الحرية – لوريس عمران:
على شاطئ ميناء جبلة، حيث تتعانق الأمواج مع الرمال الذهبية وتتمايل القوارب بين المد والجزر، يقف الصيادون يومياً بأمل واحد وهو تأمين لقمة العيش من البحر الذي اعتادوا على خوض غماره منذ عقود، لكن هذا الأمل بات اليوم مهدداً بعد منع استخدام الشباك في صيد الأسماك، ما وضعهم أمام تحدٍ وجودي يهدد مصدر رزقهم الوحيد.
يطرح هذا المنع تساؤلات عديدة حول أسبابه و توقيته، ولاسيما في ظل الطبيعة الخاصة للبيئة البحرية في جبلة، حيث التضاريس الرملية لا تحتضن سوى أنواع محدودة من الأسماك. فما دوافع الجهات المعنية لاتخاذ هذا القرار؟ وما تداعياته على حياة الصيادين؟
الصيد في جبلة مهنة لا هواية
يُعد الصيد البحري من الأنشطة الاقتصادية الأساسية في جبلة، حيث يعمل نحو 125 مركباً في هذا القطاع 35 مركباً فقط من هذه المراكب تستخدم الشباك كوسيلة رئيسية للصيد، بينما تعود البقية إلى هواة أو تجار لا يمارسون الصيد بشكل جدي، بل يقصدونه من باب الترفيه أو المظهر الاجتماعي.
الصيادون الذين يعتمدون كلياً على الشباك في كسب رزقهم وجدوا أنفسهم في مأزق حقيقي، معبرين لصحيفتنا “الحرية” عن استيائهم من القرار الذي يمنعهم من مزاولة مهنتهم بحرية.
حيث أكدوا أنهم يعيشون ظروفاً اقتصادية صعبة، وليس لهم ملجأ سوى البحر والشباك، منتقدين اقتصار تطبيق القرار على ميناء جبلة دون غيره من الموانئ السورية كـ( بانياس، اللاذقية، وطرطوس )، حيث لا يزال الصيد بالشباك مسموحاً.
الأسباب والآثار المحتملة للقرار
يُعد قرار منع استخدام الشباك في صيد الأسماك بميناء جبلة خطوة تحتاج دراسة، خصوصاً في ظل استمرار السماح بهذا النوع من الصيد في مناطق ساحلية أخرى، ووفقاً لبعض المصادر، فإن الدافع وراء القرار يعود إلى مخاوف من الصيد الجائر وتأثير الشباك على الثروة السمكية، لكن الصيادين يطرحون سؤالاً مشروعاً: هل أُخذت خصوصية البيئة الجبلة البحرية بعين الاعتبار؟
ويشير الصيادون إلى أن تضاريس قاع البحر في جبلة الرملية تحتضن أنواعاً محددة من الأسماك الصغيرة، مثل “سلطان إبراهيم ، غبس” التي لا يتجاوز طولها 15 سنتيمتراً والتي تُعد مصدر رزق أساسياً لهم، مبيّنين أن مقارنة جبلة بغيرها من المناطق الساحلية في تطبيق هذا القرار تُعد مجحفة ولا تنصف واقعهم.
كما عبّر الصيادون أنفسهم عن مخاوفهم من التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية ، مؤكدين أن كثيراً منهم يعتمد بشكل كامل على الصيد بالشباك كمصدر دخل وحيد، ومع حرمانهم من هذه الوسيلة، يواجهون خطر فقدان عملهم وتدهور أوضاعهم المعيشية، ما يهدد استقرارهم الأسري ويزيد من معاناتهم الاقتصادية في ظل أوضاع معيشية صعبة أصلاً.
الجمعية تطالب بحلول مدروسة
من جانبه أكد رئيس جمعية الصيادين في جبلة سميح كوبش، أن القرار صدر عن الجهات المعنية ويقضي بمنع استخدام الشباك بشكل كامل في ميناء جبلة. لافتاً إلى وجود وعود بصدور قرارات جديدة قبل نهاية العام الجاري.
ودعا كوبش عبر صحيفتنا “الحرية” إلى ضرورة إجراء دراسة مفصلة تأخذ في الاعتبار الفروقات الطبيعية والبيئية بين جبلة وباقي المناطق الساحلية، موضحاً أن طبيعة البحر في جبلة رملية، ما يجعلها بيئة مختلفة تمامًا عن بقية الشواطئ السورية، ويتطلب دراسات خاصة لا تُطبق بشكل موحد.
البحر مصدر رزقهم الوحيد
يبقى منع الصيد بالشباك في جبلة موضع جدل واسع بين الصيادين والجهات المعنية. وبينما يطالب الصيادون بإعادة النظر في القرار وفق دراسات علمية تراعي خصوصية منطقتهم، تتواصل الجهود لتعديله أو إلغائه.
فالبحر ليس مجرد مصدر للرزق(لصيادي جبلة) بل هو نمط حياة وتاريخ عريق، وجزء من هويتهم وكرامتهم. من دون دعم فعلي من الجهات المختصة قد يواجه هؤلاء الصيادون مستقبلاً قاتماً، في ظل ظروف معيشية تهدد بإفقارهم وطمس مهنة الأجداد التي صمدت لعقود في وجه العواصف.