الحرّية- هبا علي أحمد:
أصدرت وزارة الاقتصاد والصناعة قراراً يُلزم المنتجين والمستوردين بتدوين السعر النهائي للمستهلك على المنتجات، في محاولة لتعزيز الشفافية في السوق وحماية المواطنين من الغبن السعري.
حماية المستهلك توضح
في السياق أكد مدير مديرية حماية المستهلك في الإدارة العامة للتجارة الداخلية وحماية المستهلك،حسن الشوا، أن الوزارة لا تتدخل بتسعير السلع، ولم تحدد نسبة هوامش الأرباح بكافة حلقات الوساطة التجارية، تاركة موضوع التسعير للتجار والمنتجين بناء على مبدأ المنافسة، شريطة الإعلان عن السعر.
الوزارة لا تتدخل بتسعير السلع ولم تحدد نسبة هوامش الأرباح تاركة موضوع التسعير للتجار والمنتجين
..لذلك فإن المُنتُج المستورد يتم دراسة تكاليف إنتاجه ويضع المستورد السعر بناء على تكاليف الإنتاج وكافة المؤثرات مثل التخزين والتحميل و الشحن والتوزيع، والنقطة الأساسية هي الإعلان عن السعر وليس تحديد السعر أو تحديد هوامش الربح، وهي حق للمستهلك بأن يكون سعر كل مُنتُج واضحاً بالنسبة له.
وأوضح الشوا في تصريح لـ«الحرّية» أن المخالفة على موضوع عدم وضع السعر موجودة سابقاً قبل صدور القرار، حتى بلغ عدد المخالفات السابقة 11108 مخالفات، لافتاً إلى أن ما استجد في القرار مشاركة المسؤولية مع شركائنا الحقيقيين بالنسبة لحماية المستهلك من حيث جودة المنتج والمنافسة، أي هم المنتجون والمستوردون بما ينعكس إيجاباً على السوق.
قيمة مُضافة
وبيّن الشوا أن حماية المستهلك هي قيمة تُضاف للسوق وتؤدي لاستقراره وتحسين سمعة المنتجات في السوق، ولاسيما أن الفترة السابقة شهدت انعدام ثقة بالمنتجات الموجودة في السوق بالنسبة للمستهلك، وكذلك تفاوت الأسعار وهذا التفاوت كبير قد يصل إلى 50 %، أما تذبذب سعر الصرف في كل الفترات السابقة كان لا يتجاوز 2% بينما الفروقات على أسعار المواد قد تكون 50 % بالنسبة للمستهلك.
وجود سعر واضح على المُنتَج يُساعد المستهلك في تسعير حاجاته ويمنح الجهات الرقابية أداة لضبط السوق لكنه لا يعالج التضخم
وحول التحدّيات الموجودة، يرى المدير الشوا أنه من المتوقع أن تتحول إلى قصص نجاح وفرص بالنسبة للمنتجين والمستوردين لجهة الشفافية وترك الخيار للمستهلك لاتخاذ القرار بشراء المنتج، وهذا يساعد في تعزيز الشفافية في السوق وتحفيز الاستثمارات المحلية والمنافسة الصحية، لأنه في فترة ما بعد التحرير لاحظنا وجود العديد من السلع المخالفة للمواصفات القانونية السورية، ومن خلال تحليل العينات تبين أنها منتجات مخالفة، وعند الإعلان عن السعر سيتم ترك مجال للمنافسة في الجودة، ما سيحسن من جودة المنتجات المطروحة في السوق.
سابقاً لم يكن المُنتِج أو المستورد ملزماً بوضع السعر على المُنتُج، وهذه المسؤولية كانت ملقاة على عاتق بائع المفرق فقط، أما حالياً هناك تحديات يعمل القائمون على إزالتها بسبب هذا القرار، وهو أمر ليس سهلاً، لكن إعادة سمعة المُنتًج المحلي الذي كان له مكانته في السوق المحلية والدولية حتى العودة لهذه المرحلة تحتاج إلى جهد كبير
ونوّه الشوا إبأن المستوردين والمنتجين يعانون من تذبذب سعر الصرف والمرحلة التي يتم فيها الإعلان عن السعر يعني أن المستورد يمكن أن يأخذ فترة طويلة لإيصال البضاعة إلى السوق، ويمكن أن يحدث في هذه الفترة تغير في سعر التكلفة، لافتاً إلى أن الوزارة لم تحدد المرحلة التي يجب فيها وضع السعر، لكن يجب عند عرض المُنتَج للبيع أن يكون هناك إعلان عن سعر المنتج ممكن بلصاقة أو بطباعة أو ببطاقة البيع.
القرار يُقلّص من التفاوت السعري بين تجار المفرق لكنه لا يمنعهم من تقديم عروض ترويجية ما يُحوّل المنافسة من السعر إلى عناصر أخرى
..وعن التعامل مع سوق التصدير ، لفت إلى أن في السوق المحلية سيختلف سعر المنتجات عن سوق التصدير، وفي سوق التصدير ملزمون بوضع السعر حسب سياسات الدول التي يتم تصدير المُنتًج إليها فإن ذلك سيذكر في بطاقة البيان للمنتج لأن بطاقة البيان للمنتج المحلي تختلف عن بطاقة البيان للمنتج المستورد.
وشدد المسؤول على أن القرار لا يعني العودة إلى سياسة تسعير السلع، مؤكداً أن آلية السوق الحر هي الأساس، وأن موضوع الإعلان عن السعر حق المستهلك.
قراءة في قرار التسعير
ورغم أهمية هذه الخطوة من حيث الشكل، يرى الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي أن فعاليتها تبقى محدودة في ظل بيئة اقتصادية غير مستقرة، تفتقر إلى آليات السوق الحرة والمنافسة العادلة.
وأوضح الخبير الاقتصادي في تصريح لـ «الحرّية» أن ما سبق ذكره يعود إلى أن السوق السورية لا تزال بعيدة عن النموذج التنافسي، حيث تهيمن عليها الشركات العائلية والمؤسسات الفردية التي تفتقر إلى معايير الحوكمة والرشاد الاقتصادي.
كما إن أساليب التجارة الداخلية ما زالت تقليدية، وتُظهر ضعفاً في التنظيم والرقابة، ما ينعكس سلباً على المستهلكين الذين يواجهون استغلالاً في الأسعار وتفاوتاً غير مبرر بين نقاط البيع.
ولفت الدكتور قوشجي إلى أن تحديد السعر النهائي على المُنتَج، وإن كان خطوة نحو حماية المستهلك، لا يضمن التوازن السعري ولا يمنع التلاعب، وخاصة في ظل ارتباط الأسعار المباشر بتقلبات سعر صرف الليرة السورية.
فمعظم المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج مستوردة، ما يجعل تكلفة المُنتَج عرضة للتغيّر المستمر، ويصعّب على المنتجين والمستوردين تثبيت سعر نهائي مطبوع على العبوة.
مقترحات لآلية تحديد السعر
في هذا السياق، يصبح من الضروري تبعاً للخبير الاقتصادي أن يتبع المُنتِج آلية دقيقة لتحديد السعر النهائي، تشمل احتساب تكلفة الاستيراد أو الإنتاج، إضافة إلى هوامش ربح الموزع وتاجر المفرق، والرسوم والضرائب، ورغم أن القرار يسمح لتاجر المفرق بالبيع بسعر أقل من السعر المطبوع، ما يمنح هامشاً من المرونة، إلا أن هذه المرونة قد لا تكون كافية لخلق منافسة إيجابية، ما لم تُرفق بإصلاحات هيكلية في بنية السوق.
تدوين السعر النهائي على المُنتَج خطوة تنظيمية مهمة لكنها غير كافية ما لم تُدمج ضمن رؤية اقتصادية شاملة
وأشار قوشجي إلى أن وجود سعر واضح على المُنتَج يُساعد المستهلك في تسعير حاجاته، ويمنح الجهات الرقابية أداة لضبط السوق، لكنه لا يعالج التضخم المتصاعد الذي يتطلب أدوات مالية ونقدية فعالة، تبدأ بتحرير الاستثمار وتعزيز الإنتاج المحلي، بما يُسهم في دعم القوة الشرائية للمواطن واستقرار الأسعار.
تحدّيات تطبيق القرار
من جهة أخرى، تواجه الجهات الرقابية تحدّيات كبيرة في تطبيق القرار، أبرزها كما يرى قوشجي ضعف الإمكانات اللوجستية، صعوبة مراقبة الأسواق الشعبية والمناطق الريفية واحتمالية التلاعب بالفواتير أو وضع أسعار شكلية دون التزام فعلي بها.
كما إن القرار قد يُقلّص من التفاوت السعري بين تجار المفرق، لكنه لا يمنعهم من تقديم عروض ترويجية أو تحسين جودة الخدمة لجذب الزبائن، ما قد يُحوّل المنافسة من السعر إلى عناصر أخرى أكثر استدامة.
نجاح القرار
ولضمان نجاح هذا القرار وتحقيق أهدافه، يقترح قوشجي اتخاذ إجراءات مكمّلة، أبرزها: تحرير الاستثمار وتشجيع المنافسة، ودعم الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على الاستيراد، وإصلاح النظام الضريبي والجمركي لتقليل التكاليف، مع تعزيز استقلالية البنك المركزي لضبط التضخم، وتطوير البنية التحتية للرقابة التموينية.
وفي المحصلة فإن تدوين السعر النهائي على المُنتَج هو خطوة تنظيمية مهمة، لكنها لا تكفي وحدها لضمان عدالة السوق أو حماية المستهلك، ما لم تُدمج ضمن رؤية اقتصادية شاملة تعالج جذور الخلل وتُعيد التوازن إلى السوق السورية.