الرئيس الشرع في السعودية.. الزيارة الأهم على مقياس مستقبل سوريا

مدة القراءة 9 دقيقة/دقائق

الحرية- مها سلطان:

تكفي نظرة سريعة على محركات التعريف بمنتدى مستقبل الاستثمار (FII) الذي ينطلق في العاصمة السعودية الرياض.. لندرك المستوى عالي القيمة والأهمية لمشاركة الرئيس أحمد الشرع في هذا المنتدى، حيث من المقرر أن يصل إلى السعودية على رأس وفد اقتصادي وسياسي رفيع المستوى.

زيارة الرئيس الشرع للسعودية -وهي الثالثة لهذا العام- لا تفترق في أهدافها والآمال المعقودة عليها، عن الزيارتين السابقتين (في شباط وأيار الماضيين) وإن كانت الزيارة الحالية بأهدافها وآمالها أوسع وأبعد تأثيراً تبعاً لأهمية الحدث العربي/ السعودي (الإقليمي/العالمي) الذي تأتي في سياقه.
صحيح أن الاقتصاد يطغى بأجنداته الثقيلة كـ«مفتاح للازدهار» العالمي، وحيث سوريا جزء أساسي منه، إلا أنه بالنسبة لسوريا فإن الاقتصاد ليس فقط استثمارات ومستثمرين، بل هو -بالتوازي- المرتكز الأكثر إلحاحاً في المرحلة الحالية لإرساء سياسات متينة نحو استقرار مستدام. بمعنى أن الاقتصاد والسياسة يشكل كل منهما قاطرة للآخر في تجاوز سوريا هذه المرحلة الانتقالية الحساسة والصعبة، يتساوى في ذلك التحديات الداخلية والخارجية.

– بالنسبة لسوريا فإن الاقتصاد ليس فقط استثمارات ومستثمرين بل هو -بالتوازي- المرتكز الأكثر إلحاحاً لإرساء سياسات متينة نحو استقرار مستدام

ولأن هذه التحديات مرتبطة بالاقتصاد والصراع الجيو- اقتصادي على تقاسم النفوذ ومناطق المال والأعمال حول العالم، فإن مشاركة سوريا في المنتدى -الذي يتخذ هذا العام قيماً مضافة على كافة المستويات.. تشكل منعطفاً بارزاً على خريطة الانفتاح السياسي من جهة، ارتباطاً بما تحمله الأيام المقبلة من تطورات اقتصادية قد تكون حاسمة لمستقبل سوريا، من جهة أخرى.

– لنوضح أكثر بتفاصيل أوسع..

لماذا زيارة الرئيس الشرع للسعودية، بشقيها الرسمي والاقتصادي، هي الأكثر أهمية على مقياس مستقبل سوريا؟
أولاً، أن تحجز سوريا مقعداً لها ضمن أهم المؤتمرات الدولية الاقتصادية، فهذا ليس بالتطور العادي.. وأن يكون الرئيس الشرع حاضراً في أكبر وأقوى تجمع لعمالقة المال والأعمال، ولأبرز رؤساء ومسؤولي الدول، فهذا حضور مُقدّر له أن يشكل الدعائم الأساسية لسوريا المستقبل، نحو نهضة اقتصادية راسخة، وبما يدفع سوريا لأن تكون إحدى أبرز مراكز القوة على الخرائط الجيو- اقتصادية التي ترسمها المراكز المالية والتكتلات الاقتصادية العالمية.

– أن يكون الرئيس الشرع حاضراً في أكبر وأقوى تجمع لعمالقة المال والأعمال في العالم فهذا حضور مُقدر له أن يشكل الدعائم الأساسية لسوريا المستقبل

ثانياً، أن تكون السعودية بلد الاستضافة والقيادة لمنتدى مستقبل الاستثمار، فهذا يعني أن لسوريا مكانة محفوظة وموثوقة.. وأن تكون سوريا مشاركة في المنتدى فهذا يعني أن السعودية مستمرة في رمي كامل ثقلها الاقتصادي (والسياسي) خلف سوريا، ما سينعكس بصورة مباشرة على سياق جدول أعمال الرئيس الشرع، لناحية اللقاءات الثنائية المحتملة على هامش المنتدى، ولناحية ما قد يتم التوصل إليه من اتفاقات اقتصادية، أو حتى التوقيع عليها..
لنذكر هنا أن الرئيس الشرع يفتتح زيارته بلقاء رفيع المستوى مع ولي العهد الأمير السعودي محمد بن سلمان، هذا اللقاء بحد ذاته سيشكل دفعاً وقوة لما يمكن أن يحققه حضور الشرع، على مستوى اللقاءات والاتفاقات، وعلى مستوى الكلمة التي سيلقيها، والمقررة في آخر أيام المؤتمر، وفق ما يتم تداوله حتى كتابة هذه السطور.

– قمة للقيادات العالمية

ثالثاً، يُصنّف منتدى مستقبل الاستثمار -في نسخته التاسعة- بأنه قمة غير مسبوقة للقيادات السياسية والاقتصادية العالمية، حيث يجمع أكثر من 8000 مشارك، بينهم 15 رئيس دولة، إلى جانب نخبة من أبرز قادة التمويل والأعمال العالميين مثل جيمي ديمون (جي بي مورجان تشيس)، ولورنس فينك (بلاك روك)، وجين فريزر (سيتي)، وراي داليو، وروث بورات (ألفابت/جوجل). كما سيحضر ممثلون كبار عن قطاع التكنولوجيا والطاقة، بينهم ليب بو تان من شركة «إنتل».

– سوريا تعول على السعودية وعلى المنتدى لوضع عملية الإعمار على سكة التنفيذ لناحية التمويل الدولي من جهة واستقطاب الاستثمارات من جهة ثانية

وسيشهد المنتدى عقد صفقات يتجاوز حجمها 60 مليار دولار، مع 40 صفقة واتفاقية جديدة، بهدف توحيد الجهود والاستثمار في إيجاد حلول للتحديات العالمية التي تساهم في ترك أثر إيجابي على البشرية من خلال الحوارات التي تسهم في صياغة القرارات وصنع الفرص وخريطة طريق لحلول تمس حياة الملايين.
وفيما تعوّل السعودية على تجديد ثقة المستثمرين العالميين، انطلاقاً من ريادتها العالمية سياسياً واقتصادياُ، فإن سوريا تعول على السعودية وعلى المنتدى لوضع عملية إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي على سكة التنفيذ لناحية التمويل الدولي من جهة، واستقطاب الاستثمارات من جهة ثانية.
وكان البنك الدولي قدر تكلفة إعادة إعمار سوريا بنحو 216 مليار دولار، وذلك في تقرير أصدره قبل أيام بعنوان «تقييم الأضرار المادية وإعادة الاعمار في سوريا 2011-2024». وهذا رقم ضخم يضع سوريَة في قلب اهتمامات صناديق الاستثمار العالمية والمستثمرين الاستراتيجيين.

– كلمة الرئيس الشرع

لذلك هناك ترقب كبير لكلمة الرئيس الشرع أمام المنتدى، باعتباره ضمن أبرز المتحدثين، ومن المتوقع أن يكون ملف إعادة الإعمار محور كلمته. ولا يخفى أن الرئيس الشرع يحرص على تبني خطاب سياسي يقوم على الانفتاح الاقتصادي والتوازن الدبلوماسي، وهو ما عكسته زياراته الخارجية وآخرها روسيا، إلى جانب لقاءاته مع وفود عربية وغربية، في إطار إعادة تعريف موقع ومكانة ودور سوريا ضمن التطورات الكبرى التي تشهدها المنطقة.

ولا يخفى أيضاً أن السعودية تشكل محوراً رئيسياً في هذا المسار بعد قطيعة دامت أكثر من عقد (في عهد النظام السابق). وكان للسعودية دور كبير في وضع سوريا على محطة تاريخية فارقة في أيار الماضي عندما نظم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان اجتماعاً تاريخياً جمع الرئيس الشرع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهو الاجتماع الذي أطلق فيه ترامب مسار إلغاء العقوبات عن سوريا.
وكانت السعودية مهدت لمشاركة سوريا في منتدى مستقبل الاستثمار منذ تموز الماضي الذي شهد عقد أول منتدى استثمار سعودي- سوري (في دمشق) بمشاركة أكثر من 100 مستثمر وتمثيل حكومي سعودي رفيع المستوى، نتج عنه توقيع 47 اتفاقية استثمارية بقيمة تجاوزت 24 مليار ريال سعودي، تركزت على مشاريع البنية التحتية والقطاعين السياحي والعقاري.

– رسائل مباشرة

رابعاً، وعطفاً على ما سبق، فإن السعودية تريد من مشاركة سوريا في منتدى مستقبل الاستثمار أن تكون رسالة مباشرة للمستثمرين الإقليميين والعالميين بشأن جاذبية السوق السورية، كاستثمار استراتيجي يضعهم كأساس في رسم مستقبل المنطقة (وليس فقط مجرد تمويل إنساني) فموقع سوريا كجسر طبيعي بين أوروبا وآسيا، يؤهلها لأن تكون مركزاً لوجستياً وتجارياً مهماً في المنطقة، يعود بفوائد هائلة على الدول المستثمرة والجهات الممولة.
خامساً، في إحدى أهم محركات التعريف لمنتدى مستقبل الاستثمار، في نسخته التاسعة الحالية، يوصف بأنه الأوسع تمثيلاً للجنوب العالمي في تاريخ المنتدى منذ نسخته الأولى عام 2017. هناك حضور بارز للصين ورؤساء الأردن والعراق وباكستان وموريتانيا وألبانيا وبنغلاديش وكوبا ورواندا.

– المنتدى يكرس دوراً رئيسياً للاقتصادات الناشئة وهنا تكمن فرصة سوريا لتكون في موقع متقدم من خلال موقعها الاستراتيجي وإمكاناتها الهائلة وبما تمثله من سوق جاذبة للتمويل والاستثمارات

وبرأي الخبراء الاقتصاديين فهذا الحضور هو بمثابة معادلة جديدة تقوم على أن «النمو الحقيقي في العقد القادم سيأتي من الاقتصادات الناشئة» وهذا يتيح فرصة تاريخية لبناء «شراكات جنوب- جنوب» تجمع التمويل العربي والخبرة الآسيوية لبناء منظومات إنتاجية مبتكرة.
هنا تتسع فرص سوريا لتكون شريكاً أساسياً في هذه الشركات، من خلال موقعها الاستراتيجي، وإمكاناتها الهائلة التي تنتظر التمويل والمستثمرين.

– تفاؤل وثقة

بلا شك، هناك تفاؤل كبير بزيارة الرئيس الشرع للسعودية ومشاركته في منتدى مستقبل الاستثمار، وهو تفاؤل يرتكز -هذه المرة- على دعائم أساسية لناحية قوة الدعم السعودي، ولناحية أن سوريا أكثر ثقة ووضوحاً في مساراتها السياسية استناداً لما تم إنجازه داخلياً على مستوى إرساء ركائز الدولة ومؤسساتها.. هذا ستتم ترجمته عملياً في كلمة الرئيس الشرع أمام المنتدى من جهة، وفيما سيخرج عن المنتدى من اتفاقيات واستثمارات، وموقع سوريا فيها، من جهة أخرى.

Leave a Comment
آخر الأخبار