الحرية – باديه الونوس
في خطوة تاريخية طال انتظارها، تم الإعلان أخيرًا عن قرار إلغاء “قانون قيصر”، وهو قرار يحمل في طياته أبعاداً سياسية واقتصادية هامة، إذ أقر مجلس الشيوخ الأمريكي إلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب هذا القانون، ومن المتوقع أن يقر الكونغرس هذا القرار خلال التصويت على موازنة وزارة الدفاع، وعن أهمية هذا القرار وأبعاده وانعكاساته، يؤكد الدكتور والباحث المصرفي إبراهيم قوشجي لـ”الحرية” أن هذا التغيير ليس مجرد إجراء قانوني عادي، بل يمثل نقطة تحول استراتيجية قد تعيد تشكيل المشهد الاقتصادي السوري، وتفتح آفاقاً جديدة للتعافي والانفتاح على فرص مستقبلية.
د.قوشجي: مرحلة جديدة من التعافي والانفتاح
من الحصار إلى الانفتاح..
عن انعكاسات هذا القرار، يرى د.قوشجي أن عقوبات “قيصر” شكّلت منذ إقرارها في عام 2019 قيدًا خانقًا على الاقتصاد السوري، إذ عطّلت حركة التجارة، وقيّدت التحويلات المالية، وأثقلت كاهل القطاعات الإنتاجية والخدمية، ومع إلغاء هذه العقوبات، يُتوقع أن تشهد سوريا:
– تحرراً تدريجيًا للقطاعات الاقتصادية من القيود المفروضة، ما يتيح لها استعادة نشاطها الطبيعي.
– ارتفاعاً في التبادلات التجارية والمصرفية النظامية، بما يحدّ من الاعتماد على الاقتصاد غير الرسمي ويقلّص من حجم قطاع الظل.
– تحفيزاً للاستثمار الأجنبي والمحلي، خاصة في قطاعات البنية التحتية، الطاقة، والزراعة، التي عانت من شلل شبه كامل خلال سنوات الحصار.
التحدي الأكبر: من رفع العقوبات إلى بناء اقتصاد جاذب
لكن الانفتاح وحده لا يكفي، فرفع العقوبات لا يعني تلقائياً انتعاشاً اقتصادياً، بل يضع الكرة في ملعب الحكومة السورية، التي تتحمل مسؤولية تاريخية في رسم سياسة اقتصادية جديدة، تتسم بالواقعية، والمرونة، والقدرة على استيعاب المتغيرات التي تتمحور أولاً في إعادة هيكلة السياسة الاقتصادية من خلال دعم :
– تحول من الاقتصاد الريعي إلى الإنتاجي: يجب أن يكون التركيز على دعم القطاعات الإنتاجية، لا سيما الزراعة والصناعة، لتقليل الاعتماد على المساعدات والتحويلات.
– تحفيز القطاع الخاص: عبر إزالة العوائق البيروقراطية، وتوفير بيئة قانونية وتشريعية مستقرة، وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
ثانياًـ تطوير الأدوات المالية والنقدية وذلك من خلال :
– إصلاح السياسة النقدية: يتطلب الأمر تعزيز استقلالية المصرف المركزي، وضبط التضخم، واستقرار سعر الصرف.
– إعادة هيكلة النظام المصرفي: من خلال تحديث البنية التحتية المالية، وتوسيع نطاق الشمول المالي، وتسهيل الوصول إلى التمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
ثالثاًـ بناء بنية تشريعية جاذبة للاستثمار و هذا يتطلب:
– إصدار قوانين استثمار حديثة تضمن الشفافية، وتحمي حقوق المستثمرين، وتوفر حوافز ضريبية وجمركية.
– تعزيز القضاء التجاري لضمان سرعة البت في النزاعات، وبناء ثقة المستثمرين في بيئة الأعمال.
من الظل إلى النور: ضمور الاقتصاد غير الرسمي
وأضاف د. قوشجي أنه مع تحسن البيئة الاقتصادية وعودة القنوات الرسمية للعمل، من المتوقع أن يتراجع الاقتصاد غير الرسمي تدريجياً، ما يحقق:
– زيادة في الإيرادات الضريبية للدولة، ما يتيح تمويل الخدمات العامة.
– تحسين ظروف العمل من خلال دمج العمالة غير النظامية في الاقتصاد الرسمي.
– تعزيز الشفافية والمساءلة، وهو ما يشكل ركيزة أساسية في بناء الثقة بين الدولة والمجتمع.
بداية الطريق
وختم الخبير الاقتصادي والمصرفي د.قوشجي بقوله: إن إلغاء عقوبات “قيصر” ليس نهاية الطريق، بل بدايته، فبينما يُشكّل هذا القرار فرصة ذهبية لإعادة بناء الاقتصاد السوري، تبقى المسؤولية الكبرى على عاتق الحكومة السورية في استثمار هذه اللحظة التاريخية.. المطلوب اليوم ليس فقط تحرير الاقتصاد من القيود الخارجية، بل تحريره من الداخل من الفساد، والبيروقراطية، والتشريعات المقيدة، نحو اقتصاد حر، شفاف، ومنفتح، يُعيد الأمل ويؤسس لنهضة تنموية شاملة.