البطالة والأجور الزهيدة من الأسباب.. نزيف الكفاءات وهجرة العقول يعلق حلم العودة

مدة القراءة 6 دقيقة/دقائق

الحرية – إلهام عثمان:

على وقع حلم العودة إلى الوطن، يحط آلاف السوريين الرحال بعد سنوات من الغربة الموجعة، حاملين في جعبتهم خبرات متراكمة وٱمالاً معقودة على المساهمة في إعادة الإعمار، لكن سرعان ما تصطدم أحلامهم بصخرة الواقع المرير، حيث أجور لا تكاد تسد الرمق، وفرص عمل هشة لا توفر أبسط مقومات العيش الكريم.
فكيف تحولت عودة الكفاءات من فرصة ذهبية لإنعاش الاقتصاد إلى معاناة يومية تثقل كاهل العائدين والاقتصاد الوطني معاً؟

صدمة العودة

كشف الخبير الدولي في التنمية البشرية فادي حمد ومن خلال حوار خاص مع “الحرية”، أن المغتربين العائدين يمكن تقسيمهم إلى نوعين:
– الأول أصحاب رؤوس الأموال القادرين على تحريك العجلة الاقتصادية.
– والثاني أصحاب المهن الذين يواجهون صدمة حقيقية في الفارق بين أجور الداخل والخارج.

حمد: وضع معايير عادلة لأجور العمالة وإيجاد بيئة مشجعة لعودة الكفاءات والمحافظة عليها والتركيز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة

شهادات من الميدان..

وعلى الأرض، بين أبو محمد (45 عاماً) أنه عاد من مغتربه في لبنان، حيث كان يمتهن النجارة، ويقول: عُرضت عليّ فرص عمل في مشاغل محلية بأجر يومي لا يتجاوز 70 ألف ليرة، وهو أجر زهيد مقارنة بالواقع الاقتصادي للبلد، ومع ارتفاع الأسعار فإن مبلغ 70 ألفاً كأجر يومي لا تكفي وحدها، لذلك فضلت البقاء في المنزل على العمل بأجر لا يليق بكفاءتي وخبرتي”.
في نفس السياق، تؤكد لمى ذات (39عاماً)، قائلة: “عدت من مصر حاملةً خبرة خمس سنوات في شركات تصميم دولية، لكن العروض المحلية لا توفر حتى ربع راتبي السابق”.
وتستطرد: “كيف لي أن أتقبل عملاً دون تأمين صحي وبأجر لا يضمن لي حياة كريمة؟”.
وهنا يصنف حمد المغتربين العائدين إلى وطنهم ضمن فئتين رئيسيتين:
– فئة المستثمرين: وهم أصحاب رؤوس الأموال الذين يمتلكون القدرة على تحريك العجلة الاقتصادية من خلال استثماراتهم الضخمة، وقدرتهم على تبني مشاريع تنموية طموحة، ما يجعلهم عناصر فاعلة في أي بيئة اقتصادية يتواجدون فيها.
– وفئة أصحاب المهن: وتشمل هذه الفئة العمالة المهنية وأصحاب العمل الحر، الذين غالباً ما يصابون بصدمة حقيقية عند مقارنة أجور العمل في الداخل بتلك التي كانوا يتقاضونها أثناء فترة الاغتراب، فالأجور المحلية لا تتجاوز 20% من نظيرتها في بلدان الاغتراب، ما يخلق فجوة دخل كبيرة.

العمل بالمجان

كما أشار حمد إلى أن هذه الفجوة الواسعة تدفع بالعديد من العائدين إلى رفض فكرة “العمل بالمجان” أو مقابل أجر زهيد، خاصة مع مقارنته بما كانوا يحصلون عليه سابقاً.
كما أن عدم تقبلهم لسياسات التقشف، وتردي القدرة الشرائية للعملة المحلية، يضاعف من التحديات التي تواجههم، وهنا نجد أن النتيجة الطبيعية لهذا الواقع، هي ظهور طبقة مجتمعية جديدة عاطلة عن العمل. فالكثير من أصحاب المهارات والحرف العائدين من المغترب، وعندما يكتشفون حجم التفاوت في الأجور، يفضلون البقاء في منازلهم على قبول عمل لا يليق بكفاءتهم ولا يكفي لسد احتياجاتهم الأساسية.

تحذيرات الخبراء…

بدوره حذر الخبير الاقتصادي إسكندر العبد الله من تداعيات هذه الظاهرة، مشيراً إلى أن استمرار تدهور القوة الشرائية لليرة السورية وتردي الأجور الحقيقية للعاملين يدفع بالكفاءات إلى الهجرة مرة أخرى، أو التحول إلى طبقة عاطلة جديدة.
من جهته أكد حمد: أن المشكلة ليست في عدم رغبة العائدين بالعمل، بل في عدم قدرة السوق على تقديم أجور عادلة تناسب خبراتهم وتوفر لهم حياة كريمة.

العبد الله: استمرار تدهور القوة الشرائية لليرة السورية وتردي الأجور وراء هجرة العقول أو التحول إلى طبقة عاطلة جديدة

حلول على الورق..

وفي ظلّ التحولات الاقتصادية الأخيرة، بين العبد الله أن الحلول المطروحة لمعالجة أزمة العائدين بدأت تأخذ مساراً أكثر واقعية، لكنها لا تزال تواجه تحديات جسيمة في التنفيذ.
وعن الحلول الحالية هناك ثلاثة محاور رئيسية تشمل سياسات نقدية وجذب الاستثمار وقطاع الطاقة وفق رؤيا العبد الله، مشيراً إلى أن أبرز التحديات التي تكمن في الفجوة بين التعهدات والتنفيذ الفعلي، واستمرار أزمة السيولة والفساد الإداري السابق في بعض الجوانب، وضعف التركيز على القطاعات الإنتاجية.
وفي ذات السياق أوضح حمد: أن المشاريع الكبرى لا تكفي وحدها، فلا بد من التركيز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تخلق فرص عمل حقيقية وتعالج البطالة بشكل مباشر.

ويضيف حمد: هذه المعضلة تؤثر سلباً على عملية إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية من خلال:
– حرمان سوق العمل من كفاءات وخبرات مهمة.
– وتعطيل عملية استقطاب الكفاءات المغتربة.
– إضافة إلى أن الإبقاء على الأجور المحلية عند مستويات متدنية لا تشجع على العمل.
وهنا ينصح حمد بأنه أصبح من الضروري العمل على تنشيط الاقتصاد، بوضع معايير عادلة لأجور العمالة، وخلق بيئة مشجعة لعودة الكفاءات والمحافظة عليها، بما يخدم عملية إعادة الإعمار والتنمية المستدامة.

نزيف الكفاءات

وختم حمد حديثه: تبقى معادلة استيعاب الكفاءات العائدة واحدة من أصعب المعادلات التي تواجه سوريا في مرحلة إعادة الإعمار، فبدون حلول جذرية تضمن حياة كريمة للعائدين، وتوفر لهم فرص عمل ملائمة، سيستمر نزيف الكفاءات، وسيبقى حلم العودة معلقاً بين طوابير البطالة ومغريات المنفى.

Leave a Comment
آخر الأخبار