الحرية – آلاء هشام عقدة:
شهدت محافظة اللاذقية كغيرها من المحافظات السورية، ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار إيجارات المنازل خلال الفترة الأخيرة. هذا الارتفاع أثر بشكل كبير على الحياة اليومية للمواطنين، خاصة أنه يأتي في ظل تراجع الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم، ما يثير تساؤلات حول الأسباب التي أدت إلى هذه الزيادة والآليات المتبعة لتحديد الأسعار، بالإضافة إلى آثارها السلبية على المواطنين.
وفي هذا السياق، تناولت رئيس قسم الاقتصاد في جامعة اللاذقية الأستاذة الدكتورة رولا غازي إسماعيل، هذه القضية من عدة جوانب، مقدمة رؤيتها حول الأبعاد الاقتصادية لهذه الظاهرة، والحلول المقترحة لضبط الأسعار.

العرض محدود مقارنة بالطلب
بينت د. رولا في تصريحها لـ”الحرية” أن تحديد أسعار إيجارات العقارات يعتمد عادة على مبدأ العرض والطلب، حيث يؤدي ارتفاع الطلب إلى زيادة الأسعار، بينما يؤدي زيادة العرض إلى انخفاضها.
وفيما يتعلق بالسوق السورية بشكل عام، أوضحت د. رولا أن ارتفاع الإيجارات شهدته مناطق ومحافظات معينة، مشيرة إلى أن السبب الرئيسي يعود إلى زيادة عدد الوافدين إلى هذه المناطق، ما أدى إلى زيادة الطلب على الاستئجار، في وقت لا يزال العرض محدوداً مقارنة بالحاجة المتزايدة.
رفع الإيجارات لتغطية الخسائر
وأضافت: أن هناك عوامل أخرى ساهمت في هذا الارتفاع، مثل انخفاض قيمة الليرة السورية وعدم استقرار سعر الصرف، ما دفع المؤجرين إلى رفع الإيجارات لتغطية الخسائر الناجمة عن تدهور العملة. مبينة أن ارتفاع أسعار المحروقات أدى إلى زيادة تكاليف النقل، ما دفع العديد من سكان الريف إلى البحث عن منازل في المدن، ما زاد من الطلب على الإيجارات.
وتابعت: أدى انخفاض الإنتاج الزراعي في العديد من المناطق نتيجة شح المياه، والحرائق التي اجتاحت بعض القرى، إلى زيادة إقبال سكان الريف على المدن، بحثاً عن فرص عمل وأسلوب حياة أفضل.
ولفتت إلى أن ارتفاع أسعار مواد البناء قد ساهم بدوره في زيادة تكلفة العقارات، ما جعل أصحاب العقارات يرفعون الأسعار.
من جهة أخرى، قالت د. رولا: إن غياب الرقابة القانونية على الإيجارات، وعدم وجود سقف معين للأسعار، جعل من أصحاب العقارات يتحكمون بتحديد الإيجار لصالحهم، ودخول المكاتب العقارية كوسيط في عملية الاستئجار وحصوله على نسبة معينة، كل هذه العوامل أدت لارتفاع الإيجارات.
ونوهت بأن ما يدخل في رفع الإيجار ماهية استخدام العقار، ففي حال كان للسكن يكون أقل ما إذا طلب لأعراض استثمارية أو تجارية، وأيضاً مدى تجهيز العقار يلعب دوراً في زيادة الإيجار، وكذلك المنطقة فوجوده بمنطقة شعبية غير منطقة منظمة، أو منطقة مخدمة أكثر…الخ.
أما بالنسبة للأثر الذي يترتب على المواطنين بسبب هذه الزيادة، فقد اعتبرت د. رولا أن ارتفاع الإيجارات يؤدي إلى تآكل القيمة الحقيقية للأجور، التي يحصل عليها المواطنون، مدما يضطرهم للبحث عن أكثر من مصدر دخل لتغطية هذه الزيادات.
الحل في زيادة البناء
وأكدت أن الحلول تكمن في زيادة العرض من خلال بناء مزيد من العقارات، وهو أمر يجب أن تقوم به الحكومة، إضافة إلى ضرورة وضع سقف للإيجارات بناء على مؤشر الأسعار (CPI) مع نسبة 1% مثلاً، مراقبة الإيجارات إجراء تنظيمي لابد من الحكومة تنفيذه، فالحكومة عن طريق مديرية المالية تحدد سقف للإيجارات مع مراعاة خصوصية العقار من نواحٍ متعددة، وعلى المؤجرين الالتزام بهذا، وعند رغبة المؤجر رفع الإيجار لابد من إبلاغ الجهة الرسمية ممثلة بمديرية المالية مثلاً قبل 3أشهر من انتهاء عقد الإيجار، وهل تتم الموافقة على ذلك أم لا يتم.
أحمد (30 سنة، موظف حكومي): الزيادة في الإيجار أصبحت عبئاً كبيراً على دخلي المحدود. الخيارات المتاحة لنا محدودة، وأنا مضطر للبحث عن مكان أرخص ولكن الأسعار ما زالت مرتفعة.
فايز (36 سنة، عامل بناء) يقول: انتقلت للمدينة بحثاً عن عمل، لكن الإيجار هنا أكثر من ضعف ما كنت أدفعه في الريف. الملاك يفضلون تأجير عقاراتهم لأشخاص قادرين على دفع أسعار مرتفعة، وتتراوح إيجارات المنازل بين مليون لمنزل عادي غرفة وصالون لتصل إلى ثلاثة ملايين في مناطق عادية وتصل لأضعاف المبلغ في مناطق راقية كالكورنيش الغربي والصليبة، والأميركان.
زينب (29 سنة، عاملة في القطاع الخاص): الزيادة المستمرة في الإيجار تؤثر على استقرارنا العائلي، وكل دخلنا تقريباً يذهب لدفع الإيجار، ما يعقد حياتنا اليومية.
الآراء تظهر معاناة كبيرة من الارتفاع الحاد في الإيجارات، ما يضغط على المواطنين اقتصادياً ويجعلهم يضطرون لتقليص احتياجاتهم الأساسية أو البحث عن حلول صعبة مثل العمل في أكثر من وظيفة أو الانتقال إلى مناطق بعيدة.
الإيجارات تمثل تحدياً حقيقياً
في ضوء ما سبق، نجد أن الزيادة الكبيرة في أسعار الإيجارات في اللاذقية وغيرها من المحافظات السورية، تمثل تحدياً حقيقياً للعديد من المواطنين، الذين يعانون من ضغوط اقتصادية متزايدة. وبينما تساهم عدة عوامل في تفاقم هذه الأزمة، يبقى التدخل الحكومي من خلال تنظيم السوق العقاري، وضبط الأسعار هو السبيل الأمثل لتحقيق الاستقرار، وتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين.