قمة شرم الشيخ: تحول حقيقي في هندسة السلام أم إعادة إنتاج لخطابات مألوفة؟

مدة القراءة 7 دقيقة/دقائق

الحرية – أمين سليم الدريوسي:

تتجه الأنظار غداً إلى مدينة شرم الشيخ، حيث تنعقد قمة دولية غير مسبوقة برئاسة مشتركة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والأميركي دونالد ترامب، وبمشاركة قادة أكثر من عشرين دولة. القمة التي تحمل عنوان “قمة شرم الشيخ للسلام” تأتي في ظل تصاعد الحرب في قطاع غزة وتراجع الثقة في المبادرات الدولية التقليدية.
وقد أعلن خلال التحضيرات عن التوصل إلى اتفاق أولي لوقف إطلاق النار، استناداً إلى خطة ترامب للسلام، يتضمن ترتيبات إنسانية عاجلة، والإفراج عن محتجزين، والشروع في إعادة إعمار غزة بتمويل دولي واسع.
وبينما تُرفع شعارات السلام والاستقرار، تبرز تساؤلات جوهرية حول جدية الأطراف، طبيعة التمثيل، ومآلات هذه القمة على مستقبل المنطقة: هل نحن أمام تحول حقيقي في هندسة السلام، أم مجرد إعادة إنتاج لخطابات مألوفة؟

شرم الشيخ.. رمزية المكان ودلالات التوقيت

يأتي انعقاد القمة في لحظة حرجة من التصعيد العسكري في غزة، حيث تجاوز عدد الضحايا المدنيين الآلاف وسط تحذيرات أممية من انهيار إنساني شامل، أما اختيار شرم الشيخ كموقع للقمة فيحمل رمزية سياسية واضحة، إذ لطالما ارتبطت المدينة بمؤتمرات السلام منذ اتفاقية كامب ديفيد، وتُعد منصة آمنة ومحايدة نسبياً بعيداً عن العواصم المتورطة مباشرة في النزاع.
كما أن توقيت القمة يعكس محاولة لاحتواء الأزمة قبل أن تتفاقم، ويمنح الأطراف الدولية فرصة لإعادة ضبط المسار الدبلوماسي، الموقع بدوره يتيح بيئة مناسبة للحوار بعيداً عن الضغوط الإعلامية والسياسية المباشرة، ما يعزز فرص التوصل إلى تفاهمات أولية.

قيادة مزدوجة.. بين الوساطة المصرية والحضور الأميركي

تعكس الرئاسة المشتركة بين السيسي وترامب توزيعاً محسوباً للأدوار، فالقاهرة تسعى لتثبيت مكانتها كوسيط لا غنى عنه يمتلك مفاتيح المعابر والاتصالات الأمنية، فيما يحاول ترامب إعادة صياغة حضور أميركي قادر على إدارة التحالفات والضغوط دون انخراط مباشر في تفاصيل تفاوضية مرهقة، هذه الصيغة تمنح القمة غطاءً مزدوجاً، شرعية إقليمية عبر مصر، وقوة دفع دولية عبر واشنطن، لكنها تخلق أيضاً فجوة توقعات بين منطق «الإدارة الأمنية للأزمة» ومنطق “الحل السياسي الشامل».
على مستوى الرمزية، تُقرأ الرئاسة المشتركة كرسالة بأن مسار غزة لن يُحسم بمعزل عن مظلة دولية توافقية، عملياً، يتوقف وزن هذه الرئاسة على ثلاثة محددات، قدرة القاهرة على انتزاع تنازلات عملية «هدن، ممرات إنسانية، ترتيبات أمنية»، استعداد البيت الأبيض لتحويل الخطاب إلى أدوات ضغط، ووجود آلية متابعة تتجاوز البيانات نحو خطوات قابلة للقياس.
التحدي الأبرز يكمن في إدارة التباين بين حسابات مصر الأمنية وضغوط واشنطن الداخلية، فإذا تحوّل هذا التباين إلى تكامل وظيفي ستنتقل القمة من إطار استعراضي إلى منصة التزامات، أما إذا بقيت الفجوات دون أدوات تنفيذ فستتكرر معادلة الصور القوية والنتائج الهشة.

