الاقتصاد المنزلي إستراتيجية مجتمعية لمواجهة الأزمات الاقتصادية

مدة القراءة 5 دقيقة/دقائق

الحرية – بشرى سمير:

أصبح الاقتصاد المنزلي ركيزة أساسية في بناء المجتمعات المتوازنة، حيث يمثل النشاط الاقتصادي داخل نطاق الأسرة الذي يشمل إدارة الموارد المالية والاستهلاكية والغذائية.
وعلى الرغم من صغر نطاقه مقارنة بالاقتصاد الكلي إلا أن تأثيره يمتد ليشكل دعامة قوية للاقتصاد العام من خلال آليات متعددة.
الخبير  في الاقتصاد المنزلي الدكتور  مهند الحصري، عرف مفهوم الاقتصاد المنزلي أنه  العلم الذي يهتم بإدارة شؤون الأسرة المعيشية بشكل فعال، من خلال ترشيد الاستهلاك، والتخطيط المالي، والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة. ولا يقتصر على الجانب المالي فقط، بل يشمل أيضاً الجوانب الصحية والغذائية والتربوية والبيئية.

مبادئ الاقتصاد المنزلي

وأضاف في تصريح لـ”الحرية”: عندما تتبنى  الأسر مبادئ الاقتصاد المنزلي في إدارة ميزانياتها فإنها تساهم في خفض معدلات الاستهلاك المفرط، ما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني من خلال تخفيف الضغط على الاحتياطي من العملات الأجنبية، وتقليل التضخم، إضافة إلى تحقيق استقرار في الأسواق وتعزيز ثقافة الادخار والاستثمار.
وأشار الحصري إلى مساهمة الاقتصاد المنزلي في تنمية المدخرات الأسرية التي تشكل مصدراً مهماً لتمويل المشاريع الاستثمارية عبر:
– زيادة الودائع البنكية.
– وتنمية سوق الأوراق المالية.
– وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

الادخار وتنمية المشاريع الصغيرة

وعن إمكانية المواطن السوري في تعزيز الاقتصاد العام، بين أنه يمكنه من خلال اقتصاده المنزلي أن يساهم بدرجة ملحوظة، خاصة عبر سلوكيات مثل الادخار وتنمية المشاريع الصغيرة، لكن هذه المساهمات تواجه تحديات كبيرة في ظل الظروف الراهنة.

خبير : تنمية المدخرات الأسرية تشكل مصدراً مهماً لتمويل المشاريع الاستثمارية

لافتاً إلى أن المساهمة الفعلية تعتمد على عدة ممارسات يقوم بها الأفراد والأسر من خلال الادخار بوصفه داعمًا للاستثمار، إذ يُعد الادخار سلوكًا تقليديًا للسوريين لكن دوافعه تطورت في السنوات الأخيرة.
فبالإضافة إلى الادخار لمواجهة الظروف الطارئة أو لتأمين المؤن الغذائية، أصبح الادخار النقدي وسيلة لتمويل التعليم الجامعي للأبناء أو حتى لتأمين تكاليف السفر والهجرة.. هذه المدخرات  إن أمكن تحويلها إلى قنوات استثمارية رسمية (مثل المشاريع الصغيرة أو عبر النظام المصرفي)، فإنها تشكل مصدرًا حيويًا لتمويل الاستثمار المحلي وزيادة رأس المال الوطني.

رأس المال البشري

وفيما يتعلق  بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال ودعمها، أوضح الحصري أنها  أحد أهم روافد التنمية. فهي لا توفر فرص عمل للأفراد والعائلات فحسب، بل تسهم في زيادة الإنتاج المحلي، وتعزيز الصادرات، وتقليل العجز في الميزان التجاري .

ويمكن للاقتصاديات المنزلية أن تكون نواة لهذه المشاريع، خاصة في المجالات الحرفية والزراعية والرقمية، وقد لجأ الكثير من السوريين ولا سيما في المناطق الريفية، إلى زراعة أراضيهم الصغيرة وإنتاج ما أمكنهم من غذاء لمواجهة الغلاء وشح الموارد هذه الممارسات لا توفر الغذاء للأسرة فقط، بل تسهم في خفض الاعتماد على الواردات وتدعم سلاسل التوريد المحلية، ما ينعكس إيجابًا على صمود الاقتصاد الكلي في أوقات الأزمات.
وأضاف: إن تعليم الأبناء وتطوير المهارات يُعد استثمارًا منزليًا طويل الأجل في رأس المال البشري، وتعتمد قدرة الاقتصاد على النمو بشكل أساسي على وجود قوى عاملة ماهرة قادرة على قيادة القطاعات الإنتاجية والابتكار .
ولم يخف الحصري أن هذه المساهمات تواجه عقبات هيكلية حادة نتيجة عدم استقرار  البيئة الاقتصادية، حيث يعاني الاقتصاد السوري من تضخم متصاعد، وانهيار في قيمة العملة، وارتفاع حاد في الأسعار. هذه العوامل تجعل عملية الادخار المنظم شبه مستحيلة بالنسبة لغالبية السكان، كما تضعف القوة الشرائية وقدرة الأسر على الاستثمار، إضافة إلى ضعف البنية التحتية والمؤسسات وعدم كفاية البنية التحتية من طرق واتصالات وكهرباء، يعيق تحويل المدخرات المنزلية إلى استثمارات منتجة ، كما أن تعقيد الإجراءات البيروقراطية وانتشار الفساد يضعفان همم أصحاب المبادرات الصغيرة، وكذلك وجود العديد من الشبان خارج البلاد  وهجرتهم القسرية وتالياً نزيف رأس المال البشري، خاصة من ذوي الكفاءات والخبرات  شكل خسارة الاقتصاد للاستثمارات التي أنفقت على تعليمهم ومهاراتهم.

بيئة داعمة

وختم الحصري بالقول: باختصار  يمتلك المواطن السوري من خلال اقتصاده المنزلي إمكانات حقيقية لتعزيز الاقتصاد العام  ومع ذلك، فإن تحويل هذه الإمكانات إلى واقع ملموس يتطلب بيئة داعمة  تبدأ بتحقيق الاستقرار وإصلاح المؤسسات، وبناء الثقة، وتشجيع الاستثمار بدون معالجة هذه التحديات الجذرية  ستظل مساهمة الاقتصاد المنزلي محدودة ومحصورة في نطاق ضيق رغم صمود الأسر السورية.

مع ذلك يظل الاقتصاد المنزلي عاملاً حاسماً في تحقيق الاستقرار الاقتصادي الشامل فالأسر المقتصدة والمخططة تشكل لبنات الاقتصاد الوطني القوي لذا، يجب على الحكومات والمؤسسات التعليمية والإعلامية العمل على تعزيز مفاهيم الاقتصاد المنزلي ونشرها في المجتمع، لأن استقرار الاقتصاد الكلي يبدأ من استقرار الاقتصاد الصغير داخل كل منزل.

Leave a Comment
آخر الأخبار