حين يغيب الشتاء عن الزمن

مدة القراءة 2 دقيقة/دقائق

أمين سليم الدريوسي
منذ سنوات ليست ببعيدة، صدر قرار بإلغاء التوقيت الشتوي في سوريا، قرارٌ بدا في حينه تقنياً، عابراً، لا يستحق الوقوف عنده طويلاً، لكن الحقيقة أن الزمن ليس مجرد عقارب تتحرك، بل هو نبض حياة، وإيقاع يوم، وظلال شمس تتسلل إلى الأرواح.
كنا نعتاد في الشتاء أن نؤخر الساعة ستين دقيقة، لنمنح النهار فرصة أن يسبقنا، أن يضيء لنا الطريق ونحن نغادر بيوتنا نحو المدارس، نحو العمل، نحو الحياة، أما اليوم، وبعد أن غابت تلك الميزة، بات على الطالب والموظف أن يغادر منزله في عتمة الفجر، قبل أن يفتح الصباح عينيه، وقبل أن تستيقظ الأرصفة من بردها.
الذين يسكنون بعيداً عن أماكن عملهم أو دراستهم، صاروا يخرجون في ساعات موحشة، يواجهون برداً قاسياً، وطرقات خالية، وأحياناً كلاباً ضالة، أو بشراً أكثر ضلالاً، العام الفائت، وقعت حوادث مؤلمة، بعضها لم يُروَ، وبعضها صار همساً في أروقة المدارس، عن طالبٍ تعرّض لهجوم، أو موظفةٍ خافت أن تسير وحدها في الظلام.
اليوم، يعود الحديث عن التوقيت الشتوي، لا من باب الحنين، بل من باب الحاجة، الطلاب رفعوا صوتهم، ليس طلباً للراحة، بل طلباً للأمان. يريدون أن يعود الزمن إلى طبيعته، أن يتناغم مع الشمس، لا أن يسبقها ويتركهم خلفه في العتمة.
الزمن ليس جامداً، ولا حيادياً، إنه مرآة لقراراتنا، ورفيقٌ في تفاصيل يومنا، حين نعبث به، نعبث براحتنا، بأماننا، وحتى بقدرتنا على أن نبدأ يوماً جديداً دون خوف.
إن إعادة النظر في هذا القرار لا تتطلب دراسات معقدة، بل تستند إلى واقع يومي يعيشه المواطن، ويعبّر عنه بوضوح، فهل من يسمع الصوت؟ هل من يعيد للشتاء حقه في الزمن؟ هل من يعيد للساعة عقاربها إلى الوراء ويعيد تلك الدقائق الستين التي كانت تحمينا من عتمة الطريق، ومن قسوة البرد، ومن وحشة الصباح الذي لا يشبه الصباح؟

Leave a Comment
آخر الأخبار