الحرية ـ سناء عبد الرحمن:
يشهد العالم في السنوات الأخيرة تصاعداً مقلقاً لظاهرة التنمّر الإلكتروني، خصوصاً بين فئة المراهقين الذين باتوا أكثر التصاقاً بعالم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ولم يعد استخدام هذه الوسائل مقتصراً على الترفيه أو الدراسة، بل أصبحت جزءاً محورياً في حياتهم اليومية، ما جعلهم أكثر عرضة للإساءة الرقمية بأشكالها المختلفة.
توضح الاختصاصية النفسية الدكتورة دينا قباني في لقاء خاص لصحيفة “الحرية”، أن التنمّر الإلكتروني يعد من أخطر التحديات النفسية التي تواجه المراهقين اليوم، لما يتركه من آثار عميقة على الصحة النفسية والجسدية على حدٍّ سواء.
فالمراهقون الذين يتعرضون للتنمر الإلكتروني يعانون غالباً من اضطرابات نفسية متعددة مثل الاكتئاب والقلق والشعور بالوحدة والانسحاب الاجتماعي، وقد تتطور هذه الحالات أحياناً إلى أفكار انتحارية أو سلوك مؤذٍ للذات، كما أن الآثار لا تقتصر على الجانب النفسي فقط، بل تمتد لتظهر في أعراض جسدية كالصداع واضطرابات النوم والمعدة وفقدان الشهية، وهي في جوهرها انعكاس للضغط النفسي المتراكم.
عزلة وانطواء
وتشير قباني إلى أنّ الثقة بالنفس هي أول ما يتضرر عند المراهقين ضحايا التنمّر، ما ينعكس على علاقاتهم الاجتماعية ومستواهم الدراسي.
ويشعر الضحايا بالإحراج والعزلة، فيبتعدون عن أصدقائهم وأنشطتهم المعتادة، وقد يلجأ بعضهم إلى العنف أو تعاطي المواد هرباً من المعاناة. من هنا يجب أن ينتبه الأهل لأي تغيّر في سلوك أبنائهم، مثل الانطواء المفاجئ أو تراجع الأداء المدرسي أو الخوف من استخدام الإنترنت.
اختصاصية نفسية: الفتيات أكثر عرضة
الفتيات أكثر عرضة للتنمر
أما عن الفروقات بين الجنسين، فتوضح د. قباني أن نتائج الدراسات ما زالت متباينة، فمعظم الأبحاث لم تجد اختلافاً كبيراً في التأثير بين الذكور والإناث، لكن بعض الدراسات أشارت إلى أن الفتيات أكثر عرضة للتنمّر الإلكتروني، وربما أكثر تأثراً به نفسياً نظراً لحساسيتهم الاجتماعية وطبيعة التفاعلات الإلكترونية التي يشاركن فيها.
و أن الوقاية تبدأ من الاستخدام الواعي للإنترنت، موضحةً أن هناك خطوات بسيطة لكنها فعالة يمكن أن تحد من التعرض للتنمّر، ومنها تفعيل إعدادات الخصوصية، عدم قبول طلبات الصداقة من أشخاص مجهولين، تجاهل التعليقات المسيئة وعدم الرد عليها، وعدم نشر المعلومات الشخصية أو الصور الخاصة. كما أن اللجوء إلى العائلة أو المدرسة للإبلاغ عن الإساءة خطوة ضرورية لحماية النفس ووضع حد للمشكلة.
وتشدد قباني على أن التوعية هي حجر الأساس في مكافحة التنمّر الإلكتروني، سواء لدى المراهقين أو الأهل أو الكادر التعليمي، فالدعم الأسري والمدرسي هو ما يصنع شخصية متوازنة قادرة على المواجهة والتعافي.
الوعي والمسؤولية
وأكدت د. قباني أنّ الحل لا يكمن في الابتعاد عن الإنترنت، بل في تعليم المراهقين كيفية التعامل معه بوعي ومسؤولية، فالمنصات الإلكترونية يمكن أن تكون سلاحاً ذا حدين؛ فهي من جهة وسيلة للتنمّر والإيذاء، ومن جهة أخرى أداة فعالة للتوعية ونشر ثقافة الاحترام والتعاطف، والمطلوب أن نحوّلها من مساحة أذى إلى مساحة وعي وحماية.