الحرية -رشا عيسى:
يُمثل إعداد مشروع التعليمات التنفيذية لقانون المصارف الاستثمارية رقم 56 لعام 2010، كما أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي الدكتور عبد القادر الحصرية خطوة حاسمة في تطوير المنظومة المالية السورية، خاصة في سياق “سوريا الجديدة” التي تسعى لإعادة الإعمار وجذب الاستثمارات بعد التحول السياسي.
هذه المراجعة تأتي بعد تأخير طويل للقانون (أكثر من 15 عاماً دون تنفيذ كامل)، وتهدف إلى تنظيم عمل المصارف الاستثمارية كمؤسسات مالية متخصصة في تمويل الأنشطة الاستثمارية للقطاع الخاص، و مساهمة في مشروعات القطاع العام، وتقديم خدمات استشارية، ومشاركة في تأسيس الشركات، مع حد أدنى لرأس المال يبلغ 20 مليار ليرة سورية، وإمكانية مساهمة أجنبية تصل إلى 49%.
وتكمن أهميتها في تعزيز الشفافية والمساءلة، ما يمهد لبناء اقتصاد حديث يعتمد على الاستثمار المالي، ويحول سوريا إلى مركز مالي إقليمي، خاصة مع رفع جزئي للعقوبات الذي سمح بالوصول إلى نظام (SWIFT) وجذب مصارف عربية وأجنبية مهتمة بدخول السوق، كما يؤكد الخبير في السياسات والاستراتيجيات الاقتصادية والإدارية الدكتور هشام خياط لـ”الحرية”.
خياط: تحسين الحوكمة وجذب استثمارات أجنبية تدريجياً في سياق سوريا الجديدة
انعكاسات استثمارية واقتصادية
ويشرح خياط انعكاس القانون على الواقع الاستثماري والاقتصادي، من الناحية الاستثمارية يتيح القانون منح تراخيص لمصارف استثمارية جديدة تمويلًا مباشرًا لمشاريع الإعادة الإعمار (التي تقدر تكلفتها بـ250-400 مليار دولار)، مثل فتح حسابات استثمار لصناديق التقاعد والنقابات، وأنشطة الوساطة المالية عبر شركات تابعة، ما يزيد الثقة لدى المستثمرين المحليين والأجانب، ويقلل المخاطر المرتبطة بالاقتصاد الحربي السابق، وهذا يعزز تدفق رؤوس الأموال، خاصة مع اهتمام مصارف عربية بفرص إعادة الإعمار، ويربط بين القطاع المصرفي والاستثمار الخارجي، ما قد يرفع النمو الاقتصادي إلى 5-7% سنويًا إذا تم التطبيق الفعال.
ومن الناحية الاقتصادية، يساهم في التنمية المستدامة من خلال دعم الاقتصاد السوقي، وتقليل الاعتماد على المصارف التقليدية (التي تعاني من تحديات مثل السيولة المنخفضة)، وتفعيل دور القطاع الخاص في تمويل التنمية، ما يحسن القدرة التنافسية ويقلل الفقر (الذي يصيب 90% من السكان) ومع ذلك، قد يواجه تحديات مثل المخاطر الاقتصادية الحالية إذا لم يُرافق بإصلاحات رقابية صارمة، كما في الاقتصادات الانتقالية حيث يؤدي التأخير في التنفيذ إلى فقدان الثقة.
خياط: التركيز لجعله أكثر مرونة رفع سقف المساهمة الأجنبية مع ضمانات قانونية
هل القانون ملائم لـ “سوريا الجديدة”؟
وحول ملاءمة القانون القائم لـ”سوريا الجديدة” يرى خياط أن القانون رقم 56 لعام 2010 يحتوي نسبياً على نصوص عامة تسمح بتوسيع التعليمات التنفيذية لتواكب المتغيرات الحالية مثل رفع العقوبات، والحاجة إلى ربط سويفت، ما يجعله أساساً مناسباً للانتقال نحو اقتصاد السوق، ومع ذلك هو غير ملائم تماماً لـ”سوريا الجديدة” بسبب عدم تنفيذه السابق، ما أدى إلى غياب مصارف استثمارية فعلية، وقيوده على المساهمة الأجنبية (49%) التي قد لا تكفي لجذب استثمارات كبرى في ظل الدمار الاقتصادي.
في الاقتصادات الانتقالية، يحتاج مثل هذا القانون إلى تحديث ليشمل رقابة على المخاطر الجيوسياسية، والرقابة على الامتثال الدولي، كما في تجارب ما بعد الأزمات المالية العالمية، حيث أدت الإصلاحات التنظيمية إلى تعزيز الاستقرار وفقاً لخياط، كما يمكن تعديله ليتوافق مع قوانين الاستثمار الجديدة (مثل المرسوم 114/2025 الذي يعزز الحوافز)، لكن التركيز يجب أن يكون على جعله أكثر مرونة لدعم التمويل الأخضر والرقمي.
ويقدم خياط نصائح استشارية للقائمين على عمليات المراجعة بناءً على التجارب العالمية ويقول: في الاقتصادات ما بعد النزاع (مثل رواندا أو أفغانستان)، أو بعد الأزمات المالية (مثل الولايات المتحدة بعد 2008)، نجحت الإصلاحات التنظيمية في جذب الاستثمارات عبر التركيز على الشفافية والحماية.
نصائح استشارية
وتشمل النصائح الاستشارية عدة جوانب:
1- تعزيز الرقابة والحوكمة واستلهام من ( بازل III ) لفرض معايير رأس مال أعلى وإدارة مخاطر السيولة، مع آليات رقابة مستقلة لمنع الفساد، كما في الاتحاد الأوروبي حيث أدى التنسيق الإقليمي إلى تقليل المخاطر الجيوسياسية. وفي الاقتصاد، “بازل” تشير إلى لجنة بازل (Basel Committee on Banking Supervision)، وهي لجنة دولية تضم منظمين مصرفيين من دول عديدة، هدفها وضع معايير تنظيمية عالمية للبنوك، وأشهر قراراتها تشمل اتفاقيات بازل (بازل 1، بازل 2، وبازل 3) التي تحكم متطلبات رأس المال الذي يجب أن تملكه البنوك، لإدارة المخاطر مثل مخاطر الائتمان، مخاطر السوق ومخاطر السيولة.
2- جذب الاستثمار الأجنبي المحدود ورفع سقف المساهمة الأجنبية تدريجياً مع ضمانات قانونية لتحويل الأرباح، مستوحى من تجارب الاقتصادات الناشئة حيث زاد الاستثمار الأجنبي المباشر ( FDI) في القطاع المصرفي بنسبة 20-30% بعد الإصلاحات.
3- دمج التكنولوجيا والاستدامة و إدراج “صناديق تنظيمية” (regulatory sandboxes) للابتكارات المالية الرقمية، كما في تايلاند أو سنغافورة، لتسريع التمويل الأخضر في إعادة الإعمار، مع التركيز على حماية المستهلكين من خلال تعليمات واضحة للشفافية.
4- التكامل مع الإصلاحات الأوسع و ربط التعليمات بقوانين الاستثمار الجديدة ورفع العقوبات، مع استشارات دولية من( IMF) أو البنك الدولي لتجنب الأخطاء في الاقتصادات الانتقالية، حيث فشلت الإصلاحات الجزئية في بناء ثقة مستدامة.
اقرأ أيضاً: