رواية قيامة جميلة لأديب حسن .. الحب الأبدي بين الأسطورة والواقع

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية- أحمد عساف:

رواية قيامة جميلة، هي الرواية الثانية للدكتور السوري الشاعر والروائي أديب حسن, بعد روايته الأولى الخزّاف الطائش. حاصد أهم الجوائز العربية في مشروعه الشعري المهم، ينجح هنا في مشروع الرواية المتميز، حيث يكتب حسن روايته وفق رؤيته ورؤاه غير آبهٍ بما سيقوله النقاد عن تجربته الروائية. وهذا سرُّ نجاح وتميز.
في روايته الموسومة بـ(قيامة جميلة.) والعنوان الفرعي (الجبال في حلم التقائها بين قسنطينة والجوديّ)، يتحدث عن قصة حب مختلفة كثيراً عما قرأناه من روايات الحب، إذ يلتقي الشاب السوري (جان)، والشابة الجزائرية (جميلة) في شركة في بلدٍ لم يرد اسمه. نجَوَا من حروب مدمرة في بلديهما، ويجدان صعوبات في التأقلم مع أجواء ومناخات غريبة عليهما خارج حدود بلديهما. يشتغل الحسن أديب على مسروده هذا بلغة شعرية خاصة، من دون أن يسمح لمسروده ولا لأبطال روايته الاتكاء على اللغة كحامل لمتن مسروده الروائي.

سحر الأسطورة

لكنه منذ البداية يضعنا وجهاً لوجه أمام الأسطورة التي تشكل المتن الروائي والحامل للعب على سحر الأسطورة وإسقاطاتها، سنجد جبل الجوديّ وجزيرة بوطان، مروراً على أسطورة قصة الحب الخالدة (مم وزين), يضعنا السارد أمام الأسطورة :” مولاي يا سيدي مسيّد ..جميلة لم تكن خاطراً يراودني وأنا أعزف على مزماري أغنية بائع السلال الفقير الذي كان يسعى على رزقه بين أزقة جزيرة بوطان ..لم تكن الأميرة تشغل ولو حيزاً صغيراً ينافس حيز الرغيف.. لم تكن جميلة في مدى سفوح الجودي إلى اللحظة التي استيقظ فيها من تلك الرؤيا لا مذعوراً، بل ملهوفاً ومدفوعاً بكل ذرة في روحه نحو تلك المغامرة” ص10
وعن الأسطورة في الرواية يقول صاحب (الخزاف الطائش)،: “لقد كانت الأسطورة في الرواية مرادفة للأمل، ولفكرة الإصرار والسعي خلف الحلم مهما بدا غير ممكن وبعيد المنال، وفي روايتي كان الحب هو من بدأ الأسطورة وجعل الترادف ممكناً بين رحلة الرجل العارف سيدي مسيد من الصحراء الأفريقية إلى جبال قسنطينة المتداخلة والمتواقتة مع رحلة جان إلى لقاء جميلة”.
جان شاب: ليس بطلاً تقليدياً، بل بطل تراجيدي. حبه لجميلة يتجاوز كونه عاطفة ليصبح هوساً وجودياً. هو شخصية “ملعونة” بمصير أسطوري، تحاول مقاومة قدرها ولكنها تسقط فيه. هذا يجعل منه شخصية عميقة ومؤثرة، تجسد فكرة أن الحب القوي يمكن أن يكون مصدر ألم عظيم وجنون، وليس سعادة فقط.
” هل سيكون المجنون الأول الذي ستسجل المدينة باسمه، وهو يقضي نهاراته كلها باحثاً عن جميلة صاحبة اليد الدامية”؟ ص114 –
جميلة: تبقى شخصية غامضة، أشبه بفكرة أو رمز أكثر منها إنسانةً من لحم ودم. هذا متعمد، فهي تمثل “الموضوع المتعذر” الذي يطارده البطل، وهي التجسيد للجمال المطلق الذي لا يمكن امتلاكه أو الاحتفاظ به في هذا العالم. وجودها الطيفي هو محرك المأساة بأكملها.
” جميلة العرافة المرسلة من الغيب لتمتحن الإنسان المحبوس داخله، لتطلق المسرّات الصغيرة من أقفاصها.. ومستودع القيامات .. آه يا سيدي مسيّد” ص 115 –

ميزة جميلة ولافتة بتوظيف تقطيع فصول الرواية إلى عنوانات، هذا التقطيع الذي ينحو نحو الفانتازيا المتعمدة وبجمالية.
شرفة على البحر. اليوم الأول ، متاهة العطر، سوناتا الجسد ص70 نافذة على الجحيم، مجنون جميلة 112 – ” حيث تنتهي متاهة الأبواب إلى جنون اللحظة ص 60-

شخصياً استرحت إلى هذا التقطيع الذي لم يقطع أوصال الرواية بل على العكس تماماً. أضاف بعداً جمالياً يضاف إلى جماليات هذه القيامة الجميلة. نجح الروائي في التكثيف بالسرد، الاختزال في بنية الحوار، ومحاولة الإفلات من غواية السرد لمنع روايته من الترهل ومن فائض السرد عبر انزياحات لغوية.

بين الحب العذري والوجودية

رواية “قيامة جميلة” هي عمل روائي يمزج بين الواقع والأسطورة، بين الحب العذري والوجودية، بين التفاصيل اليومية لمدن دمرتها الحروب ، إلى عوالم وسحر الأساطير الشرقية. إنها ليست مجرد قصة حب تقليدية، بل تأمل عميق في معنى الحب، المعاناة، والخلاص عبر قالب أسطوري مأساوي عذب. اللمحة الذكية من أديب حسن تجلت في نقل هذه المأساة الكونية وتجسيدها بقصة حب شرقية، من أعالي الأحلام إلى أرصفة الحياة.
الأمكنة ليست مجرد ديكور، بل هي شاهد على الحكاية، تحمل في طياتها تاريخاً من الحكايات والأساطير الخاصة بها، وتنصهر مع الأسطورة الشرقية، جبل الجودي وجزيرة بوطان، وأسطورة الحب الخالد مم وزين ومعالم قسنطينة.

استعارة القيامة

لربما هي القيامة أو النزول إلى العالم السفلي، الذي هو استعارة للبحث عنها في متاهات الذاكرة، الحلم، الجنون، وربما الموت نفسه. وربما البحث عن المعنى في الرحلة إلى العالم السفلي التي قد تكون استعارة للبحث داخل الذات، عن ذكريات مفقودة، وعن معنى للوجود في عالم قاسٍ. أو البحث عن الحب المطلق والفقدان عبر استكشاف لفكرة أنّ الحب الحقيقي قد يكون مرتبطاً بالألم والفقدان بشكل لا ينفصم.
” المجهول هو الجانب الطاغي من رحلة الإنسان القصيرة، ما لا نعرفه أكثر مما يتبجح العلماء والعارفون بالإحاطة به،..” –” الموت يا جميلة هو أن تعيشا أنت وجان في مدينة واحدة من دون أن يعرف إليك سبيلًا، ومن دون أن يعرف شيئاً من كمشة الأسرار التي اخذتها معك إلى عزلتك العجولة، وغيبتك الطويلة” ص 141
” جاء النداء الذي زلزل المنام: كي تصل وتشهد قيامة (جميلة) لابد أن تتحول إلى نسر..”.

رواية قيامة جميلة . د. أديب حسن. الطبعة الأولى – دار موزاييك – 2024 -175صفحة قطع متوسط.

Leave a Comment
آخر الأخبار