الحرية – بشرى سمير:
في اليوم العالمي للصحة النفسية، الذي يصادف في العاشر من تشرين الأول من كل عام، تبرز سوريا كنموذج لأزمة نفسية إنسانية عميقة، حيث تلتقي الجهود العالمية للتوعية بواقع إنساني صعب تتصاعد فيه الاحتياجات بشكل استثنائي. لقد أصبح هذا اليوم منصة حيوية لتسليط الضوء على المعاناة غير المرئية لملايين السوريين وتكريس الجهود لمواجهة التحديات الناجمة عن سنوات من الحرب.
اختصاصية نفسية: واقع إنساني صعب تتصاعد فيه الاحتياجات بشكل استثنائي
تقول الاختصاصية النفسية الدكتورة لمعات نوح في تصريح لـ”الحرية” يحتفل العالم في 10 تشرين الأول/أكتوبر من كل عام باليوم العالمي للصحة النفسية، وهو حدث سنوي بدأ في عام 1992 بمبادرة من الاتحاد العالمي للصحة النفسية. الهدف الرئيسي من هذا اليوم هو إذكاء الوعي العام بقضايا الصحة النفسية على مستوى العالم، وفتح حوارات منفتحة حول الأمراض النفسية، وتعزيز الاستثمار في خدمات الوقاية والعلاج.
تعزيز الوعي
إضافة إلى التوعية بحقائق الأمراض النفسية وتصحيح المفاهيم الخاطئة والمفاهيم الاجتماعية المغلوطة حولها. وكسر حاجز الصمت من خلال تشجيع الأفراد والمجتمعات على التحدث بانفتاح عن المشاكل النفسية وطلب المساعدة دون خجل أو وصمة.
والسعي لحث الحكومات وصناع القرار على جعل الصحة النفسية أولوية في سياساتهم وزيادة الاستثمار في الخدمات المتعلقة بها.
وأشارت نوح إلى معاناة الشعب السوري على مدار 60 عاماً بسبب ممارسات النظام البائد، حيث أدى النزاع الطويل الأمد في سوريا إلى خلق أزمة نفسية- اجتماعية هائلة، إذ عاش الملايين تحت وطأة الصدمات المتكررة والنزوح والتهجير وتدمير المنازل وفقدان الأحبة في المعتقلات ما خلف عبئاً نفسياً هائلاً.
وتاليا أدت إلى مستويات عالية من الضيق النفسي وزيادة في انتشار الاضطرابات مثل القلق والاكتئاب.
ولفتت الدكتورة نوح إلى أن الأرقام والإحصائيات وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، تشير إلى أن واحداً من كل خمسة سوريين معرض لمواجهة مشاكل متوسطة في الصحة النفسية، بينما واحد من كل 30 معرض لمشاكل نفسية حادة .
بارقة أمل
وتضيف نوح على الرغم من التحديات الجسيمة، هناك جهود محلية للاستجابة لحالات الصحة النفسية في سوريا، وغالباً ما تكون هذه الجهود أكثر وضوحاً بالتزامن مع اليوم العالمي للصحة النفسية.
حيث تقدم دائرة الصحة النفسية في وزارة الصحة السورية آلاف الخدمات التشخيصية والدوائية والإرشادية. ففي النصف الأول من عام 2022 وحده، قدمت أكثر من 160,000 خدمة صحة نفسية، شملت جلسات دعم نفسي وعلاجية . كما تم بالتعاون مع منظمات مثل منظمة الصحة العالمية تدريب الكوادر الصحية (أطباء عامين، مختصين نفسيين، ممرضين) على برامج الصحة النفسية من خلال مبادرات مثل برنامج “رأب الفجوة” الذي انطلق عام 2014 .
كما تعمل منظمات إنسانية مثل منظمة أطباء العالم (MdM) بتنفيذ برامج توعية وإصدار تقارير مفصلة في هذا اليوم لتسليط الضوء على “الأزمة الخفية” وحث صناع القرار الدوليين والإقليميين على جعل الصحة النفسية أولوية في سوريا.
طريق طويل نحو التعافي
وبيّنت أن هذا اليوم يذكرنا بأن الصحة النفسية هي حق أساسي من حقوق الإنسان وليست رفاهية.
وفي سوريا فإن تلبية الاحتياجات النفسية ليس عملاً إنسانياً فقط ، وينتهي إنما هو استثمار حيوي في مستقبل المجتمع ومرونته. وأضافت: لا يزال الطريق طويلاً، حيث إن الدعم المقدم لا يزال غير كاف مقارنة بحجم الاحتياج . يتطلب الأمر إرادة سياسية أقوى واستثمارات مستدامة لضمان أن يتمتع كل فرد في سوريا، حيثما كان، بحقه في بلوغ أعلى مستوى من الصحة النفسية يمكن تحقيقه.