الحرية – وليد الزعبي:
تروي كل بقعة من حوران حكاية أثرية ترتبط بإرث تاريخي مميز، وها هي قرية الشيخ سعد الواقعة على تل يسمى باسمها، استهوت بسهولها الخصبة ومياهها الوفيرة الإنسان للسكن فيها منذ العصور القديمة، وفق ما أوضح رئيس دائرة آثار درعا الدكتور محمد خير نصر الله لـ”الحرية”، لافتاً إلى أن القرية عرفت في الفترة الكنعانية باسم قرنيم في الألف الثالثة قبل الميلاد، وفي الألف الثاني قبل الميلاد اجتاحتها الجيوش العيلامية من الشمال ودمرتها تدميراً كاملاً، وكانت تتناقل بالنفوذ في هذه الفترة بين الحثيين في الشمال والمصريين في الجنوب.
وأضاف رئيس الدائرة إنها عرفت أيضاً باسم دير أيوب، كمقر للنبي أيوب، والذي وصف بأنه ملك عشتروت (عشترة حالياً)، حيث يوجد فيها ما يعرف باسم حمّام النبي أيوب، والذي يعتقد بأن نبي الله أيوب عليه السلام قد وطئ بقدمه في هذا الموضع وخرج نبع الماء واغتسل منه فتم شفاؤه، وقد بني فوق هذا النبع ذلك الحمّام، أما في الفترة اليونانية فقد عرفت باسم لاريسا، وهو الحي اليوناني الذي يطلق عليه حالياً اسم الخشعة شمال غرب التل، وفي الفترة البيزنطية سميت بـ(كاريناس)، حيث أصبحت أسقفية تابعة إلى ميتروبولتانية بصرى.
وتطرق إلى أنه في الفترة الإسلامية، رحل إليها الصحابي الجليل سعد بن عبادة حامل راية الأنصار وتوفي فيها سنة 13- 14 للهجرة، مشيراً إلى أن تسميتها تأتي نسبةً لهذا لصحابي الجليل، وفي الفترة الأموية اتخذها الخليفة مروان بن محمد سنة 127 هجرية قاعدة لتجهيز جيشه لإخضاع المتمردين على سلطته في الجنوب.
ولفت إلى أن دائرة آثار درعا نفذت أعمال تنقيب أثرية في عام 2007م، واكتشف مبنى في غاية الأهمية التاريخية، وهو عبارة عن جزء من المعبد الروماني الذي أقيم تخليداً للصخرة المقدسة التي تعود للنبي أيوب عليه السلام، والتي تم الكشف عنها على عمق 350 سم، علماً أن هذه الصخرة موجودة قبل فترة رمسيس الثاني بحوالي 300 سنة تقريباً، وذلك إذا صحّت الرواية التي تترجم النص الذي وجد عليها منقوشاً باللغة الهيروغليفية، وتشير إلى الفرعون رمسيس الثاني الذي جاء بعد ظهور النبي أيوب بـ 300 سنة تقريباً على رأي أغلب المؤرخين العرب.
وفي وصف المسلة الفرعونية المكتشفة (الصخرة المشار إليها آنفاً)، بيّن أمين متحف درعا الآثاري وائل كيوان لـ”الحرية” أن ارتفاعها كاملاً يبلغ 310سم ومتوسط عرضها حوالي 125سم وسماكتها 62 سم تقريباً، وهي مؤلفة من قطعتين الأولى تحمل بعض النقوش والكتابات الهيروغليفية ولكنها غير واضحة للعيان كثيراً، وإلى يمين المسلة يظهر رأس رمسيس الثاني وعليه تاج الملك، وإلى اليسار تظهر صورة جانبية لشخص مجهول الهوية، وهناك رأيان بشأنها، الأول يعتقد أن تكون لحاكم المدينة وهو ينظر إلى الفرعون بوقار، وبالكاد ترى يده اليمنى تمتد إليه، وربما تفسر بأنه يطلب العون منه أو تدل على الترحاب بالفاتح الجديد، وهذا يدفع للاعتقاد أن الجيش المصري فتح مدينة قرنيم (الشيخ سعد) صلحاً لا عنوةً، الأمر الذي دفع الفرعون لإبقائه على حكم المدينة ووضع صورته إلى جانبه كنوع من تثبيت ملكه وتبعيته له، والرأي الثاني ربما أنها لآلهة مصرية تقدم مفاتيح المدينة وتبارك النصر للفرعون، وبين الصورتين تظهر الكتابة الهيروغليفية وعلى ثلاثة حقول طولانية قد تكون نصاً لمعاهدة أو تخليداً لهذا الانتصار.
وبين كيوان أن المسلة الفرعونية تتصدر الآن واجهة متحف درعا، كقطعة أثرية توثق لمرحلة تاريخية مهمة من تاريخ حوران.