مفاوضات شرم الشيخ والمصادقة على مستقبل غزة والمنطقة..هل تنجح خطة ترامب؟

مدة القراءة 9 دقيقة/دقائق

الحرية – أمين سليم الدريوسي:
تستعد الأوساط السياسية والدبلوماسية العالمية لمشهد مفصلي جديد في أزمة قطاع غزة، حيث تلتقي وفود إسرائيلية وأميركية ووفد من حركة حماس في جولة مفاوضات حاسمة غير مباشرة في شرم الشيخ المصرية.
هذه المفاوضات- التي تأتي بعد عامين من الحرب المستعرة- تحمل في طياتها خطة أميركية جديدة يروج لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شخصياً، ما يطرح تساؤلات جوهرية حول من يدير دفة الصراع فعلياً: نتنياهو أم ترامب؟

خريطة الانسحاب الإسرائيلي والنقطة الأكثر إثارة للجدل

في قلب هذه المفاوضات تقف قضية خريطة الانسحاب الإسرائيلي من غزة، التي أعلن عنها ترامب بشكل مفاجئ عبر منصته «تروث سوشيال» إذ تكشف المصادر الإسرائيلية أن حماس أعربت عن تحفظات واضحة على هذه الخريطة، ما يجعل هذه النقطة محور النقاشات الأساسية في شرم الشيخ.
وتفرض الخطة الأمريكية انسحاباً إسرائيلياً مرحلياً، يبدأ بخط انسحاب أولي تلتزم به «إسرائيل» فور موافقة حماس، لكن الخلافات لا تقتصر على خطوط الانسحاب فحسب، بل تمتد إلى ترتيبات ما بعد العمليات العسكرية وآليات ضمان الأمن الإسرائيلي.

الجدول الزمني الضاغط وتحديات التنفيذ

تشكل قضية تبادل الأسرى والرهائن العصب الحساس في مفاوضات شرم الشيخ، حيث تقدم خطة ترامب إنموذجاً زمنياً ضاغطاً وغير مسبوق، فبخلاف الاتفاقيات السابقة التي كانت تمتد على مراحل متعددة، تشترط الخطة الأمريكية الجديدة إطلاق سراح جميع الرهائن – أحياءً وأمواتاً – خلال 72 ساعة فقط من دخول الاتفاق حيز التنفيذ، هذا الإطار الزمني الضيق يضع جميع الأطراف أمام اختبار حقيقي للجدية والنية الحسنة.
وتشير الإحصاءات الإسرائيلية الرسمية إلى وجود 48 رهينة محتجزين في غزة، يُقدّر أن 22 منهم فقط لا يزالون على قيد الحياة، بينما يلف الغموض مصير اثنين، فيما يُرجّح أن الباقين لقوا حتفهم خلال فترة الأسر أو خلال العمليات العسكرية. هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل تمثل مأساة إنسانية مستمرة بالنسبة لعائلات الرهائن الذين عاشوا أكثر من 700 يوم في قلق وحيرة حول مصير أبنائهم.

التحديات اللوجستية والأمنية في بيئة معقدة

يمثل هذا الجدول الزمني الضاغط تحدياً لوجستياً وأمنياً غير عادي، خاصة في ظل تعقيدات الوضع الميداني في غزة حيث البنية التحتية المدمرة بالكامل تقريباً، فشبكات الطرق والجسور تعرضت لأضرار جسيمة، والاتصالات شبه منعدمة في العديد من المناطق، ما يجعل عملية نقل الرهائن وتنسيق عمليات الإفراج مهمة شاقة تنطوي على مخاطر جسيمة.
كذلك التقسيمات الجغرافية المعقدة داخل القطاع، حيث تنتشر مجموعات مسلحة متنوعة في مناطق مختلفة، تضيف بُعداً آخر من التعقيد، فحماس قد تواجه تحديات في جمع الرهائن من مختلف المناطق ونقلهم بأمان إلى نقاط التسليم المتفق عليها، خاصة مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في بعض المناطق.

الجانب الإنساني والإجراءات الفنية

وتتطلب العملية أيضاً ترتيبات فنية معقدة، بما في ذلك تحديد هويات الرهائن الأحياء والأموات بشكل قاطع، وإجراء الفحوصات الطبية العاجلة للناجين، وتسهيل وصول فرق الصليب الأحمر والمنظمات الإنسانية إلى مناطق التبادل، كما أن عملية تسليم الجثث تحتاج إلى إجراءات قانونية وطبية دقيقة تتطلب وقتاً وخبرات متخصصة.
وفي الجانب المقابل، تستعد السجون الإسرائيلية لإطلاق سراح 250 أسيراً فلسطينياً محكوماً بالسجن المؤبد، ومئات آخرين اعتُقلوا خلال الحرب، وهي عملية تحتاج إلى ترتيبات أمنية وقانونية معقدة بدورها.

موقف حماس.. بين شروط وقبول

ورغم الإعلان الرسمي لحركة حماس عن قبول خطة ترامب، إلّا أن هذا القبول لا يُعد مطلقاً، أو غير مشروط، بل يأتي ضمن إطار تفاوضي معقد تحاول فيه الحركة فرض رؤيتها الخاصة. فحماس، التي تدرك حساسية المرحلة وتعقيداتها، تربط تنفيذ بنود الخطة – وعلى رأسها إطلاق سراح الرهائن – بجملة من الشروط الإضافية التي تتجاوز البعد الإنساني، لتطول ضمانات سياسية واضحة تتعلق بمستقبل قطاع غزة، وشكل الحكم فيه، والعلاقة مع السلطة الفلسطينية.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن الحركة ترفض بشكل قاطع المطلب الأمريكي الأساسي في الخطة، والمتمثل في نزع سلاح الفصائل، معتبرة أن هذا الشرط يمس جوهر المقاومة ويهدد توازن القوى في القطاع. هذا الرفض لا يأتي فقط من منطلق عسكري، بل يُنظر إليه داخل الحركة كجزء من إستراتيجية الحفاظ على النفوذ السياسي والأمني، وضمان عدم تفريغ القطاع من أدوات الردع في مواجهة أي تهديدات مستقبلية.
في هذا السياق، يبدو أن موقف حماس يتأرجح بين إظهار مرونة تكتيكية في التعامل مع المبادرة، وبين التمسك بجوهر مشروعها السياسي والميداني، ما يجعل من عملية التفاوض معقدة، ويضع المجتمع الدولي أمام تحديات حقيقية في محاولة ترجمة الخطة إلى واقع ملموس.

القيادة الأمريكية المباشرة

ويكشف المشهد السياسي الراهن حقيقة بالغة الأهمية، بأن ترامب لم يعد مجرد وسيط أو داعم تقليدي، بل تحول إلى اللاعب الأساسي والمحرك الرئيسي في إدارة ملف غزة، فتصريحاته المباشرة عبر منصة «تروث سوشيال» وتحذيراته الصريحة لحماس بأنها «ستواجه الفناء إذا حاولت التشبث بالسلطة» وتعليقاته المقتضبة حول تفاصيل المفاوضات، كلها تعكس درجة غير مسبوقة من التوجيه الأمريكي المباشر الذي يتجاوز بكثير الأدوار الدبلوماسية التقليدية.
والأكثر دلالة في هذا المشهد هو التناقض الصارخ في الروايات بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فبينما يعترف نتنياهو – رغم تردده – بأن الخطة جاءت نتيجة تحرك دبلوماسي منسق مع ترامب وفريقه، يقدم ترامب رواية مغايرة تماماً ومفعمة بالحسم، حيث صرح في مقابلة مثيرة أنه «اضطر للضغط على نتنياهو لقبول شروط الخطة» مضيفاً: «لقد وافق في النهاية، عليه أن يوافق، لا خيار أمامه، معي، يجب أن توافق»، هذا التباين في الخطاب لا يعكس فقط اختلافاً في الأسلوب، بل يكشف عن تحول جوهري في موازين القوى وطبيعة العلاقة بين الزعيمين.
وقد لاحظ المراقبون أن الإسرائيليين أنفسهم تعرفوا على تفاصيل الاتفاق الأولي ليس من خلال قنوات حكومتهم الرسمية، بل عبر منشور لترامب على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يؤكد أن البيت الأبيض تجاوز سلطة القنوات الدبلوماسية التقليدية وأصبح المصدر الرئيسي – وربما الوحيد – للمعلومات الموثوقة، هذا المشهد الجديد يطرح أسئلة عميقة حول مستقبل الدور الأمريكي في الصراع وحدود التأثير على القرارات الإسرائيلية في المرحلة القادمة.

نتنياهو تحت المجهر

ويبدو نتنياهو أمام اختبار وجودي. من ناحية يواجه ضغوطاً من الائتلاف الحكومي اليميني الرافض لأي اتفاق يحافظ على وجود حماس.. ومن ناحية أخرى، يخضع لضغوط أمريكية مباشرة من رئيس «لا يمكن مقاومته» كما يصفه المحللون.
تصريح نتنياهو المسجل مساء السبت، حيث وصف الإنجاز بـ«الكبير الذي لم يُحسم بعد» يعكس محاولة لاستباق الأحداث واستعادة زمام المبادرة الإعلامية في لحظة يبدو فيها أن ترامب هو من يوجّه الدفة.

الدعم العربي والإسلامي

وفي تطور لافت، اجتمعت وجهات نظر عربية وإسلامية متنوعة حول دعم خطة ترامب، حيث قدم وزراء خارجية قطر، الأردن، الإمارات، إندونيسيا، باكستان، تركيا، السعودية، ومصر، بياناً مشتركاً يرحب بالخطوات التي اتخذتها حماس تجاه خطة ترامب، معتبرين أنها «فرصة حقيقية لوقف شامل ومستدام لإطلاق النار». هذا الموقف الموحد يعكس إدراكاً عربياً وإسلامياً لأهمية اللحظة الراهنة وإمكانية تحقيق تقدم حقيقي نحو إنهاء الأزمة.

بين نذر التصعيد ونداءات التهدئة

ويبقى خلف كل هذه المفاوضات والدبلوماسية، أرقام مأساوية، حيث أعلنت وزارة الصحة في غزة عن وصول عدد الشهداء الفلسطينيين إلى 67,139 شهيداً، مع ما يقرب من 170,000 جريح، يشكل النساء والأطفال حوالي نصفهم، ما يشكل خلفية ملحة تدفع جميع الأطراف نحو البحث عن مخرج.
فيما تستمر على الأرض المعادلة العسكرية المعقدة، فرئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير يؤكد أنّ الجيش أجرى «تغييراً» في عملياته لم يبلغ حد وقف إطلاق النار، مع التهديد بـ«العودة للقتال» في حال فشلت المباحثات.
وفي المقابل، تواصل حماس مطالبتها بوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في كافة مناطق قطاع غزة، والانسحاب من داخل مناطق مدينة غزة، ما يشير إلى أن الطريق نحو اتفاق دائم لا يزال محفوفاً بالتحديات.

مفترق طرق تاريخي

قصارى القول، تمثل مفاوضات شرم الشيخ مفترق طرق تاريخياً في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. الخطة الأمريكية- رغم كل التعقيدات والتحفظات- تقدم فرصة حقيقية لإنهاء الحرب التي استمرت عامين كاملين.
النجاح أو الفشل في هذه المفاوضات لن يحدد فقط مصير الرهائن والأسرى، وإنما سيحدد أيضاً شكل المستقبل السياسي لغزة والمنطقة ككل. الأسابيع القليلة المقبلة ستكشف إن كانت الإرادات السياسية قادرة على تجاوز الخلافات العميقة لتحقيق سلام دائم ينقذ الأرواح ويضع أساساً لمستقبل أفضل للجميع.

Leave a Comment
آخر الأخبار