أهداف كبرى تصطدم بغياب الأطراف المباشرة

وتبدو الأهداف المعلنة للقمة طموحة إلى حد بعيد، إذ ترفع شعار «إنهاء الحرب في غزة» و«تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط»، وهي عناوين كبرى تتجاوز مجرد وقف إطلاق النار لتلامس إعادة صياغة المشهد الإقليمي برمته، غير أن غياب الأطراف المتنازعة المباشرة عن الطاولة، مثل الحكومة الإسرائيلية وحركة حماس، يضع علامات استفهام حول مدى قدرة القمة على التحول من منصة خطابية إلى أداة فعلية للتغيير، فالتجارب السابقة أثبتت أن أي مبادرة لا تتضمن مشاركة الأطراف الفاعلة على الأرض تبقى عرضة للتآكل السريع.
النائبة إيلاريا حارص، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري، اعتبرت أن القمة «تمثل فرصة حقيقية لتوحيد الجهود الدولية لإنهاء الصراع في غزة وفتح صفحة جديدة من التعاون والسلام»، مشيرة إلى أن مصر «تؤدي دوراً محورياً في الدفع بعملية السلام، مستفيدة من مكانتها الدبلوماسية والثقة الدولية التي تحظى بها».
والتحدي الحقيقي يكمن في ترجمة الطموحات إلى خطوات عملية، مثل التوصل إلى هدنة قابلة للاستمرار أو وضع آليات لمراقبة الالتزامات، بما يفتح الباب أمام مسار سياسي أوسع وأكثر شمولية.
وفي هذا السياق، أُعلن عن اتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار الذي جاء استناداً إلى خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام، حيث تضمن الاتفاق وقفاً فورياً للأعمال العسكرية، والإفراج عن محتجزين، وبدء ترتيبات لإعادة إعمار غزة بمشاركة دولية واسعة. وقد دخلت المرحلة الأولى من الاتفاق حيز التنفيذ بعد مصادقة الحكومة الإسرائيلية، برعاية مصرية ـ أميركية ـ قطرية، وبمتابعة من الأمم المتحدة، ما اعتُبر خطوة عملية تمنح القمة بعداً تنفيذياً يتجاوز البيانات التقليدية.”

مواقف متباينة وردود فعل متحفظة

وتكشف ردود الفعل الأولية على القمة عن تباين واضح في المواقف الإقليمية والدولية، فبينما رحبت السلطة الفلسطينية بها واعتبرتها خطوة إيجابية نحو وقف العدوان، التزمت «إسرائيل» وحركة حماس الصمت، وهو ما يعكس إما تحفظاً على صيغة القمة أو انتظاراً لنتائجها قبل اتخاذ موقف رسمي. هذا الغياب قد يضعف من وزن القرارات المحتملة، لكنه في الوقت نفسه يمنح القمة طابعاً استكشافياً أكثر منه تفاوضياً مباشراً.
على الجانب الآخر، عبّرت إيران وتركيا عن شكوكهما في جدوى القمة، معتبرتين أنها تفتقر إلى التوازن في تمثيل الأطراف، وهو ما يعكس مخاوف من أن تتحول إلى منصة لإعادة إنتاج الرؤية الأميركية ـ المصرية دون معالجة جذور الأزمة.
في المقابل، قد ترى بعض الدول الأوروبية في القمة فرصة لإعادة إحياء دورها الدبلوماسي في المنطقة. هذه التباينات تجعل من مخرجات القمة رهينة بقدرتها على تجاوز الانقسامات وإقناع الأطراف المترددة بأن المشاركة قد تفتح آفاقاً جديدة للحل.

السيناريوهات المحتملة

قصارى القول إن مآلات قمة شرم الشيخ تتوزع بين عدة مسارات متباينة، فمن جهة، قد تحقق نجاحاً جزئياً يتمثل في إعلان هدنة إنسانية أو فتح قنوات اتصال غير مباشرة بين الأطراف، وهو ما يمنحها قيمة عملية ولو محدودة، ومن جهة أخرى، قد تنتهي إلى مجرد بيانات سياسية تعيد إنتاج اللقاءات الرمزية السابقة دون أثر ملموس على الأرض، ما يعزز حالة الإحباط الشعبي والإقليمي، كما يظل احتمال أن تمهّد القمة لمؤتمر دولي أوسع قائماً، خاصة إذا ما نجحت في خلق أرضية مشتركة بين القوى الكبرى.
في المقابل، فإن فشلها قد يفاقم الانقسام الإقليمي ويضعف الثقة بالدبلوماسية متعددة الأطراف، ولكن في النهاية، تمثل القمة اختباراً حقيقياً لقدرة المجتمع الدولي على تحويل الطموحات إلى خطوات عملية، وبناء مسار سياسي يوازن بين ضرورات الأمن ومتطلبات العدالة، بعيداً عن الاكتفاء بالشعارات.

Leave a Comment
آخر الأخبار