات المباشرة يحتاج إلى تبسيط الإجراءات البيروقراطية، وتقديم حوافز ضريبية وجمركية، وتوفير حماية قانونية قوية لحقوق المستثمرين .
وحسب تقارير إعلامية فإن نجاح الحكومة الجديدة بتحويل 30% فقط من أموال المغتربين نحو الاستثمار سيكون كفيلًا بخلق أثر اقتصادي مضاعف يتمثل في توسيع الطاقة الإنتاجية، وزيادة فرص العمل، وتحويل تحدي الهجرة القسرية إلى رافعة للتنمية الاقتصادية.