الإحصاء والاقتصاد… لغة واحدة لبناء سوريا المستقبل

مدة القراءة 3 دقيقة/دقائق

الحرية – هناء غانم :
تعد العلاقة بين الإحصاء والاقتصاد من العلاقات الأساسية في بناء أي سياسة اقتصادية تكافلية عميقة ، حيث يُعدّ علم الإحصاء الركيزة والبوصلة التي تقوم عليها أغلب التحليلات الاقتصادية والنماذج التنبؤية الحديثة ، فبدون بيانات دقيقة إحصائياً، تبقى النظريات الاقتصادية افتراضات مجردة لا يمكن اختبارها على أرض الواقع.
الخبير الاقتصادي الدكتور عامر خربوطلي أكد لـ “الحرية ” أهمية هذه العلاقة موضحاً أن الإحصاء هو «اللغة التي يتحدث بها الاقتصاديون»، وهو الأداة التي تمكنهم من فهم سلوك الأسواق، وتقدير مؤشرات الأداء، واتخاذ القرارات على أساس علمي ، وفي الاقتصادات الحديثة، لم تعد القرارات تبنى على الانطباعات أو التخمين، بل على بيانات كمية يتم جمعها وتحليلها بدقة، فعلم الاقتصاد القياسي، الذي يجمع بين الإحصاء والرياضيات والاقتصاد، يُستخدم اليوم لاختبار النظريات، وتقدير العلاقات الاقتصادية، وبناء التوقعات المستقبلية فعلى سبيل المثال، حين يقال إن “الاستثمار الأجنبي المباشر يسهم في تحفيز النمو الاقتصادي”، لا يكفي هذا الطرح نظرياً، بل يتطلب جمع بيانات واقعية حول الناتج المحلي الإجمالي وتدفقات الاستثمار الأجنبي في عدد من الدول ولمدة زمنية كافية، ثم إخضاعها لتحليل إحصائي يحدد ما إذا كانت هناك علاقة إيجابية ذات دلالة.

الإحصاء في صلب السياسات الاقتصادية

الإحصاء ليس أداة للبحث الأكاديمي فقط، بل يستخدم فعليًا في وضع السياسات الاقتصادية، فالنماذج الإحصائية تساعد الحكومات على التنبؤ بمعدلات التضخم والبطالة، وتحديد أسعار الفائدة، وبناء موازنات عامة واقعية، كما تعتمد عليها الدول في تصميم برامج الدعم الاجتماعي، سواء كانت سلعًا مدعومة أو تحويلات نقدية مباشرة.
بل إن أبرز مؤشرات الاقتصاد الكلي، مثل الناتج المحلي الإجمالي، ومعدل البطالة، ومعدل التضخم، تعتمد كليًا على أدوات القياس الإحصائي مثل مؤشر أسعار المستهلك ومؤشرات القوى العاملة.

أدوات إحصائية تدير الاقتصاد

وأفاد د. خربوطلي قائلاً : يلجأ الاقتصاديون إلى مجموعة أدوات إحصائية لتحليل البيانات الاقتصادية المعقدة، من أبرزها تحليل الانحدار: لقياس العلاقة بين متغيرات مثل الاستهلاك والدخل أو التضخم والفائدة.
السلاسل الزمنية: لتحليل البيانات على مدى زمني طويل، مثل /الناتج المحلي الإجمالي / الكشف عن الاتجاهات أو التغيرات الموسمية.
البيانات المقطعية: لتحليل عينة من الأفراد أو الشركات أو الدول في لحظة زمنية واحدة.
وأخيراً البيانات الطولية: وهي مزيج بين الزمان والمكان، تساعد في فهم سلوك نفس العينة عبر الزمن.

سوريا الجديدة تحتاج إلى قاعدة إحصائية حديثة

وفي سياق التحوّل نحو اقتصاد حديث، أوضح خربوطلي أن سوريا الجديدة بحاجة ماسة إلى بناء قاعدة بيانات إحصائية وطنية دقيقة، محدثة وشفافة، فمن دون هذه القاعدة، ستبقى القرارات الاقتصادية عرضة للتخمين أو التقدير غير الدقيق، ما يؤدي إلى هدر الموارد، وغياب الفعالية في السياسات العامة، مضيفاً أن ما نحتاجه اليوم هو منظومة إحصائية متكاملة، تدعم الخطط التنموية، وتوفّر للمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص مرجعية موثوقة للتحليل والتخطيط وصنع القرار.
وختاماً يدعو الدكتور خربوطلي إلى ترسيخ ثقافة الإحصاء في المؤسسات الحكومية والاقتصادية، وإلى الاستثمار في الكوادر والأنظمة التي تضمن دقة البيانات، لأنها أساس التخطيط السليم، وشرط ضروري لنجاح أي مشروع وطني.

Leave a Comment
آخر الأخبار