الحرّية-هبا علي أحمد:
في خطوة تهدف إلى ترسيخ مبادئ الشفافية والعدالة، وتحسين العلاقة بين المواطن والمؤسسات المالية، أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية عن توجه المصرف لإحداث مديرية متخصصة لحماية المستهلك في الخدمات المالية، ويُشير خبراء في الشأن أن هذا الإعلان يأتي في سياق إصلاحات أوسع يسعى المصرف المركزي من خلالها إلى إعادة بناء الثقة في القطاع المالي، خاصة في ظل التحديات التي تواجه الاقتصاد السوري في مرحلة ما بعد النزاع.
نقلة نوعية
من حيث الأهمية، يمثل هذا القرار نقلة نوعية في فلسفة التنظيم المالي، حسب الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي، إذ يعكس إدراكاً متزايداً بأن حماية المستهلك ليست ترفاً تنظيمياً، بل ضرورة لضمان استقرار النظام المالي وتعزيز الشمول المالي، فالمستهلك الواعي والمطمئن هو حجر الأساس لأي منظومة مالية فعالة، وهو ما تسعى هذه المديرية لتحقيقه من خلال الرقابة على جودة الخدمات، معالجة الشكاوى، وتطوير برامج التوعية المالية.
مديرية حماية المستهلك في الخدمات المالية ليست ترفاً تنظيمياً بل ضرورة لضمان استقرار النظام المالي وتعزيز الشمول المالي
وفي تصريح لـ”الحرّية” قال قوشجي: اقتصادياً، يمكن قراءة هذا التوجه على أنه محاولة لإعادة تعريف دور المصرف المركزي، بحيث لا يقتصر على ضبط السيولة ومراقبة المصارف، بل يمتد ليشمل حماية الحقوق الفردية للمواطنين في تعاملاتهم المالية، كما يعكس رغبة في مواءمة التشريعات المحلية مع المعايير الدولية، خاصة مع الحديث عن إعداد مشروع قانون لحماية المستهلك المالي، وهو ما قد يفتح الباب أمام إصلاحات تشريعية أوسع تشمل العقود المصرفية، الرسوم، والإعلانات المالية.
أما على الصعيد الدولي، فإن العديد من البنوك المركزية حول العالم تمتلك وحدات أو مديريات مشابهة، مثل مكتب حماية المستهلك المالي في الولايات المتحدة، وهيئة السلوك المالي في المملكة المتحدة، وغيرها من الهيئات التي تركز على ضمان الإنصاف والشفافية في الخدمات المالية، ورغم اختلاف الهياكل التنظيمية، إلا أن المهام الأساسية تتشابه: حماية الحقوق، معالجة الشكاوى، وتوعية الجمهور.
محاولة لإعادة تعريف دور المركزي بحيث لا يقتصر على ضبط السيولة بل يمتد ليشمل حماية الحقوق الفردية في التعاملات المالية
ومن حيث المقارنة مع شركات التأمين، يرى الخبير المصرفي بأن هناك تقاطعاً وظيفياً في حماية الحقوق، لكن الاختلاف الجوهري يكمن في طبيعة الدور، فشركات التأمين تقدم خدمات تعاقدية تهدف إلى تعويض المخاطر، بينما المديرية المقترحة تعمل كجهة تنظيمية رقابية تسعى لضمان عدالة التعاملات المصرفية، دون أن تكون طرفاً تجارياً في العلاقة.
تحدّيات محتملة
ومع أهمية هذا القرار، لا بد من التوقف عند بعض السلبيات والتحدّيات المحتملة، التي يستعرضها قوشجي على النحو التالي:
– خطر البيروقراطية الزائدة: قد تتحول المديرية إلى عبء إداري إذا لم تُصمم بمرونة وكفاءة، ما يعيق سرعة الاستجابة لشكاوى المواطنين.
– ضعف التنفيذ في غياب ثقافة مؤسسية داعمة: إذا لم تُدمج مبادئ حماية المستهلك في صلب عمل المصارف، فقد تبقى المديرية مجرد واجهة شكلية.
– احتمال تضارب الصلاحيات بين المديرية الجديدة والجهات الرقابية الأخرى، ما قد يخلق ارتباكاً في المسؤوليات ويضعف فعالية الرقابة.
إحداث المديرية يحمل إمكانات كبيرة لتعزيز الثقة والاستقرار لكنه يتطلب تصميماً مؤسسياً دقيقاً وتكاملًا مع باقي الإصلاحات المالية والتشريعية
– تكلفة تأسيس وتشغيل المديرية في ظل محدودية الموارد، ما قد يثير تساؤلات حول الأولويات في مرحلة التعافي الاقتصادي.
– مخاطر التسييس أو الاستخدام غير المهني، إذا لم تُحصّن المديرية بقواعد استقلالية واضحة، فقد تُستخدم كأداة ضغط أو تصفية حسابات.
في المحصلة، لفت الدكتور قوشجي إلى أن إحداث مديرية لحماية المستهلك في الخدمات المالية يحمل إمكانات كبيرة لتعزيز الثقة والاستقرار، لكنه يتطلب تصميماً مؤسسياً دقيقاً وإرادة تنفيذية حقيقية، وتكاملاً مع باقي الإصلاحات المالية والتشريعية، فالمستهلك ليس مجرد متلقٍ للخدمة، بل شريك في بناء نظام مالي عادل وشفاف، وهذه المديرية يمكن أن تكون بوابة لهذا التحول إذا أُحسن بناؤها وتفعيلها.